رأىسلايدر

مصر والصين والعرب: من تبادل المنافع إلى بناء نموذج حضاري مشترك”

استمع الي المقالة

اللواء محمد حسين يكتب
وكيل أول وزارة الهيئة العامة للإستعلامات 

تُجسّد العلاقات بين مصر والصين نموذجًا متقدمًا للتعاون الاستراتيجي في العالم العربي، يجمع بين الرؤية التنموية والتكامل الحضاري، ويفتح آفاقًا أوسع لمستقبل متعدد الأقطاب.

شراكة القاهرة وبكين: محور التكامل الصيني العربي في القرن الجديد

تشكل العلاقات بين مصر والصين نموذجًا متقدمًا للتعاون الاستراتيجي في العالم العربي، يجمع بين الرؤية التنموية والتكامل الحضاري، ويفتح آفاقًا أوسع لمستقبل متعدد الأقطاب.

🧩 رؤية عامة: شراكة بروح الفريق ومسارات متعددة للتكامل

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، شهدت العلاقات المصرية-الصينية-العربية تحولات نوعية، لم تعد مجرد تبادل مصالح آنية، بل باتت تمثل نموذجاً فريداً لـ”التكامل الجيواقتصادي والثقافي” القائم على الاحترام المتبادل وروح الفريق الواحد.
هذا النموذج يُعبّر عن إرادة جماعية في بناء نظام دولي أكثر توازناً، ينطلق من قاعدة “رابح – رابح”، وينبذ سياسات الإقصاء والهيمنة.

💹 التكامل الاقتصادي: أرقام تعكس عمق الشراكة

استند التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية إلى قاعدة صلبة من المزايا التبادلية، لا سيما في قطاعي الطاقة والتجارة. وقد أسهم هذا الإطار في تضاعف حجم الاستثمارات والتبادل التجاري خلال العقد الأخير:

  • بلغ الاستثمار المباشر المتبادل نحو 27 مليار دولار أمريكي في عام 2021، أي 2.6 ضعف ما كان عليه قبل 10 سنوات.
  • تجاوز التبادل التجاري 330 مليار دولار، ما يعكس نموًّا بنسبة 150%.

هذا التطور يُترجم إلى شراكة اقتصادية مؤسَّسة على التخطيط طويل الأجل وليس المصالح الظرفية.

⚙️ الطاقة: من الاعتماد إلى الابتكار المشترك

تشكل الطاقة إحدى الركائز الاستراتيجية للعلاقة الثنائية:

  • تمتلك الدول العربية ما يقارب 56% من احتياطي النفط العالمي.
  • في عام 2021، شكّل النفط العربي أكثر من 50% من واردات الصين النفطية.

ومع ذلك، لم يبقَ التعاون حبيس النفط التقليدي، بل امتد إلى مجالات الطاقة المتجددة، حيث دشنت الصين مشروعات كبرى في مصر وغيرها، تضمنت:

  • محطة كهروضوئية بقدرة 186 ميجاوات في مجمع بنبان.
  • مشروع EP2 بقدرة 165 ميجاوات.

كما تم إنشاء مركز التدريب الصيني العربي للطاقة النظيفة، في خطوة تعكس انتقال الشراكة من استهلاك الموارد إلى إنتاج التكنولوجيا.
وتُعد مصر منصة إقليمية رئيسية للتعاون الصيني في هذه المجالات، بما يعكس ثقة بكين في استقرار القاهرة وموقعها الجغرافي كمركز لوجستي للطاقة في إفريقيا والشرق الأوسط.

🚀 التكنولوجيا والفضاء: بُعد استراتيجي جديد في مبادرة الحزام والطريق

في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، انفتح التعاون الصيني العربي على آفاق تكنولوجية نوعية شملت:

  • الجيل الخامس
  • الطاقة النووية
  • تقنيات الفضاء والأقمار الصناعية

أطلقت الصين عدة أقمار صناعية لدول عربية (الجزائر، السعودية، السودان)، مما يُكرّس ثقة هذه الدول في القدرات الصينية التقنية.
كما يشمل التعاون مع مصر دعمًا في الابتكار الصناعي والتقنيات الذكية، مما يمهد الطريق أمام القاهرة لتكون مركزًا إقليميًا لنقل التكنولوجيا الصينية في المنطقة.

🕊️ السياسة الدولية: تحالف مبادئ ضد الأحادية والهيمنة

تتلاقى مواقف الصين والدول العربية – وعلى رأسها مصر – حول قضايا السيادة الوطنية، ورفض التدخل الخارجي، وتعزيز التعددية القطبية واحترام القانون الدولي.

  • تدعم الصين القضية الفلسطينية، بما في ذلك إقامة دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
  • تشارك مصر والصين في جهود إصلاح الحوكمة الدولية، وتمكين الدول النامية من تمثيل أوسع في المنابر العالمية.

هذه المبادئ تؤسس لتحالفٍ أخلاقي يُوازن اختلالات النظام الدولي ويمنح الجنوب العالمي صوتًا متصاعدًا.

🎓 الثقافة والتعليم: التواصل الحضاري كجسر مستدام

لم يغب البُعد الثقافي والإنساني عن المشهد، بل كان حجر الزاوية في تعميق الفهم المتبادل:

  • تدريب 25 ألف شاب عربي في الصين.
  • منح أكثر من 11 ألف منحة دراسية كاملة التكاليف.
  • إدراج اللغة الصينية في أنظمة التعليم بـ 4 دول عربية.

وتُعد مصر من أوائل الدول التي تبنت اللغة الصينية في التعليم العالي، حيث تنتشر أقسام اللغة الصينية في عدد من الجامعات الكبرى كـ جامعة القاهرة، عين شمس، والأزهر.

كما تم إنشاء:

  • 15 كلية لغة صينية.
  • 20 معهد كونفوشيوس في 13 دولة عربية.

وامتدت هذه الجسور إلى مجالات الإعلام، الصحة، الفنون، والتعليم، في محاولة لتقديم نموذج صيني للتحديث متوافق مع الثقافة العربية، بعيداً عن التغريب الغربي.

🧭 نحو مستقبل متعدد الأقطاب… وموحَّد الأهداف

تُدرك كل من الصين والدول العربية – وخاصة مصر – أن التحديات الدولية، من تغير المناخ إلى التحولات الجيواقتصادية، تتطلب شراكات استراتيجية مرنة وشاملة.
ومن هنا، فإن مستقبل العلاقات الثنائية لن يكون مجرد امتداد للماضي، بل تحول نوعي نحو نموذج عالمي جديد يقوده الجنوب العالمي، ويعتمد على الثقة المتبادلة والاحترام الحضاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى