رأى

فيروس كورونا – أيُّ عِبرة للإنسان ؟!

استمع الي المقالة

بقلم: د. حذامي محجوب

قبل ظهور فيروس الكورونا كان هناك توجها عالميا لبناء جدران عازلة وغلق الحدود بين العديد من البلدان المتنازعة كالولايات المتحدة والمكسيك – بين إسرائيل وفلسطين – بين المجر وصربيا أو كرواتيا…فضلا عن كل التهديدات التي أطلقها دونالد ترامب منذ توليه السلطة في الولايات المتحدة من تنكر للاتفاق النووي الذي وقعته الدول الكبرى مع ايران في 14 يوليو من سنة 2015 والذي انتهى بخروج الولايات المتحدة منه في 8 مايو2018 مع الإعلان عن عقوبات اقتصادية جديدة على ايران ، وقد انسحب ترامب كذلك من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعتها 195 دولة سنة 2015 والتي كان هدفها السعي الى التوصل الى اتفاق عالمي جديد بشأن التغير المناخي، وانسحب من عدة اتفاقيات ومنظمات دولية بحجة أنه لا يعترف الابمصلحة أمريكا مع رفع شعار ” أمريكا أولا”.

ان المتأمل اليوم في الإجراءات الوقائية التي اتخذتها جميع الدول لحماية مواطنيها من الفيروس كمنع التنقل والسفر وغلق الحدود وضرورة الحظر الصحي تعبر كلها من الناحية الرمزية عما ذهبت اليه السياسات العازلة من قبل. وتتمثل النقطة المشتركة بين التوجهين هي طمأنة المواطنين واعطائهم شعور وهمي بالأمان.

بهذه الطريقة ، فاننا لا يمكن أن نعي بالمشكل الحقيقي وهو الغياب الكلي لقرارات هامة دولية عابرة للحدود من اجل مقاومة الانحباس الحراري و تسوية أوضاع المهاجرين في العالم والأوبئة والأمراض التي تعصف بالآلاف من البشر في العالم وكذلك الجرائم الاقتصادية كالتهرب الضريبي…أي كل المشاكل التي لا تهدد الأمن السياسي العالمي فقط وانما كذلك الأمن البيئي والغذائي أي الصحي أساسا.

لذلك فان الدرس الحقيقي الذي على السياسيين في العالم أن يستخلصوه من تفشي هذا الوباء هو أننا نعيش في عالم مرتبط ومترابط وأن الحدود في العالم لم تعد تعن شيئا وأن كل اصطفاف على أساس القوة أو الدين أو العرق أو المصالح لا معنى له ومآله الانهيار ، بل ان كل مشاكل العالم هي قنابل موقوتة مالم يقع حلها عالميا دون انغلاق الدول العظمى على نفسها أو تفكيرها في مصالحها الضيقة وأن الصحة العالمية هي مسؤولية مشتركة لا بد ان تتحمل مسؤوليتها الدول المنتجة للعلم وللأدوية في مقام أول وأن تعمل على نشر مبادئ الصحة في البلدان الفقيرة وأن تعينها على تجاوز كل العوائق التي تحول بينها وبين الاضطلاع بالبحث العلمي .اذ يبدو ان فيروس الكورونا هو فيروس حيواني المصدر ينتقل الى الانسان وهو سريع العدوى عابر للقارات لا يعترف بالحدود ولا بالفروق العسكرية واللوجستية بين الدول ،لا يميز بين مسلم وكافر اوبين مسيحي و بوذي ، بين فقير أو غني …قد لا ينجو منه تقي أوملياردير وينجو منه طفل مشرد.

لا شيء اكثر الحاحا من ان تتفطن هذه الدول الى أن كل ما يقع في العالم يهدد امنها واستقرارها وهو يعنيها بصفة مباشرة، اذ ان هذا الفيروس يبين لنا أن العالم لا يخضع فقط لمنطق السوق والمال والربح الاقتصادي بل أن الهواء الذي نتنفسه والتغذية التي نتناولها والبيئة التي نعيش فيها هي أولوية الأولويات.

ولنعتبر من الطبيعة التي تقول لنا بأن أصغر الأجسام يمكن أن يؤثر على أكبر الكواكب؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى