إيران.. ولماذا أمريكا الآن بدون ترانزيت؟

رئيس التحرير يكتب
تمثل الجولة الخامسة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية، المقرر انطلاقها في روما اليوم 23 مايو 2025، لحظة محورية في ملف طالما شغل المجتمع الدولي. المشهد لا يتعلق فقط ببرنامج نووي، بل بصراع سيادة وطنية، وعدالة دولية، ومصالح متشابكة تتجاوز حدود الشرق الأوسط.
السؤال المحوري هنا: ماذا لو تخلّت إيران عن برنامجها النووي كما تهوى الولايات المتحدة بدوافع صهيونية؟
في حال خضوع إيران، فسيُعد ذلك انتصاراً مجانياً للغطرسة الأمريكية والصهيونية، التي تتمادى في فرض شروطها على الآخرين، بينما تتغاضى عمداً عن ترسانة إسرائيل النووية المدمرة، التي لا تزال خارج إطار معاهدة حظر الانتشار النووي.
بحسب تقديرات دولية، تمتلك إسرائيل ما بين 80 إلى 400 رأس نووي، موزعة بين صواريخ أرض-أرض، وغواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية، وقاذفات بعيدة المدى.
ورغم هذا، لا تُواجه إسرائيل أي مساءلة دولية، ولا ضغوط من حلفائها الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
أي أنانية تلك من جانب الصهاينة بدعم أمريكي استفزازي؟
بل وأي خيبة من أنظمة عربية غارقة في التطبيع، لم تجرؤ على اتخاذ خطوة حقيقية نحو الحد من خطر النووي الإسرائيلي، بينما لا تزال تُشيطن البرنامج النووي الإيراني السلمي؟
إنها ازدواجية المعايير في أوضح صورها. فبينما يُعاقَب من يسعى لاستقلال نووي سلمي، يُكافأ من يراكم ترسانة دمار شامل خارج القانون.
هل تستمد الولايات المتحدة وإسرائيل هذه الغطرسة من تقاعس من يُحسبون على العروبة والإسلام؟
وهل بات النفط الخليجي وبالاً على الإنسانية بدلاً من أن يكون نعمةً اقتصادية؟
من جهة أخرى، يرى الإيرانيون أن برنامجهم النووي هو رمزٌ للسيادة والتقدم العلمي، وهو حقهم الأصيل كدولة موقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. بينما ترى واشنطن أن امتلاك إيران لتقنية التخصيب يشكل تهديداً إقليمياً، في ظل علاقاتها مع قوى المقاومة في المنطقة.
هل تتحول مفاوضات إيران المباشرة مع الولايات المتحدة إلى صفعة لأعراب الشرق الأوسط؟
خصوصاً مع رعاية سلطنة عمان لهذه المحادثات، لما تمتلكه من حيادية وعمق استراتيجي غير خاضع لمحاور الاستقطاب.
منذ عام 1979، دعمت إيران المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية، فهل تراجع دعمها تكتيكياً كـ مناورة سياسية لفضح تطبيع بعض الأنظمة العربية، أم أنه تخوف فعلي من الضربات الصهيو-أمريكية، خصوصاً بعد عمليات اغتيال طالت قيادات بارزة مثل إسماعيل هنية، إبراهيم رئيسي، وعبداللهيان؟
ولا يمكن تجاهل المعادلة الأخلاقية الدولية:
كيف تطالب أمريكا بنزع سلاح إيران بينما تحتفظ إسرائيل، حليفتها المدللة، بترسانة نووية صامتة؟
إنها معايير مزدوجة فجّة، تُكرّس الظلم وتُقوّض أي أمل في السلام العالمي.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال التحوّل الثقافي والديموغرافي في الغرب، حيث يبدي الجيل الجديد (Z) رفضا متزايداً للصهيونية وسياسات إسرائيل، وهو ما يهدد استمرار الدعم الغربي غير المشروط لتل أبيب.
أما على الصعيد العربي، فموقف مصر جاء ثابتاً وراسخاً:
مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي حذّرت باستمرار من توجيه أي ضربة لإيران، كما حذّرت مراراً من توسيع نطاق الحرب الإسرائيلية ضد غزة وإبادتها الممنهجة، رغم محاولات إقليمية لتقزيم دور القاهرة والنيل من ثقلها التاريخي. لكن التاريخ لا ينسى، وهيهات أن يسقط ثقل مصر العربي والدولي.
واليوم، يشهد العالم تقارباً استراتيجياً مصرياً-إيرانياً-تركياً قد يُعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط. هذا التحالف المنتظر لن يلبي آمال شعوب المنطقة فقط، بل سيمثل أملاً للإنسانية العالمية في وجه الغطرسة والاحتلال.
خلاصة القول: هل تفوز إيران برضا الأمريكان وسلامة برنامجها؟
أم أن أمريكا تفضّل الاستمرار في استنزاف الخليج وتدليل إسرائيل؟
أم أن هناك فرصة أخيرة لعقلنة السياسة الدولية، قبل أن تنزلق المنطقة كلها إلى هاوية الحرب الشاملة؟
كما قال أينشتاين: “لا يمكن الحفاظ على السلام بالقوة، بل بالتفاهم.”
فهل تفهم القوى العظمى هذه الحكمة… قبل فوات الأوان؟