
أحمد مصطفى
لماذا أطلق حزب الله على عملية الاستطلاع الحاسمة التي قام بها حزب الله بالأمس اسم الهدهد؟
هذه إشارة إلى “هدهد” سليمان الذي جاء من أرض سبأ (اليمن فيما بعد) إلى سليمان بأخبار قوم يعبدون الشمس من دون الله وتحكمهم امرأة اسمها بلقيس. وهنا لعب الهدهد دور أكبر جهاز تجسس في ذلك الوقت على الممالك التي كانت تحيط بسليمان ويمكن أن تهدده.
وقد استوحى حزب الله تسمية عمليته “الهدهد” من المسيرة الإيرانية (هدهد العصر) التي أطلقها في وضح النهار. هذه الطائرة من دون طيار التي يصعب تعقبها من أي رادار أو قبة حديدية أو أجهزة مراقبة، بدأت تتجول في مناطق استراتيجية داخل إسرائيل وخاصة ميناء حيفا العسكري وتجمع معلومات سرية وتعود إلى حزب الله.
وهذا يعني أن إيران ومسيراتها قد تفوقت استراتيجياً على اسرائيل وامريكا ومسيراتها سيزيد الطلب عليها في أسواق السلاح العالمية الرسمية وغير الرسمية، والعكس بالنسبة للسلاح الإسرائيلي والأمريكي، فـ أمريكا تعتمد في اقتصادها الحالي على خلق الصراع وتلطيفه، وبالتالي بيع أسلحتها في العالم.
أهمية المسيرات الإيرانية
أصبحت إيران لاعباً رئيسياً في استخدام المسيرات، خاصة في الصراع الدائر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا. وقد وفرت المسيرات الإيرانية قدرات استخباراتية وقدرات مراقبة بالغة الأهمية للقوات الروسية، مما مكنها من جمع معلومات في الوقت الحقيقي عن تحركات القوات الأوكرانية ومواقعها. كما استُخدمت هذه الطائرات في نشر الذخائر ضد أهداف أوكرانية، مما يدل على تنوعها وفعاليتها القتالية.
كما استخدم حزب الله، وهو جماعة لبنانية مسلحة، مسيرات إيرانية في صراعه المستمر مع إسرائيل في غزة. وقد استخدمت هذه المسيرات في الاستطلاع والاستحواذ على الأهداف، مما يوفر معلومات قيمة عن تحركات القوات الإسرائيلية ومواقعها الدفاعية. ومع ذلك، فإن الاستخدام الواسع النطاق للمسيرات يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية، خاصة فيما يتعلق بعمليات القتل المستهدف.
كما لعبت المسيرات الإيرانية دورًا مهمًا في دعم جماعة الحوثي في صراعها المستمر ضد إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد استُخدمت هذه الطائرات بدون طيار للقيام بمهام استطلاعية، وجمع معلومات استخباراتية، وتنفيذ ضربات جوية ضد قوات العدو.
وقد أثار نشر المسيرات الإيرانية في منطقة النزاع مخاوف القوى الإقليمية والدولية، لما تنطوي عليه من إمكانية تصعيد التوترات وزعزعة الاستقرار في المنطقة. ورداً على ذلك، اتخذت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا العظمى خطوات لمواجهة التهديد الذي تشكله هذه الطائرات المسيرة، بما في ذلك نشر أنظمة دفاع جوي متطورة وشن غارات جوية ضد منشآت المسيرات التابعة للحوثيين.
المسيرة كاميكاز اخترقت إسرائيل من حزب الله بسهولة أمس
سلطت الحادثة الأخيرة المتعلقة باختراق المسيرة كاميكاز الإيرانية من طراز “كاميكاز” المجال الجوي الإسرائيلي من أراضي حزب الله الضوء على الوضع المعقد والمتوتر في الشرق الأوسط. فقد نجحت المسيرة، التي يُعتقد أنها مزودة بتكنولوجيا مراقبة متقدمة، في جمع معلومات سرية للغاية وعادت إلى الأراضي التي يسيطر عليها حزب الله سالمة. وقد حطم هذا الحادث شعور الجيش الإسرائيلي بالأمان وأثار المخاوف بشأن ضعف دفاعاته الجوية. كما أنها أظهرت قدرات حزب الله المتنامية في استخدام الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية والعمليات الهجومية.
