
أشرف أبو عريف يكتب
منذ أن أعلنت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي تشكيل “اللجنة الوزارية المشتركة” في 11 نوفمبر 2023، تعاقبت البيانات بلا أثر، وتكررت عبارات “الترحيب، القلق، الشجب، الإدانة” حتى أصبحت لغةً رتيبة لا تليق بدماء آلاف الشهداء في غزة.
لم تبادر اللجنة بأي تحرك ميداني أو ضغط سياسي يُذكر، بل تحوّلت إلى صدى باهت لبيانات غربية أكثر جرأة منها أحيانًا. لا وفود إغاثة، لا تهديد بالعقوبات، لا استدعاء لسفراء، ولا حتى تعليق عضوية… صفر دبلوماسية، وصفر فعل، وصفر كرامة جماعية.
وفي هذا الفراغ القاتل، وجّهت 25 جهة مانحة – من أوروبا وآسيا – بيانًا غير مسبوق من حيث وحدة الموقف واللغة الصريحة. الرسالة كانت مزدوجة لإسرائيل وحماس:
“أوقفوا العبث السياسي بالمساعدات الإنسانية، واتركوا المجال للإنسانية أن تعمل.”
منذ أكثر من شهرين، والمساعدات إلى غزة شبه متوقفة. الغذاء، الدواء، المياه… كلها أصبحت عملة نادرة في قطاع على شفا المجاعة الجماعية. وبينما يروّج الإعلام لاستئناف محدود، تصرّ الجهات المانحة أن ما يجري هو حصار ممنهج مغلّف بغطاء “إنساني كاذب”.
ترفض الدول المانحة “النموذج الإسرائيلي الجديد” لتوزيع المساعدات، لأنه كما تقول الأمم المتحدة:
“ينتهك المبادئ الأساسية للعمل الإنساني: الاستقلالية، والحياد، والشفافية.”
بل هو محاولة لإعادة رسم الخريطة السياسية في غزة من خلال الغذاء والدواء.
الأخطر أن المدنيين أنفسهم أصبحوا في مرمى الاشتباه الأمني لمجرد تلقيهم معونة غذائية. أما العاملون في المجال الإنساني، فأرواحهم مهددة يوميًا، في ظل نظام توزيع يخضع لشروط أمنية إسرائيلية خالصة.
البيان لم يُغفل حماس، وطالبها بالإفراج عن الرهائن ووقف التدخل في توزيع المساعدات. لكنه – بذكاء دبلوماسي – رفض “معادلة الرهائن مقابل الغذاء”، مؤكدًا أن العمل الإنساني لا يُقايض.
في عمق هذا البيان، دعوة إلى وقف النار، والعودة إلى حل الدولتين، واحترام الكرامة الإنسانية.
لا الحصار يصنع سلامًا، ولا العقاب الجماعي يفرض استقرارًا.
وفي هذه الأثناء، تتعرض مصر لضغوط غير مسبوقة لتمرير سيناريو تهجير سكان غزة إلى سيناء. لكن الموقف المصري، كما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان حازمًا:
“لا تفريط في الأرض ولا قبول بترحيل الفلسطينيين… لا في الماضي ولا الآن.”
هذا الموقف يحترم التاريخ والجغرافيا، لكنه لا يكفي وحده. فالصمت الرسمي العربي يملأ الفراغ، واللجنة المشتركة لا تزال غائبة، مشلولة، تتغنّى بالمبادرات الغربية وتكرر البيانات كآلة صدئة.
أما السلطة الفلسطينية، فهي مطالبة بمراجعة شاملة:
الوحدة الوطنية أولًا، والاعتراف بالمقاومة كجزء من النسيج الوطني الفلسطيني، لا كعبء سياسي.
والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، مطالبتان بإجراء إصلاح داخلي شامل، ووضع آلية تمثيل حقيقي للأمة. لا جدوى من لجان تُدار خلف أبواب مغلقة دون محاسبة شعبية أو شرعية سياسية.
هل تذكرون عمرو موسى؟ سعود الفيصل ، حمد بن جاسم ، أكمل الدين إحسان أوغلو؟ فاروق الشرع؟ الأخضر الإبراهيمي؟ يوسف بن علوي؟ وكذا الأمين العام حالياً ومساعديه ولكن هناك من يقف لهم بالمرصاد ويكتب شهادة وفاة جامعة الدول العربية! كان للعرب صوت، وكان للمسلمين موقف… أما اليوم، فبيانات الشجب لا تحجب العار.
الشارع العربي والإسلامي لم يعد يسأل عن عدد الضحايا فقط، بل عن:
“من يقف وراء المجازر؟ هل هو الاحتلال وحده؟ أم الأنظمة التي صمتت، وربما شاركت؟”
أيها الناس:
“كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ”
“إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”
“وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ”
هذه الآيات منقوشة في القاعة الكبرى لجامعة الدول العربية، شاهدة عليكم…
فاقرؤوها قبل أن يُدرككم الموت، وقبل أن يكتب التاريخ أنكم كنتم شهودًا… وساكتين.
ألا اللهم قد بلغت، فاشهد!