
تقرير: أشرف أبو عريف
في خطوة غير مسبوقة تمثل تقاطعًا بين الرياضة والتنمية، وقع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) اتفاقية شراكة استراتيجية تمتد لثلاث سنوات، تستهدف دعم برامج الشباب وتوسيع آفاق التنمية المستدامة عبر الرياضة في القارة الإفريقية، وذلك ضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي «البوابة العالمية».
وجرى توقيع الاتفاق بحضور جوزيف سيكيلا، مفوض الشراكات الدولية بالاتحاد الأوروبي، وباتريس موتسيبي، رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، على هامش نهائي كأس الأمم الإفريقية للشباب تحت 20 عامًا، في العاصمة المصرية القاهرة.
من الرياضة إلى التنمية: شراكة متعددة الأبعاد
تؤسس هذه الشراكة لعهد جديد في التعاون الإفريقي الأوروبي، حيث تتجاوز كرة القدم حدود المنافسة الرياضية لتصبح أداة محورية في التنمية البشرية والاجتماعية. وتستهدف الاتفاقية برامج تمكين الشباب، وتعزيز التعليم، وترسيخ المساواة بين الجنسين، وتنمية المهارات القيادية، في ظل توافق واضح بين الطرفين على قيم مثل الاندماج، وتكافؤ الفرص، واللعب النظيف.
وتُعد بطولة المدارس الإفريقية إحدى الركائز الأساسية لهذه الشراكة، حيث يستفيد منها أكثر من 880 ألف طالب وطالبة، وتطمح الاتفاقية إلى رفع هذا الرقم ليشمل 33 ألف مدرسة بحلول 2027، مع التركيز على ربط التعليم بالرياضة وإحداث تأثير مجتمعي إيجابي واسع النطاق.
دعم نوعي لحماية اللاعبين وبطولات القارة
كما تشمل الاتفاقية دعم برنامج الحماية الخاص بالكاف، الذي يعنى بتأمين بيئة انتقال احترافية وآمنة للاعبين الشباب، وحمايتهم من الاستغلال، خصوصًا من قبل وكلاء مزيفين.
وسيتم أيضًا التعاون في الترويج لبطولات كأس الأمم الإفريقية بين أبناء الجاليات الإفريقية في أوروبا، بما يعزز من روابط الهوية والانتماء، ويكرس مفهوم كرة القدم كجسر حضاري بين القارات.
رؤية استراتيجية أوروبية: “البوابة العالمية” في قلب إفريقيا
الاتفاقية تأتي ضمن إطار استراتيجية “البوابة العالمية” التي تهدف إلى تعبئة استثمارات أوروبية بقيمة 150 مليار يورو في إفريقيا حتى عام 2027، في مجالات البنية التحتية، والتعليم، والطاقة، والصحة، والاقتصاد الرقمي.
وأكد جوزيف سيكيلا، أن إفريقيا، باعتبارها القارة الأصغر سنًا بمتوسط أعمار لا يتجاوز 20 عامًا، تمتلك “طاقة هائلة وطموحات جبارة”، مشددًا على أن الاتحاد الأوروبي يرى في الشباب الإفريقي فرصة تنموية وليس تحديًا.
وأضاف:
“كرة القدم ليست فقط رياضة؛ إنها قوة اجتماعية، ويمكننا عبرها تحويل الإمكانات إلى فرص حقيقية، والطموح إلى واقع ملموس، عبر التعليم والتأهيل والشراكة”.
الكاف: كرة القدم بوابة للمستقبل
من جانبه، وصف باتريس موتسيبي الاتفاقية بأنها “لحظة تاريخية”، معتبرًا أن كرة القدم يجب أن تُوظّف من أجل التعليم والتنمية والمسؤولية الاجتماعية. وأشار إلى أن الكاف، عبر مؤسسة موتسيبي، قدم دعمًا مباشرًا بقيمة 10 ملايين دولار لدعم التعليم في المدارس الإفريقية.
وأكد موتسيبي:
“لدينا أكثر من 500 مليون شاب إفريقي. إن لم نستثمر فيهم، فسنواجه اضطرابات اجتماعية واقتصادية خطيرة. كرة القدم توحد، تلهم، وتبني مستقبلًا”.
كما لفت إلى أن كأس الأمم الإفريقية الأخيرة جذبت أكثر من 2.4 مليار مشاهد من 180 دولة، مشيرًا إلى أن الكرة الإفريقية باتت قادرة على المنافسة العالمية، وأن الفوز بكأس العالم يومًا ما “ليس حلمًا بعيدًا”.
نقلة نوعية في العلاقات الإفريقية الأوروبية
وصفت أنجلينا إيخهورست، رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر، الاتفاقية بأنها أول تعاون من نوعه بين الكاف ومنظمة دولية بهذا المستوى، مؤكدة أنها تمثل “نقلة نوعية في العلاقات بين القارتين، ورسالة واضحة حول التزام أوروبا بدعم مستقبل الشباب الإفريقي”.
خاتمة: شراكة تتجاوز الرياضة
تمثل هذه الاتفاقية نموذجًا متقدمًا للدبلوماسية الرياضية والتنمية المستدامة، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الملايين من الشباب الإفريقي، عبر ربط الرياضة بالتعليم، وتحويل كرة القدم إلى منصة للتمكين المجتمعي والاقتصادي. كما تعكس رؤية أوروبية جديدة تجاه إفريقيا، قائمة على الشراكة لا الوصاية، والاستثمار لا الإعانة، والتكامل لا التبعية.