دبلوماسية الأمن الجماعي ورسم محددات جديدة للشرق الأوسط (1)
بقلم: أ.م.د/ محمد عبد العظيم
استاذ العلوم السياسية المساعد- جامعة حلوان
في ظل تحديات غير مسبوقه تواجه العالم و منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، اصبحت دبلوماسية الققم الامنية واحده من محددات البناء الاستراتيجي للتعامل الجماعي مع مجمل تلك التحديات. ففي ظل مسارات العمل الثنائي، اصبحت دبلوماسية العمل الجماعي للابعاد الامنية مطلب تتسارع اليه دول المنطقة بين المنامة والرياض.
فبدعوة من خادم الحرمين الشريفين، يقوم رئيس جمهورية الصين الشعبية بزيارة رسمية إلى المملكة خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر 2022″.، و ستعقد خلال هذه الزيارة “قمة سعودية – صينية برئاسة خادم الحرمين الشريفين، و رئيس جمهورية الصين الشعبية، ومشاركة ولي العهد وسيتضمن برنامج الزيارة حضور رئيس الصين “قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية”، و”قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية”، وذلك بمشاركة قادة الدول الخليجية والعربية.
وتعد القمة الصينية العربية آلية جديدة أخرى رفيعة المستوى للتعاون الصيني العربي ستساعدها بشكل كامل على التعجيل والارتقاء في المستقبل”. و كانت كلا من السعودية والولايات المتحدة اختلفتا بشأن قرار أوبك + لخفض إنتاج النفط ، مما يعكس اتجاه واشنطن للتضحية بالمصالح السعودية لتحقيق مصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط. وأشارت عده تقارير إلى أنه يوجه تناقضا حادا مع التعاون بين الصين والدول العربية ، الذي لا علاقة له بالمصارعة الجيوسياسية ولكنه يهدف إلى التنمية لكلا الجانبين.
ولعلنا نرى ان الصين على استعداد لاغتنام عقد القمة الصينية العربية الأولى كفرصة للعمل مع الدول العربية للمضي قدما في الصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية وإثراء وتعميق باستمرار نمط متعدد الأبعاد ، ومتعدد المستويات. تعاون واسع النطاق والعمل معا لبناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك للعصر الجديد لصالح الجميع .
و تشير عده تحليلات إلى مجالات التعاون المستقبلية مثل الترويج لمبادرة الحزام والطريق وزيادة الصادرات من المنتجات غير النفطية من الدول العربية إلى السوق الصينية ودعم التعاون الاستثماري الصيني العربي في قطاعات مثل النفط والغاز الطبيعي. يعتقد الخبراء الصينيون أنه بالنظر إلى الطبيعة المتكاملة للغاية للدول الصينية العربية في مجال الطاقة ، ستركز القمة على التعاون في هذا المجال ودفع الاستكشاف في المجالات الناشئة مثل الطاقة النووية والطاقة الجديدة.
ومن المرجح أيضا أن تركز القمة على أمن الطاقة والأمن الإقليمي ، على سبيل المثال كيفية معالجة أوجه عدم اليقين المتزايدة مثل أزمتي الغذاء والطاقة وتغير المناخ والتي يمكن أن تكون أيضا محور التعاون الصيني العربي في المستقبل.
و من جانب اخر، فقد عقد حوار المنامة ، الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن ووزارة الخارجية البحرينية في الفترة من 18 إلى 20 نوفمبر 2022، يُعقد هذا الحوار سنويا منذ عام 2004 في مملكة البحرين ، وهو عنصر أساسي في الهندسة الأمنية في الشرق الأوسط. إنه يمكّن القادة الوطنيين والوزراء وصانعي السياسات من الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأوروبا وأفريقيا واسيا من التجمع معا لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي الأكثر إلحاحا ومشاركة الاستجابات السياسية. كان موضوع النسخة الثامنة عشر من حوار المنامة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية هو “القواعد والمنافسة في الشرق الأوسط”. في وقت التحديات الكبيرة للنظام القائم على القواعد ، قدم الحوار فرصة مناسبة لدراسة تأثيرها على المصالح والتأثير والقيم في الشرق الأوسط وما وراءه.
وقد جمع كبار المسؤولين الحكوميين على راسهم رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين ووزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي ، ورئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا ، ونائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، وقد منح كبار الوزراء ومسؤولي الأمن والمفكرين والباحثين الفرصة لتقديم أفكارهم ورؤىهم حول القضايا الأمنية التي تهيمن على جدول أعمالهم ، ومناقشة طرق التعامل معها. وكان موضوعا متكررا في مؤتمر هذا العام الذي انتهى قبل بضعة أسابيع ، هو أهمية العمل متعدد الأطراف والتعاون عبر البلاد لمعالجة المشكلات العالمية ، على الرغم من الاختلافات الجغرافية والسياسية. وقد تحدث الحاضرون عن مبدأ العمل الجماعي المشترك في مواجهة تحديات مثل الأوبئة وتغير المناخ والإرهاب وحماية البيئة ، وأمن الممرات البحرية.
والاحرى بالذكر هنا ان التحديات العامة تتطلب جهدا جماعيا ، ولكن السؤال الأبرز يحيط بالآليات المناسبة لتسهيل وضمان هذا التعاون الذي تمس الحاجة إليه. على سبيل المثال ، في مواجهة عواقب تغير المناخ ، هناك العديد من الاتفاقات الدولية ، وأبرزها اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ ، والتي حددت أهدافا والتزامات محددة لانبعاثات الكربون التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري. تم تقديم التزامات أخرى في منتديات أخرى ، مثل تلك التي اختتمت مؤخرا في العاصمة الاستكندلانديه جلاسكو قبل بضعة أسابيع فقط ، تتعلق بالتخفيضات في إزالة الغابات وانبعاثات الميثان واستخدام الفحم. لذلك ، هناك أهمية كبيرة للأفكار المقدمة في حوار منتدى المنامة حول القضايا الأمنية التي تهم عدد كبير من الدول وخاصة في منطقتنا العربية.
حملت النسخة الثامنة عشر من المنتدى هذا العام تحت عنوان “القواعد والمنافسة في الشرق الأوسط”، في ظل تعزيز مفهوم القوة الجماعية كحل للتحديات العالمية والإقليمية، وفي ظل تطلعات إلى معالجة التهديدات الإيرانية التي تلوح في أفق الشرق الأوسط والآثار المزعزعة للاستقرار للحرب الروسية في أوكرانيا.
و حددت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين اللهجة يوم الجمعة خلال كلمة رئيسية حذرت فيها العالم من التهديد العالمي الناجم عن إيران. وقالت فون دير لاين “العديد من دول الخليج تحذر منذ سنوات من خطر قيام إيران بتزويد الدول المارقة في جميع أنحاء العالم بطائرات بدون طيار”.”لقد استغرقنا وقتا طويلا لفهم حقيقة بسيطة للغاية وهي أنه بينما نعمل على منع إيران من تطوير أسلحة نووية ، يجب علينا أيضًا التركيز على الأشكال الأخرى لانتشار الأسلحة ، من الطائرات بدون طيار إلى الصواريخ الباليستية”.وأضافت في حدث البحرين: “إنه خطر أمني ليس فقط على الشرق الأوسط ، ولكن لنا جميعا”.
على نفس النحو، ألمحت رئيس الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية، فقد فرضت دول الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على كبار مسؤولي الأمن الإيرانيين ، واشارت إلى إن مظاهر القوة التي استخدمت للتهديدات بالاحتجاز والعنف للسيطرة على ما ترتديه النساء الإيرانيات وكيف يتصرفن في الأماكن العامة.