رأىسلايدر

بوصلة الإليزيه تتجه شرقاً: خطوة نحو أفقٍ سياسي

استمع الي المقالة

بقلم: حذامي محجوب

بينما كانت واشنطن تستقبل بنيامين نتنياهو بحفاوة من جانب دونالد ترامب، كان إيمانويل ماكرون يحاول شق طريق ثالث في الملف الفلسطيني من بوابة القاهرة. زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر، ولقاؤه بكل من الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني، لم تكن زيارة بروتوكولية عابرة، بل محاولة واعية لكسر الاصطفاف الدولي الذي بدا وكأنه يُقصي أوروبا من معادلة الشرق الأوسط.

في المشهد الحالي، تدور عجلة الجغرافيا السياسية حول محورين رئيسيين: الولايات المتحدة الداعمة بلا تحفظ لإسرائيل، والعواصم العربية الواقعة بين ضغط الرأي العام الداخلي ومراوغات السياسة الدولية. ماكرون، بحس استراتيجي متأخر، أدرك أن أوروبا تُمثّل رقماً مهمّشاً في هذه المعادلة، وقرر التحرك.

أهمية الزيارة لا تكمن فقط في توقيتها – بعد استئناف القتال في غزة وتجميد المساعدات الإنسانية – بل في الرسائل الضمنية التي حملها ماكرون إلى كل من واشنطن وتل أبيب. ففرنسا، التي لطالما تغنت بدورها التاريخي في دعم حل الدولتين، اختارت أن تصطف مع مصر والأردن في مطالبة صريحة بوقف الغارات الإسرائيلية، وإعادة إدخال المساعدات، والتمسك برؤية سياسية لا تختزل القضية الفلسطينية في معادلة أمنية.

المثير في خطاب ماكرون أنه لم يكتف بالإدانة، بل وضع يده في يد أنظمة عربية : مصر والأردن. لكن التحالف الفرنسي-العربي هذا كان رسالة ضمنية لإسرائيل مفادها أن السلام لا يمكن أن يكون مشروطاً بإخضاع الفلسطينيين أو تهجيرهم، كما يوحي بذلك ما يسمى بـ«خطة ترامب» لتحويل غزة إلى «كوت دازور الشرق الأوسط».

في مقابل خطة أمريكية تنظر إلى غزة كعقار يمكن إعادة تصميمه، جاءت المقاربة الفرنسية والعربية لتعيد الاعتبار للإنسان، للتاريخ، وللعدالة السياسية. ليس فقط لأن التهجير جريمة، بل لأن محو غزة من الخريطة لا يصنع سلاماً، بل يعمّق جراحاً تاريخية لم تندمل بعد.

ومع أن فرنسا لم تتخذ بعد قراراً حاسماً بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن إشارات ماكرون تذهب في هذا الاتجاه، ولو بتردد. المسألة ليست فقط أخلاقية أو قانونية، بل سياسية بامتياز: إذا كانت أوروبا تريد استعادة دورها في صناعة القرار الدولي، فعليها أن تتكلم بلسانها لا بلسان البيت الأبيض.

فرنسا تدرك اليوم أن المعركة لم تعد على الأرض فقط، بل على الرواية. وإذا أرادت باريس أن تبقى طرفاً مؤثراً في الملف الفلسطيني، فعليها أن تبتعد عن سياسة التوازنات الرمادية. المطلوب ليس فقط الدعم الإنساني، بل الوضوح السياسي: الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، ومساءلة إسرائيل على خروقاتها المتكررة.

يبحث ماكرون عن تأثير في منطقة تُعاد صياغتها من جديد. لكن التأثير لا يُقاس بعدد الصور الرسمية أو الزيارات الرمزية، بل بمدى القدرة على تغيير المسارات. هل تملك فرنسا الشجاعة لتقول “كفى” لسياسات الاحتلال؟ وهل تمتلك أوروبا الإرادة لمغادرة مقاعد المتفرجين؟

الشرق الأوسط لا ينتظر أحداً. ومن يتأخر اليوم، سيجد نفسه غداً على هامش الأحداث، كما هو حال كثيرين ممن ظنّوا أن الصمت سياسة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى