رأىسلايدر

سؤال تلميذ لم يدرك بعد الحياة كما نراها ونعيشها !

استمع الي المقالة

بقلم: د. حذامى محجوب

الإعلامية القديرة وأستاذ الفلسفة السياسية

يُقال عادة : ” الطفولة التي لا تُعاش، وحدها نعيشها أبداً “.. ان ماحدث لي اليوم أدمى قلبي.. كم شعرت بالغبن ، بالعجز، أمام سؤال حارق ، لتلميذ اسكنني ألمه و معاناته و خوفه على مستقبله الدراسي ، بل على مصيره و بقية حياته …

سيّدتي ” لم لا توفر الدولة لنا امكانية التعلّم عن بعد ؟ ، لماذا تتركنا لنخاطر بحياتنا ؟ “.. الا تدرك الدولة ان بقاء التلاميذ والطلبة في بيوتهم ، سيفرض واقعا و عمليّا ، حجرا صحيا جزئيا ، سيخفض من ضغط وسائل النقل ، سيمكن من الحدّ من انتشار الوباء، بحيث لن يحرم جزء كبير من السكان النشطين من اعمالهم ، خاصة عندما يخلد التلاميذ والطلبة الى بيوتهم مع توفير فرص و امكانية التعلّم لهم.

كيف تعجز الدولة عن توفير الرّبط لمواطنيها بالشبكة العنكبوتية مجانا ، وعن توزيع اجهزة و لوحات ذكية خاصة لاولئك المحتاجين لها . غير بعيد عنّا ، تحديدا في بلد شقيق مثل مصر وفّر هذه الخدمة لابنائه مجانا بل عمّمها ؟
ما قدر حاجتنا الى ديمقراطية غير قادرة على حمايتنا و ابعاد شبح الموت من امامنا ، بقدر ما تقتل الامل لدينا ؟
اصدقكم قولا : عجزت عن الاجابة …

ماذا عساي اقول لهذا التلميذ ، كيف أجيبه ؟ هل أعلمه بالحقيقة المرّة ؟ هل أصارحه ؟ لتتضاعف مخاوفه أم اخدعه و ازرع في نفسه املا كاذبا آخر ؟ اليس من مهام المدرس ان يصدق تلاميذه و يزرع الطمانينة في قلوبهم ؟ هل أكذب عليه ؟ كما يكذب علينا ساسة هذا البلد ؟

هل من حقي أن أسرق منه املا وهو لا يزال في ربيع العمر ؟
هل يمكن أن أجانب الحقيقة في هذه السنّ وفِي هذه المرحلة من النضج ؟
لست انا من يصنع ذلك ؟
لا أقدر !
هل أقول له ان التربية والتعليم يا صغيري ليستا من اهتمام من يحكم البلاد اليوم ؟!
الم تعلم ياصغيري ، أن صندوق النقد الدولي قد أعلن في تقرير رسمي أن أداء الإقتصاد المصري قد فاق كل التوقعات رغم تداعيات جائحة كورونا ، وهو الآن من أكثر و افضل إقتصادات العالم تعافيا و نموّا .

بقدر ما نفرح للشعب المصري الشقيق الذي وجد رجالا أنقذوه ، بقدر حزننا لغياب الضمير في بلدي وانتشار اللصوص والمتاجرين بالوطن باسم الدين وغيره …

ان الشعب التونسي الذي يقال عنه ، انّه شعب متحضّر ومثقف أصبح يأكل القمح المسوس ويحرم من ثرواته بٱسم “ما تصح الصدقة كان ما يشبعوا إماليها” ..! كما اعلن رئيس البرلمان و زعيم النهضة الغنوشي.
تدفن النفايات الإيطالية على أرض كانت مطمورة خيرات روما ، يرتع الفاسدون والمهربون والإرهابيون داخلها بكل حرية بٱسم حقوق الإنسان ..

تحولت مدخرات شعب و أمواله إلى غنيمة يتم تقاسمها بٱسم قوانين العدالة الانتقالية و العفو التشريعي العام ..! .وتُنهب ثروات الناس بٱسم العدالة الإجتماعية و الحقوق الاقتصادية ، تخترق المؤسسات العسكرية والأمنية بٱسم التمكين و فتاوى جند الخلافة ،و تتحول المؤسسات الإعلامية إلى منابر لتبرير الارهاب و لتبييض الفساد وتمجيد الرداءة بٱسم حرية التعبير ، تزيف الإنتخابات وتسرق اصوات الناخبين وتباع وتشترى بالمال الأجنبي الفاسد بٱسم التحول الديمقراطي ، تدمر مكتسباته بٱسم اعادة التأسيس.

تصول و ترتع وتجول المخابرات الأجنبية في أرجاء البلاد ، يسفّر شبابه إلى بؤر الإرهاب بٱسم الدين والجهاد واقامة الخلافة ، وتتفكك مؤسساته بٱسم منطق المحسوبية و الجهوية و الاقطاعية ، وتنهار هيبة الدولة وشوكتها بٱسم الحكم المحلّي و اللامركزي ، وتتقاسم الاحزاب المناصب باسم الائئتلاف والتوافق ويحدث كل هذا السقوط والدمار تحت عنوان ” الديمقراطية “.
اعود لتلميذي بالسؤال : هل تعتقد بعد هذا ان الحكومة تفكر في تعلّمك عن بعد ؟

هل ان هذا النمط من التعلّم الذي غدا وسيلة معتمدة من وسائل التعليم التي شهدت تطوّرًا كبيرا في السنوات الأخيرة خاصة بعد انتشار جائحة الكورونا ممكن في ظلّ هذه الاوضاع في تونس ؟

لماذا التجأت الكثير من المدارس والجامعات في العالم لاستعمال تقنيات التعلّم عن بعد ؟ اليس حفاظا على سلامة التلاميذ والطلبة والمدرسين والاطار التربوي ؟

ماالذي ينقص بلادنا حتى تضمن السلامة لابنائنا في هذا الموسم الدراسي ؟ هل هو المال ؟ أم غياب الحوكمة و سوء التصرف ؟

لماذا لاتوفر الدولة للناشئة خدمة الانترنت و الحواسيب و لوحات ذكية ؟

اين المال ؟ اين الاولياء ؟ لماذا نزج بهم في منطقة الخطر ؟

لماذا لا يبادر حزب سياسي و يتولَى توفير هذه الخدمة الى وزارات التعليم ؟

لماذا لانرى ثروات و أموال هذه الاحزاب متدفقة الا عند الانتخابات ؟

الا يجدر بها لتلميع صورتها ان تفكر في هذه المسألة ؟

هل هنالك اجمل من هذه الفرصة بعد ان سقطت في وحل فساد السياسة ؟

يبقى الامل في تلاميذنا و اطفالنا الذين هم روح حياتنا، وعطرها، هم البسمة البريئة، ورؤية الاشياء البسيطة السهلة الخالية من المشاكل، والهموم التي غرقنا فيها.

لهذا ليس من خيار امامي الاّ ترك لنفسي مساحة خالية من شؤون السياسة و السياسيين.. حيرة التلميذ و سؤاله هما اصلا ، عنوان نكبتنا في زمن هذه الحكومات التي تسلّطت على بلادنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى