سلايدرسياسة

تحركات دبلوماسية محسوبة – دلالات لقاءات د. عبدالعاطى في بروكسل وتوقيت الزخم المصري

استمع الي المقالة

رئيس التحرير يكتب

في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، كثّف وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، من تحركاته الدبلوماسية خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإفريقي-الأوروبي في بروكسل يوم الأربعاء 21 مايو. وبعقده سلسلة من اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى مع نظرائه من رومانيا، التشيك، مالطا، بوروندي، الغابون، إضافة إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، يُدشن الوزير الجديد مرحلة نشطة من الحضور المصري في دوائر القرار الإقليمي والدولي.

لكن السؤال المحوري يبقى: لماذا الآن؟

أولًا: بيئة إقليمية متوترة تفرض الحراك

تأتي هذه التحركات في ظل مشهد إقليمي مشحون بالتحديات: حرب غزة المفتوحة، اختلال التوازن في البحر الأحمر، الأزمة السودانية المتفاقمة، والتدخلات الدولية في القرن الإفريقي. وكلها ملفات تمس الأمن القومي المصري مباشرة، وتستدعي تعزيز التنسيق مع الأطراف الأوروبية والإفريقية، سواء لاحتواء هذه الأزمات أو لتأمين المجال الحيوي الاستراتيجي لمصر.

ثانيًا: تعزيز الدور المصري في ملفات الهجرة والطاقة

من الواضح أن مصر تسعى لتأكيد نفسها كشريك موثوق في القضايا التي تهم الجانب الأوروبي، لا سيما الهجرة غير النظامية، أمن المتوسط، وممرات الطاقة. لقاءات الوزير عبد العاطي جاءت لتكرّس هذا الدور، وتطرح مصر كفاعل رئيسي لا يمكن تجاوزه في رسم خريطة الأمن الإقليمي.

ثالثًا: إعادة التموضع في ظل تغيّر موازين القوى

غياب الحسم الأميركي في ملفات إقليمية حساسة يفتح المجال أمام قوى أخرى — كالاتحاد الأوروبي — للعب أدوار أكثر تأثيرًا. وهنا، تتحرك القاهرة بسرعة لاستباق أي فراغ محتمل أو إعادة تموضع لقوى إقليمية منافسة، خاصة في ظل عودة بعض الفاعلين الإقليميين للمنافسة على النفوذ في القارة الإفريقية.

رابعًا: واقع داخلي يتطلب دعمًا خارجيًا

على المستوى الداخلي، تواجه مصر تحديات اقتصادية تستدعي استقطاب رؤوس أموال واستثمارات، إضافة إلى الدعم المالي والتقني الأوروبي. نشاط الوزير عبد العاطي في بروكسل يُقرأ في هذا السياق كجزء من استراتيجية دبلوماسية اقتصادية تهدف إلى فتح قنوات جديدة للدعم والتنمية، عبر شراكات استراتيجية مستدامة.

خامسًا: استباق المتغيرات الأوروبية

في ظل اقتراب الانتخابات البرلمانية الأوروبية المرتقبة في يونيو، تسعى القاهرة لترسيخ علاقاتها مع المؤسسات والوجوه السياسية الحالية في الاتحاد الأوروبي، خشية التغيرات التي قد تطرأ على خريطة النفوذ السياسي الأوروبي، لا سيما في ظل صعود تيارات اليمين القومي التي قد تتبنى مواقف أكثر تشددًا تجاه ملفات الهجرة والدعم الخارجي.

تجسيد لنهج دبلوماسي متجدد

تحركات د. بدر عبد العاطي، في أولى محطات عمله كوزير للخارجية، لا تعكس فقط خبرته الدبلوماسية المتراكمة، بل تكشف أيضًا عن نهج مصري متجدد يقوم على المبادرة، وتوسيع دوائر الشراكة، واستعادة زمام المبادرة في ملفات إقليمية لطالما لعبت فيها مصر دور الوسيط أو الضامن. إن تحرك الوزير في هذا التوقيت وبهذا الزخم هو تجسيد عملي لإستراتيجية مصرية تهدف إلى الحفاظ على ثقلها الدبلوماسي وسط عالم مضطرب يعيد ترتيب أولوياته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى