لمحة عامة عن العمل الإنساني العالمي 2021
بقلم مارك لوكوك
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ
هناك اختيار واضح يواجهنا؛ إما أن نجعل عام 2021 نقطة تحول مفصلية، سنة التضحية بأربعين عامًا من تقدم الإنسانية، أو يمكننا بذل الجهد والمال، لنعود بكل شيء إلى مساره الصحيح.
ولقد تحقق التقدم، لأن مختلف الدول وضعت استثماراتها في مجالات التعليم واللقاحات والرعاية الصحية وتحقيق المساواة الاجتماعية. ومن الجدير بالذكر، أن هذه المكاسب لم يكن سهلًا أبدًا تحقيقها، وعَمَّت فوائدها على الجميع، ولذلك فهي تستحق المعاناة من أجلها والكفاح للمحافظة عليها.
ويتمثل ما حققناه من مكاسب في ذلك الفرق الذي حدث في حياة طفلة تبلغ من العمر 12 عامًا، استطاعت استكمال تعليمها بدلًا من تزويجها في مثل هذه السن المبكرة، أو في توفير لقاحٍ بسيط، يضمن لطفلٍ حياة جديدة بدلًا من الموت ضحية مرض يمكن الوقاية منه، وفي مولد طفل جديد، هو بداية لحياة جديدة، وليس تهديدًا جديدًا لتلك الحياة.
كان للأشهر الأخيرة بالغ الأثر على الإنسانية جمعاء بكل تأكيد؛ فقد ارتفعت معدلات الفقر المدقع للمرة الأولى منذ 22 عامًا، ولم تتوفر اللقاحات للأطفال الذين يحتاجونها، ولم تعد الفتيات يرتدن المدارس، ولاح شبح المجاعة في الأفق في العديد من المناطق.
واليوم، ننشر اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي لعام 2021، والتي تمثل أهم مصدر شامل ومعتمد ومبني على الدراسات والأدلة، لتقييم الاحتياجات الإنسانية في العام المقبل. وفي مستهل هذا العام، ازداد عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية الأساسية للنجاة من 170 مليون شخص إلى 240 مليون شخص، ويرجع السبب في مجمله إلى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ولقد تصاعدت الأرقام وتضخمت بشكل كبير، ولكنها لا تظل مجرد أرقامٍ في النهاية؛ فكل منها يحمل خلفه حياة إنسان وقصة مختلفة.
التحدي كبير بالطبع، لكن لم يَفُت الأوان بعد لإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي. وسيتطلب الأمر من القائمين على مقاليد السلطة وصُنّاع قرار التمويل اتخاذ قرارهم بالتمويل لدعم وحماية عقود من التقدم والتنمية التي لم تكن سهلة المنال، وذلك من خلال استجابة مالية توازي حجم الأزمة القائمة.
نُدرك طبيعة المشكلات التي نواجهها، ونعلم تحديدًا ما يُمكن أن تُفضي إليه، ونحن على دراية بما يتوجب علينا فعله إزائها. لقد هاجمنا الفيروس بضراوة، والعالم في غفلة عنه؛ ولكن مهما كانت الظروف، فلا عُذر لنا في ألا نتحرك الآن.
لقد نجحنا من قبل. فلننظر إلى الأزمة المالية لعام 2008، حيث استخدمت كُبرى اقتصادات العالم مؤسسات الموارد المالية الدولية بمرونة وبطريقة مبتكرة للتعامل مع الأزمة، حيث ازداد حينها جمع التمويل اللازم للنداءات الإنسانية المُنسقة للأمم المتحدة بأكثر من 40 في المائة بحلول عام 2010. ولذلك، يمكننا أن نعبر الأزمة مرة أخرى.
حان الوقت الآن لحماية الموازنات المخصصة للمساعدات، وتوسيع نطاق تخفيف عبء الديون إلى ما هو أوسع من مجرد مبادرة تعليق الديون، وكذلك إصدار وتخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الأكثر فقرًا، وتوجيه موازنات المؤسسات المالية المشتركة بشكل أكبر نحو حماية الفئات الأكثر ضعفًا.
إن الأزمة رغم حجمها، إلا أن جمع التمويل اللازم لمواجهتها أمر سهل التحقيق. وبمقارنة ما يستلزمه التمويل المطلوب من الدول ذات الاقتصادات القوية من الناحية المالية؛ فإننا نحتاج إلى 35 مليار دولار لمساعدة 160 مليون شخص العام القادم، نسبة بسيطة من مبلغ 12 تريليون دولار، مجموع حِزَم المُحفزات الاقتصادية للدول الغنية.
إن التصرف الآن حيال ما نواجهه لهو أمر يصب في صالح الجميع، وبالطبع فإن كل دولة مسؤولة عن إعادة ترتيب أولوياتها بما يخدم اقتصادها وشعبها؛ أما بالنسبة للدول الأفضل حالًا والتي لا تتخذ إجراءً حاسمًا في هذا التوقيت، فإن ذلك ليس عجزًا منها عن إبداء تعاطفها مع الدول دونها، بل هو إضرارٌ بها وبمصالحها. ولذلك، فإن تجاهل الأوضاع سيزيد الأمر سوءًا، وسيكون للمشكلات الناشئة عن الانكماش الاقتصادي العالمي أبلغ الأثر على الجميع.
يؤجج الفقر والجوع والمرض والمعاناة من حجم الظلم وأبعاد اليأس، ليأتي في أعقابها كَمّ الصراعات الناشئة وعدم الاستقرار وزيادة معدلات الهجرة وتدفق اللاجئين، وكل ذلك يَمُدُّ يد العون للأنظمة الاستبدادية والجماعات المتطرفة والإرهابيين في مساعيهم، ليكون نطاق أثرها واسعًا ومُطوَّلاً.
ومما يُثير الدهشة، أنْ لجأت كافة البلدان الغنية إلى أن تضع القواعد جانبًا، لضخ السيولة في اقتصاداتها ودعمها ماليًا، إلا أنها لم تفعل سوى القليل لحماية الدول الأفقر، والذين لا يتمتعون بالقدرة على مواجهة الأزمة أو يمتلكون الموارد أو إمكانية الوصول للأسواق للقيام بالمثل.
إذا قررت الدول الغنية ألا تفعل المزيد، مساهمة منها في الأزمة الحالية، فذلك تصرف قاس وغير مسؤول؛ ويَنُمُّ عن قِصَر النظر بشكلٍ مؤسف؛ فهم بذلك يخاطرون بتبديد ما حققته استثمارات التنمية باستخدام أموال دافعي الضرائب.
هذه ليست أوقاتًا عادية بكل تأكيد، وفي هذا المنعطف الحاسم، من شبه المؤكد أن يتحول الأمر ليكون أكبر أزمة منفردة في حياتنا. نحن لن نحصل على فرصة ثانية لاتخاذ القرار الصحيح، ولا مجال للفشل، وإلا سيحكم علينا التاريخ بكل قسوة إذا لم نحسن التدبير.