كان توقيت التوغل بالمسيرة مؤسفًا بشكل خاص بالنسبة للولايات المتحدة، حيث تزامن مع زيارة دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى إلى لبنان (هوغستين). وقد ألقى الاختراق السهل للمسيرة للمجال الجوي الإسرائيلي بظلال من الشك على فعالية المساعدة العسكرية الأمريكية وقوض مصداقية الولايات المتحدة كقوة إقليمية فاعلة.
وقد زادت حادثة المسيرة من جرأة حزب الله، الذي كان شوكة في خاصرة إسرائيل لعقود من الزمن، وكان مسؤولاً عن العديد من الهجمات على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية. ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب تكثيف إيران لوجودها العسكري في المنطقة ودعمها النشط للجماعات المناهضة لإسرائيل في غزة ولبنان وسوريا.
وهناك حاجة ماسة إلى اتفاق سلام شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ويجب على المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، أن يضاعف جهوده للتوصل إلى اتفاق سلام دائم بين إسرائيل وجيرانها ومنع نشوب حرب مدمرة قد تكون لها عواقب كارثية على المنطقة بأسرها.
أصبح من المستحيل فعليًا على إسرائيل مهاجمة حزب الله أو لبنان بعد اختراق المسيرة الإيرانية بالأمس
لقد غيّر الهجوم الإيراني الأخير للمسيرة الإيرانية على المجال الجوي الإسرائيلي بشكل كبير المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، مما يجعل من المستحيل على إسرائيل شن هجوم عسكري على حزب الله أو لبنان دون مواجهة عواقب وخيمة. وقد أظهر هذا الحادث ضعف الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتنامي قدرات إيران وحلفائها في المنطقة. فخيارات إسرائيل العسكرية ضد حزب الله أو لبنان أصبحت الآن محدودة للغاية، لأن أي هجوم سيؤدي على الأرجح إلى رد من إيران والجماعات الموالية لها، مما قد يؤدي إلى صراع شامل.
ولن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط فحسب، بل سيشكل أيضًا تهديدًا كبيرًا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. ولذلك، ينبغي على إسرائيل ممارسة ضبط النفس والنظر في وقف إطلاق النار باعتباره الخيار الأكثر قابلية للتطبيق لمنع المزيد من التصعيد. لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل خسارة الشرق الأوسط لأنه أمر بالغ الأهمية لإمدادات الطاقة العالمية والنفوذ الجيوسياسي وجهود مكافحة الإرهاب.
ومن شأن صراع طويل الأمد بين إسرائيل وجيرانها أن يقوض بشكل كبير مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ومن المحتمل أن يشجع إيران والجهات الفاعلة المعادية الأخرى. يجب أن تلعب الولايات المتحدة دورًا أكثر نشاطًا في تعزيز حل النزاع والاستقرار في المنطقة، والعمل بشكل وثيق مع الحلفاء والشركاء لوضع استراتيجية منسقة.
أطلق حزب الله مسيرات ضد حفار شركة توتال العام الماضي
في العام الماضي، أطلقت جماعة المقاومة العسكرية اللبنانية التابعة لحزب الله مسيرات ضد حفار شركة توتال الفرنسية للطاقة في البحر الأبيض المتوسط، ردًا على خطط إسرائيل المزعومة لاستخراج الغاز الطبيعي من المنطقة. وقع الحادث في البحر الأبيض المتوسط، حيث يطالب لبنان بمنطقته الاقتصادية الخالصة. ولدى إسرائيل ولبنان تاريخ طويل من النزاعات حول حدودهما البحرية، وقد أدى اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط إلى زيادة التوترات.
وقد وقّع كلا البلدين عقوداً مع شركات الطاقة الدولية للتنقيب عن الغاز واستخراجه من المنطقة الاقتصادية لكل منهما. وقد اتهم لبنان إسرائيل بالتعدي على أراضيه ومحاولة استغلال الموارد التي تعود ملكيتها للشعب اللبناني. ولطالما عبّر حزب الله، وهو قوة سياسية وعسكرية نافذة في لبنان، عن معارضته للتصرفات الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، وحذّر من استخدام القوة للدفاع عن سيادة لبنان ومصالحه.
