رئيس التحريرسلايدر

حوار ترميذ.. رؤية أوزبكستان الاستراتيجية لإعادة ربط آسيا الوسطى بجنوبها

استمع الي المقالة

رئيس التحرير يكتب

يمثل انعقاد منتدى حوار ترميز في مدينة ترميذ التاريخية خطوة استراتيجية فارقة في الجهود الدبلوماسية الأوزبكية لإحياء وتثبيت مبدأ الترابط الإقليمي بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا. وقد جاءت كلمة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية والإقليمية التابع لرئاسة جمهورية أوزبكستان، إلدار أريبوف، لتشكل خطابًا محوريًا يجمع بين العمق التاريخي والرؤية الجيوسياسية المستقبلية، تعكس ليس فقط تطلعات أوزبكستان، بل تحوّلات أوسع في مشهد العلاقات الإقليمية الآسيوية.

1. ترميذ كرمز حضاري واستراتيجي

ركز أريبوف على أن مدينة ترميذ ليست مجرد مكان جغرافي، بل عقدة رمزية حضارية جمعت الأديان والثقافات (الزرادشتية، البوذية، المسيحية، والإسلام) واحتضنت حضارات عظيمة من العصور القديمة حتى عصر التيموريين.

> دلالة بارزة: تحويل ترميز إلى أداة قوة ناعمة، تُستخدم كجسر حضاري لتسهيل الحوار الإقليمي والتكامل بدلًا من الصراعات.

2. من طرق الحرير القديمة إلى ممرات اقتصادية حديثة

ربط أريبوف الطرق التجارية القديمة (مثل طريق الشمال التجاري) بمشاريع معاصرة استراتيجية مثل:

CASA-1000 لنقل الكهرباء،

TAPI لنقل الغاز،

ممر ترانز-أفغان متعدد الوسائط.

وهذا يعكس توجهًا واضحًا نحو استعادة الجغرافيا الاقتصادية للمنطقة التي تمزّقت بفعل الاستعمار والحرب الباردة.

> دلالة بارزة: التاريخ ليس مجرد حنين، بل هو مخطط جيوسياسي لإعادة تشكيل الاقتصاد الإقليمي على أسس السيادة والتنويع.

3. أفغانستان: من مصدر تهديد إلى فرصة استراتيجية

تناول أريبوف الملف الأفغاني بنظرة مغايرة للمألوف، حيث رأى أن أفغانستان تسعى تدريجيًا إلى الاندماج السلمي مع بيئتها، معتبرًا ذلك فرصة لتعزيز الترابط الإقليمي، لا عائقًا له.

> دلالة بارزة: تغيير النظرة إلى أفغانستان من عبء أمني إلى شريك إقليمي هو خطوة جوهرية لإعادة هندسة علاقات آسيا الوسطى.

4. دبلوماسية متعددة الأطراف وتوافق إقليمي

أشار أريبوف إلى أن آسيا الوسطى تشهد حاليًا توافقًا إقليميًا متزايدًا حول التعاون مع جنوب آسيا، وهذا يتسق مع السياسة الخارجية الجديدة لأوزبكستان القائمة على التعددية والانفتاح الإقليمي، دون التورط في صراعات القوى الكبرى.

> دلالة بارزة: تسعى أوزبكستان لتكون دولة “مركزية” و”محورية” في تشكيل النظام الإقليمي، لا مجرد تابع لأي قطب خارجي.

5. ضرورة الارتقاء بالتعاون الاقتصادي

رغم تجاوز حجم التبادل التجاري بين المنطقتين حاجز الـ5 مليارات دولار، أشار أريبوف بوضوح إلى أن هذه الأرقام لا تعكس الإمكانيات الفعلية. وأكد على ضرورة:

تبسيط الإجراءات التجارية،

تنويع الممرات اللوجستية،

تطوير البنية التحتية للطاقة.

> دلالة بارزة: التكامل الاقتصادي لا يحدث تلقائيًا، بل يتطلب بنية تحتية قوية، وبيئة تنظيمية متكاملة، واستقرارًا سياسيًا.

الخاتمة: نحو نموذج إقليمي جديد مبني على التعاون

اختتم أريبوف كلمته بالاقتباس من الرئيس شوكت ميرضيائيف حول “الروابط الحضارية والمصالح المشتركة” كأساس لمستقبل مشترك ومزدهر، مؤكدًا أن التعاون الإقليمي هو الطريق الوحيد لتجاوز التحديات المعاصرة.

> دلالة بارزة: الحوار الإقليمي لم يعد ترفًا دبلوماسيًا، بل أصبح ضرورة وجودية لتحقيق الأمن والتنمية والاستقرار.

خلاصات استراتيجية:

أوزبكستان تُوظف التاريخ والهوية لبناء دبلوماسية إقليمية فعالة.

حوار ترميز يؤكد انتقال أوزبكستان من رد الفعل إلى قيادة المبادرات.

أفغانستان عنصر حاسم في أي معادلة ترابط بين آسيا الوسطى وجنوبها.

تتبلور فرص جديدة لبناء نموذج آسيوي بديل عن المحاور التقليدية.

أوزبكستان تقترب من لعب دور “قوة وسطى” ذات نفوذ دبلوماسي متوازن في أوراسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى