
بقلم: أحمد مصطفى
وسط ضجيج التوقعات والتكهنات، حطّ دونالد ترامب صباح الثلاثاء 13 نوفمبر 2025 في العاصمة السعودية الرياض، في زيارة وُصفت بـ”التاريخية”. إلا أن المؤشرات الأولية والتغيرات المتسارعة في المشهد الدولي تطرح تساؤلات جدية: هل تحمل الزيارة طابعًا استراتيجيًا فعليًا، أم أنها مجرد تحرك رمزي في توقيت سياسي حساس؟
تأتي الزيارة في ظل تحولات كبرى على المستويين الدولي والإقليمي. فالعالم اليوم ليس كما كان عام 2017، حين استُقبل ترامب استقبال الملوك في الرياض، في مشهد اعتُبر آنذاك تتويجًا للنفوذ الأميركي في المنطقة. أما اليوم، فقد تغيرت قواعد اللعبة؛ إذ تراجعت الهيمنة الأميركية تدريجيًا، بينما صعدت الصين لتنافس بقوة، ليس فقط اقتصادياً، بل تقنياً ودبلوماسياً.
الصين تزاحم أميركا في قلب الخليج
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن الاستثمارات الصينية في الدول العربية تجاوزت حاجز الـ400 مليار دولار، ما يعكس بوضوح تحوّلًا في أولويات الشركاء الخليجيين. في هذا السياق، يبدو أن السعودية تتبنى مقاربة مزدوجة، تحافظ بموجبها على شراكة استراتيجية مع واشنطن، لكنها تفتح في الوقت ذاته أبوابًا أوسع أمام بكين.
تتمثل ميزة الصين في تقديمها نموذجًا اقتصاديًا متكاملًا يقوم على “الهندسة المالية الرقمية”، يجمع بين الذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية والرياضية. هذه المقاربة جعلتها أكثر جاذبية للدول الباحثة عن بدائل فعالة وأقل كلفة من النموذج الأميركي التقليدي.
مشروع ترامب للذكاء الاصطناعي… في مهب المنافسة
ضمن جدول أعمال ترامب المعلن، يبرز مشروع “جيغا AI” العملاق بتكلفة تقديرية تبلغ 500 مليار دولار. المشروع يواجه تحديات جدية، أبرزها التفوق التكنولوجي الصيني، إذ طورت شركات مثل “علي بابا” و”ديبسيك” أنظمة متقدمة بتكلفة لا تتجاوز 5 ملايين دولار، ما يعيد فتح النقاش حول جدوى المشاريع الضخمة مقارنة بالحلول التقنية المرنة التي تقدمها الصين.
السياسة والفضائح: هل تُجهض أهداف الزيارة؟
لم تخلُ الزيارة من الجدل؛ إذ طفت على السطح مجددًا شائعات قديمة تتعلق بسلوك ترامب الشخصي، من بينها مزاعم غير مؤكدة عن تعاطيه للكوكايين، في تكرار لنمط الاتهامات التي سبق أن طالت قادة غربيين. وبينما تبقى هذه المزاعم خارج نطاق التأكيد الرسمي، فإن تأثيرها الإعلامي قد يعكّر الأجواء ويضعف المردود الدبلوماسي للزيارة.
أزمة الرهائن… الورقة الأخطر
تزامنت زيارة ترامب مع أزمة احتجاز رهائن مزدوجي الجنسية (أميركية – إسرائيلية)، أعلن ترامب عن قرب التوصل لحل بشأنها. ما يُلمح إلى احتمال فتح قنوات تفاوضية مباشرة مع حركة “حماس” في ظل تعقيد الوضع الإقليمي. هذه الخطوة، إن تأكدت، قد تمثل نقطة تحول حساسة في السياسات الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
في الختام: زيارة تحت المجهر
في ضوء المعطيات الراهنة، يمكن القول إن زيارة ترامب إلى الرياض تندرج في إطار محاولة أميركية لاستعادة زمام المبادرة في منطقة تشهد تغييرات استراتيجية متسارعة. لكن نجاح هذه المهمة يظل مرهونًا بمدى قدرته على طرح رؤى واقعية قابلة للتطبيق، في ظل تنامي النفوذ الصيني والتحديات البنيوية التي تعاني منها الولايات المتحدة داخليًا.
هل سيحقق ترامب اختراقًا يعيد رسم ملامح العلاقة الأميركية الخليجية؟ أم ستكون الزيارة مجرد صفحة جديدة في كتاب الحنين إلى “الزعامة المفقودة”؟ الأيام المقبلة ستكشف الجواب.