بعثت الحادثة برسالة قوية إلى إسرائيل والمجتمع الدولي، مسلطةً الضوء على تحديات إدارة النزاعات البحرية في البحر الأبيض المتوسط. وقد سعى كل من لبنان وإسرائيل إلى نزع فتيل التوتر وتجنب التصعيد، حيث دعا لبنان إلى إجراء مفاوضات لحل النزاع الحدودي البحري.
إيران تلعب الشطرنج مع الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط بينما تفعل روسيا الشيء نفسه في الشرق الأقصى
حيث وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية اليوم الأربعاء، معرباً عن رغبته في التعاون للتغلب على العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والمواجهات المكثفة مع واشنطن. وسيستمر البلدان في معارضة الطموحات الغربية لعرقلة إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على العدالة والاحترام المتبادل للسيادة ومراعاة مصالح بعضهما البعض. كما أعرب بوتين عن تقديره لدعم كوريا الشمالية لتحركاته العسكرية في أوكرانيا، وقال إن البلدين سيطوران أنظمة التجارة والمدفوعات التي لا يسيطر عليها الغرب، وسيتعاونان في معارضة العقوبات المفروضة على البلدين.
وتخضع كوريا الشمالية لعقوبات اقتصادية شديدة من مجلس الأمن الدولي بسبب برامجها للأسلحة النووية والصواريخ، بينما تصارع روسيا عقوبات من قبل الولايات المتحدة وشركائها الغربيين بسبب عدوانها المزعوم في أوكرانيا. كما سيوسع البلدان التعاون في مجالات السياحة والثقافة والتعليم.
وويرافق بوتين عدد من كبار المسؤولين، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء دينيس مانتروف، ووزير الدفاع أندريه بيلوسوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف. وسيتم التوقيع على العديد من الوثائق خلال الزيارة، بما في ذلك على الأرجح اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة. وصلت التوترات في شبه الجزيرة الكورية إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، مع تصاعد وتيرة اختبارات الأسلحة التي يجريها كيم جونغ أون والتدريبات العسكرية المشتركة في دورة متبادلة. وتشدد كوريا الجنوبية لموسكو على أن أي تعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يجب ألا ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي أو يقوض السلام والاستقرار في المنطقة.
ولا بد ألا ننسى تصريح بوتين “أنه في حال التلاعب بالأصول الروسية، واستمرار الناتو تزويد أوكرانيا بالسلاح لمهاجمة الأراضي الروسية، فإنه بالمقابل، سيقوم بتزويد أعداء أمريكا والناتو بالأسلحة التدميرية.
في الختام، تُعد الطائرات الإيرانية بدون طيار رصيدًا قيّمًا للقوات العسكرية في مناطق النزاع مثل أوكرانيا وغزة نظرًا لقدراتها المتقدمة وتكلفتها المنخفضة. ومع ذلك، يجب النظر في آثارها الأخلاقية والقانونية. إن اختراق الطائرات الايرانية بدون طيار المجال الجوي الإسرائيلي مؤخرًا جعل من المستحيل على إسرائيل مهاجمة حزب الله أو لبنان دون عواقب وخيمة. وينبغي على إسرائيل أن تنظر في نهاية المطاف في وقف إطلاق النار في غزة لمنع المزيد من التصعيد، في حين ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في تعزيز حل النزاع والاستقرار في المنطقة. وقد أبرز الهجوم الذي شنه حزب الله على منصة الحفر التابعة لشركة توتال العام الماضي الحاجة إلى حل سلمي لقضية الحدود البحرية ومخاطر تصعيد التوتر في المنطقة. النظام العالمي الجديد سيحل محل القديم عاجلا ام اجلا لأن شعوب العالم سئمت من الغرب، عكس القوى الجديدة كـ تحالف بريكس الذي يتشابه في ثقافته مع ثقافة الجنوب.