رأىسلايدر

بين عاطفة التضامن وهاوية الانفعال: لا تجعلوا من مصر خصمًا!

استمع الي المقالة

بقلم: حذامي محجوب

تمرّ المنطقة العربية بمنعطف بالغ الدقة، تختلط فيه العواطف المشروعة بالحسابات المعقدة، وتتقاطع فيه النوايا الطيبة للشعوب مع مسارات سياسية متشابكة وأجندات خارجية لا تُعلن عن نفسها بوضوح. وفي خضم التفاعل الشعبي مع قافلة غزة، تصاعدت أصوات غاضبة تُوجّه نقدًا قاسيًا نحو مصر، حكومةً وشعبًا، وكأنها العقبة الوحيدة في طريق نصرة القضية الفلسطينية.

لكن فلنتروّ. هل نُناصر غزة حقًا، أم أننا نُغذّي انقسامًا جديدًا في الجسد العربي المنهك؟

لا خلاف حول هول المعاناة في قطاع غزة، ولا جدال في حق الشعوب العربية، ومنها الشعب التونسي، في التعبير عن تضامنها. لكن عندما يتحول هذا التضامن إلى منصة للهجوم على دولة مركزية في المنظومة العربية مثل مصر، فإننا نرتكب خطأً فادحًا، قد يفضي إلى كسر ما تبقى من جسور الثقة والعمل العربي المشترك.

مصر ليست تفصيلاً عابرًا
مصر ليست مجرد بلد عربي آخر. إنها ركيزة من ركائز الأمن القومي العربي، وصاحبة ثقل تاريخي واستراتيجي لا يُقاس بموقف ظرفي أو قرار إداري. والطعن في دورها أو شيطنتها، حتى بدعوى الدفاع عن غزة، هو إما قصور في الوعي، أو انخراط – عن قصد أو دون قصد – في لعبة تستهدف تفكيك الصف العربي من الداخل.

لقد علمتنا تجارب سابقة أن الانفعالات، حين تتحول إلى مواقف، قد تُحدث شرخًا يصعب ترميمه. تذكّروا كيف أثمرت الحملات العاطفية غير المحسوبة فتورًا حقيقيًا في العلاقات بين الشعوب، كما حدث في علاقتنا مع المغرب. فهل نُعيد الكرة اليوم، ونفتح جبهة توتر جديدة مع مصر؟

ثمة من يدفع نحو الفتنة
في خلفية المشهد، هناك من يُتقن الصيد في الماء العكر، ويسعى إلى إشعال الصدام بين العواصم العربية، غير آبه لا بغزة ولا بتونس. بل هدفه الوحيد أن تزداد المنطقة تصدعًا، وأن ينكفئ كل بلد على ذاته، منعزلًا عن محيطه.

في هذا السياق، يصبح المطلوب ليس رفع الصوت، بل رفع الوعي. ليس المزايدة في الخطاب، بل التسلّح بالحكمة. أن ندعم غزة بكل السبل الممكنة، ولكن دون أن نكسر الجسور مع القاهرة، بوصفها حليفًا لا غنى عنه، لا في الحرب ولا في السلم.

خسارة مصر… خسارة لأنفسنا
خسارة مصر ليست خسارة لطرف سياسي، بل فقدان لبوابة استراتيجية للأمن العربي، ولثقل دبلوماسي يصعب تعويضه. هي عزلة ذاتية تُضعف موقع تونس في محيطها، وتُفقدنا سندًا كان وسيظل عنصر توازن في القضايا الكبرى.

الانتصار الحقيقي لغزة لا يكون بزرع الفتنة بين العواصم، بل بترسيخ العقلانية والوحدة. لا يكون بتوجيه الاتهامات، بل بالبحث عن مساحات الفعل المشترك، حيث تتلاقى القلوب والعقول لنصرة شعب يستحق الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى