سياسة

الغرب وقناع حرية التعبير عن الرأى!

استمع الي المقالة

81476578-6224588

إرنا – حریة التعبیر عن الرأی.. أداة سیاسیة تستخدمها أمیرکا ودول غربیة أخری ومنها فرنسا، لتحقیق مصالحها وغایاتها، واشنطن تستخدم هذا الشعار سیفًا مسلطًا لابتزاز الدول الأخری حتی المخلصة لها والتی تدور فی فلکها.

بالتزامن مع قضیة الرسوم المسیئة للرسول الأکرم (ص) ومحاولة تبریر المس بالمقدسات بوضعها تحت عنوان الحریات، یستدعی القضاء الأمیرکی الصحافی فی «نیویورک تایمز» جیمس رایسن للتحقیق معه بشأن کتابه الذی تناول فیه بالتفصیل محاولة فاشلة من جانب الوکالة المخابرات المرکزیة لتقویض البرنامج النووی للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

 فی الوقت نفسه قناة «CNN» تعاقب کبیر مراسلیها «جیم کلانسی»، تستغنی عن ‘خدماته المتمیزة’ ، بحسب اعترافها وتعبیرها، کلانسی خدم القناة الأمیرکیة علی مدی 34 عامًا مراسلاً فی بیروت ولندن وبرلین، ومذیعًا رئیسیًا للقناة، ارتکب مؤخرًا جریمة «التعبیر عن الرأی»، انتقد «إسرائیل» لیس عبر القناة بل علی صفحته الخاصة علی موقع «تویتر».

 تغریدة واحدة لکلانسی یوم 7 کانون الثانی/ ینایر قال فیها: إن «إسرائیل تحاول استغلال اعتداءات شارلی إیبدو لتظهر للعالم أن جمیع المسلمین إرهابیون»، هذه التغریدة أثارت غضب غضب مؤسسة عائلة رودرمان الیهودیة التی کتبت رسالة مفتوحة لقناة «CNN» علی لسان مدیرها جای رودرمان، یشتکی فیها من تعلیقات کلانسی. یوم 16 کانون الثانی/ ینایر، أنهت القناة عمل کلانسی وحذفت سیرته الذاتیة عن موقعها، وکأنه لم یکن.

الحادثتان المناقضتان لمفاهیم حریة الرأی والتعبیر لیستا الأولی.. مقولة الحرص الأمیرکی علی الحریات مسألة ملتبسة. الشعار أداة سیاسیة تستخدمها واشنطن بما یؤمن مصالحها التی تعلو علی کل ما عداها. أما القیم الإنسانیة والأخلاقیة فلا مکان لها فی معادلة المصالح الأمیرکیة. لا فرق فی هذا السیاق بین أصدقاء وأدوات وأعداء. قد تستخدم واشنطن هذا الشعار لابتزاز دول تعتبر من الأدوات المخلصة والتی تدور فی فلکها. أما النتیجة فأصبحت معلومة لدی کثیرین داخل الولایات المتحدة وخارجها: الحریات تتراجع بشکل واضح وغیر مقنع.

 الواقع هذا یؤکد علیه أستاذ العلاقات الدولیة فی الجامعة اللبنانیة جمال واکیم فی حدیث لوکالة الجمهوریة الإسلامیة للأنباء «إرنا». الحریات من وجهة نظره ‘تضیق وتتوسع فی واشنطن بحسب الظروف’. تصل الأمور إلی ممارسة القمع والتضییق تجاه إعلامیین ومثقفین وأساتذة جامعات. هذا الأمر برأی واکیم ‘جزء أساسی من «الحرب الناعمة» التی یتزاید الترکیز والتعویل علیها فی واشنطن لتعویض فشل القوة الصلبة فی أکثر من منطقة’.

 یتحدث واکیم عن حالات تجسس تعرض لها أساتذة جامعات مرموقین لمجرد أنهم عبروا عن آراء تنتقد سیاسات وأفکار المحافظین الجدد. التهمة جاهزة وهی «دعم الإرهاب». بحسب معلومات واکیم فان ‘جزءًا من هؤلاء الأساتذة هرب إلی بلدان مجاورة مثل کندا إلا أن التهدیدات لاحقتهم حتی فی البلدان التی لجأوا إلیها’ .

 إذاً مفهوم الحریات لیس حقیقیًا. إنه أحد الأوهام التی روج لها الإعلام الغربی بذکاء. إلا أن الوقائع فی مکان آخر. یری الدکتور حسن جونی أستاذ القانون الدولی أن ‘الشرکات الکبری وأصحاب الاحتکارات الکبری هم الذین یدیرون عملیة ترسیم حدود الحریات فی الولایات المتحدة الأمیرکیة وفق مبدأ مصلحتهم ولیس مصلحة الشعب الأمیرکی’.

 هذا الواقع لیس جدیداً أو طارئا لکنه اتخذ أبعادا جدیدة بعد أحداث 11 أیلول. قانون المواطن الذی صدر بعد تلک الحادثة الشهیرة یسمح للسلطات الأمنیة الأمیرکیة أن تمارس نشاطات تشبه الممارسات التی تقوم بها أجهزة استخبارات الأنظمة البولیسیة مثل التوقیف الاعتباطی والتحقیق من خارج القانون.

 برأی واکیم ‘لقد شرع هذا القانون لأسوأ الممارسات بحق المواطنین الأمیرکیین والمقیمین هناک’. الأمر أصبح مسلما به لدی الخبراء بالشأن القانونی.

 یضح جونی أن هذا التاریخ ‘أسس لکم أفواه ولتمییز وفق اللون والعرق والدین’. فی کل الولایات الأمیرکیة أصبح الاتهام المسبق لأی مسلم هو «القاعدة». لیس المسلمین فقط من عانوا من الممارسات المقوننة. یتحدث جونی عن ‘استهداف عدد کبیر من المثقفین والإعلامیین وأساتذة الجامعات الذین یتمتعون بوعی ثقافی وسیاسی دفعهم لتبنی أفکار مناهضة للسیاسات الأمیرکیة وداعمة لقضایا الشعوب المظلومة’. هؤلاء تتم محاکمتهم وتطبق بحقهم العقوبات المختلفة.

 هذه المعلومات والمعطیات تحدث عنها أمیرکیون. فقد صدرت کتب حول هذا الموضوع أبرزها للکاتبة نعومی کلاین. عنوان الکتاب «عقیدة الصدمة». تتحدث الکاتبة عن معالجة الکوارث بالصدمة. هذا ما اعتمدته واشنطن تجاه شعوب العالم ولکن یبدو أنها اضطرت لاستخدام هذه الآلیات خاصة فی داخل مجتمعها من خلال إعطاء أولویة کبیرة للأمن. یعتبر واکیم أن ما یجری ‘ترجمة لمفهوم «الحرب الناعمة» التی ینخرط فیها ممثلون وریاضیون ونجوم’. برأیه فان ما یقوم به الممثل جورج کلونی مثلاً وزمیلته انجلینا جولی وغیرهم لا یتم إلا بناء علی تعلیمات المؤسسة.

 یتوجه هؤلاء إلی مناطق معینة ویثیرون قضایا عالمیة فی التوقیت الذی یناسب وکالة الاستخبارات الأمیرکیة. یتبنی هؤلاء عناوین إنسانیة ولکن بحقیقة جیوسیاسیة. یشیر واکیم إلی هذه المعطیات لتأکید فکرة أن إثارة قضایا محددة فی توقیت معین عبر الإعلام الأمیرکی لا یتم وفق قواعد ومفاهیم حریات الرأی وما شابهها.هذه الحریات خاضعة لمصالح الاحتکارات والشرکات النفطیة واللبوبیات المتحکمة بمسار السیاسة والثقافة والفنون.

 بدوره یلفت جونی إلی أن الرأی العام الأمیرکی أیضًا لا یتمتع بالحریة التی یتم الإیحاء بها. أن آراء الناس هناک ‘توَجه وتصنع ‘ والحقائق ‘تشوه وتتم فبرکتها’. المخرج الأمیرکی مایکل مور أشار إلی تفاصیل کثیرة فی هذا السیاق خاصة فیما یتعلق بکیفیة اختلاق الذرائع وتکوین رأی عام فی موضوع غزو العراق فی فیلمه الشهیر «فاهرنهایت».

 احد السیناتورات الأمیرکیین بول فندلی شاهد إضافی. السیناتور المنتمی لـ«الحزب الجمهوری» أصدر کتابا بعنوان «من یجرؤ علی الکلام»، یروی فیه قصته مع اللوبی الصهیونی الذی تحالف ضده بسبب مواقفه المضادة للحرکة الصهیونیة والمؤیدة للقضیة الفلسطینیة. وصل الأمر إلی حد إبعاده من مقعده النیابی التمثیلی. إلا أن السیناتور لم یسکت واستمر بقول الحقیقة حول أوهام الحریات فی بلاد العم سام.

 لیس هذا فقط یتحدث أساتذة جامعات مؤیدین للقضیة الفلسطینیة عن ضغوط مرعبة اضطرتهم للتراجع عن مواقفهم. الترغیب یحضر هنا. المکافأة تتمثل بمواقع لمدی الحیاة. مراکز الأبحاث هی المکان الأفضل والمثالی لتقدیم المکافآت. یتولی الخاضعون عن قناعة أو عن خوف مواقع إدارة ورئاسة لهذه المراکز أما المتمردون فقدرهم المزید من الاضطهاد. فی هذا السیاق یشیر حسن جونی إلی دور مراکز الدراسات فی إعطاء أرقام وأبحاث لا تمت للواقع بصلة. هدفها الوحید تدعیم توجهات الشرکات الاحتکاریة و’المؤسسة الأمیرکیة الحاکمة’ التی تضم أصحاب النفوذ الاقتصادی والسیاسی.

 لا استغراب إذًا فی استدعاء الصحفی جیمس رایسن فإیصال الحقیقة للشعب الأمیرکی لیست ضمن الأولویات. والحادثة لیست إلا حلقة عابرة فی مسلسل عنوانه: قناع الحریات فی الولایات المتحدة الأمیرکیة. قناع لا شک انه لم یعد قادرًا علی خدیعة کثیرین فی العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى