رأى

هل ستقوم الشرطة الرئاسية السرية بإخراج ترامب من البيت الأبيض?

استمع الي المقالة

مفيد الديك

إعلامى ودبلوماسى أمريكى سابق

في العام 1974، وفي ذروة أزمة ووترغيت التي اتُهم فيها الرئيس الجمهوري آنئذ ريتشارد نيكسون – وهو الذي قد يكون الرئيس الجمهوري الأكثر شبها بدونالد ترامب – بالتجسس على مقر الحزب الديمقراطي المعارض في مبنى ووترغيت بواشنطن في سنة انتخابية، قرر نيكسون فجأة وبعد مماطلة وتعنت وتنمر دام فترة طويلة، الاستقالة ليلة 9 آب/أغسطس 1974. ووفقًا لخطاب الاستقالة الذي أدلى به نيكسون صبيحة اليوم التالي، قال نيكسون إنه يستقيل “لأنني خلصت إلى أنه بسبب مسألة ووترغيت، قد لا أحصل على دعم الكونغرس الذي أعتبره ضروريًا لدعم القرارات الصعبة للغاية وتنفيذ واجبات هذا المنصب المهم لبلادنا.” ما الذي حصل حينها؟ في الليلة السابقة لقرار الاستقالة، حضرت مجموعة من كبار أعضاء حزب نيكسون الجمهوري في مجلس الشيوخ إلى البيت الأبيض ليبلغوه بالتالي: “حضرة الرئيس، لا يمكننا أن نواصل دعمك بعد الآن.” وقد عنى ذلك له فورا أنه إذا تواصلت عملية المحاكمة البرلمانية التي كان الديمقراطيون قد أطلقوها منذ أشهر ضده لعزله من المنصب، فإن أعضاء حزبه لن يقفوا إلى جانبه، وبالتي فإنه سيعزل من المنصب ويلقى به في مزبلة التاريخ. فاستقال نيكسون صاغرا.

لكن المشكلة الرئيسية لمواصلة ترامب المماطلة في القبول بنتيجة الانتخابات الحالية التي فاز فيها منافسه الديمقراطي جو بايدن بوضوح استثنائي، سواء على صعيد الانتخابات الشعبية – التي يتفوق فيها بايدن على ترامب حتى الآن بما يقرب من 5 ملايين صوت وفوزه بما لا يقل عن 279 صوتا في المجمع الانتخابي الذي يحتاج فيه إلى 270 صوتا فقط، وهو رقم قد يصل إلى 306 أصوات في المجمع الانتخابي حين ينتهي عد الأصوات في ولايتي جورجيا وأريزونا اللتين يتقدم فيهما بايدن بوضوح، هي أن الحزب الجمهوري تغير كثيرا عما كان عليه سنة 1974. قيادات الحزب الجمهوري في مجلسي الكونغرس مرعوبة من ترامب ولا تستطيع مواجهته كما فعلت تلك القيادات في العام 1974 مع نيكسون. والسبب هو أن هذه القيادات تدرك أنها تستمد الأصوات اللازمة لها في أي انتخابات للاحتفاظ بمقاعدها في الكونغرس من ذات القاعدة الصلبة من مؤيدي ترامب وهي تدرك أيضا أن شعبية ترامب لدى هذه القاعدة أصلب بكثير من شعبيتها، وبالتالي فإذا وقف هؤلاء ضد ترامب فإن القاعدة الانتخابية المؤيدة له ستصطف وراءه فيخسرون!! زعماء جمهوريون جبناء يضعون مصلحتهم الشخصية قبل مصلحة البلاد وتواصل الأعراف الديمقراطية الأميركية.

ترامب يرفض الاعتراف بالهزيمة!

بعد خسارة ترامب في انتخابات هذا العام السبت الماضي حين أعلنت كل شبكات التلفزيون الأميركي – حتى شبكة فوكس الموالية لترامب – وحث بعض مستشاريه وبعض أفراد أسرته له على التنازل والخروج من البيت الأبيض، فإن ترامب يستمر في إثارة الشكوك حول ما إذا كان سيفعل ذلك. يوم الثلاثاء الماضي، توجه الأميركيون إلى أكشاك التصويت في جميع أنحاء الولايات المتحدة لانتخاب رئيسهم القادم. ويوم السبت الماضي، بعد أربعة أيام من معركة متنازع عليها على الولايات المتأرجحة، فاز بايدن بولاية بنسلفانيا الحاسمة وحصل على غالبية الأصوات الانتخابية اللازمة للفوز بالرئاسة – حصل فورا على 20 صوتا انتخابيا أوصلته إلى الرقم السحري الـ 273 في المجمع الانتخابي.

حسب التقاليد والأعراف الانتخابية الأميركية، فبشكل عام، بمجرد أن يصبح الفائز واضحًا، يقر الخاسر بخسارته، لكن يُقال إن مسؤولي البيت الأبيض لا يتوقعون لترامب أن يفعل ذلك. وقال أحد مستشاري ترامب لإحدى شبكات التلفزيون الأميركية الرئيسية إنه قد لا يقبل أبدًا بهذه الحقيقة. وقال مصدر جمهوري لصحيفة ديلي ميل “ليس لديه خطاب تنازل جاهز ولا ينوي الاعتراف برئاسة جو بايدن.” وبدلاً من ذلك، أطلق ترامب، الذي كان يلعب الغولف في ولاية فرجينيا القريبة من البيت الأبيض عندما وردت إليه أنباء فوز بايدن، حملة إجراءات قانونية واتهم الديمقراطيين بـ “محاولة سرقة الانتخابات” من خلال تزوير الانتخابات. وذكرت صحيفة الغارديان أن “الحقيقة البسيطة هي أن هذه الانتخابات لم تنته بعد”، كما أصر ترامب في بيان صدر بينما كان لا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات.

وأفادت التقارير أن أفراد عائلة ترامب انضموا إلى العدد المتزايد من الأشخاص في الدائرة المقربة من ترامب، وحثوه على قبول الخسارة. يوم الاثنين، قالت مصادر لإحدى شبكات التلفزيون الأميركية الرئيسية إن زوجته ميلانيا أبلغته سراً أنها تعتقد أن الوقت قد حان لقبول الهزيمة. وتأتي هذه الأنباء بعد أن نقل عن أن صهره وأحد أقرب المقربين من مستشاريه جاريد كوشنر تواصل معه بشأن التنازل عن الانتخابات.

لكن ماذا سيحدث لو أصر ترامب على رفض الاعتراف بالهزيمة؟

والسؤال الآن هو: ماذا سيحدث إذا لم يتنازل ترامب وواصل التأكيد أنه هو الفائز وأنه لن يخرج من البيت الأبيض؟ بعد أن يتضح الفائز في الانتخابات الأميركية، يقوم المرشح الخاسر تقليديًا بمهاتفة المرشح الفائز ليقول له “أهنئك على الفوز وأتمنى لك حظا سعيدا” قبل إلقاء خطاب تنازل علني للأمة في اليوم التالي. وقد بدأ هذا التقليد في العام 1896 عندما أرسل المرشح الرئاسي الديمقراطي وليام جينينغز برايان برقية إلى المرشح الجمهوري الفائز ويليام ماكينلي قال فيها: “أسارع إلى تقديم التهاني إليك. لقد قدمنا ​​القضية إلى الشعب الأمريكي وإرادة الشعب الأميركي هي القانون.”

في العام 2016، اتصلت هيلاري كلينتون بترامب ليلة الانتخابات لتهنئته حتى قبل أن تتأكد مئة بالمئة أنها خسرت الانتخابات. تلتزم اتصالات التنازل والخطب التي يلقيها المرشح الخاسر عمومًا بصيغة محددة: يهنئ الخاسر الفائز ويدعو إلى الوحدة ويدعو مؤيديه إلى ضرورة قبول النتائج. ولكن، في حين أن التنازل هو المعيار، فهو ليس مطلبًا إلزاميا دستوريا، بل هو تقليد وعرف. ترامب لم يفعل ذلك بل واصل نشر الشائعات حول حصول “تزوير” في الانتخابات وإنه سيواصل حملة قانونية لإثبات أنه الفائز. ليس هناك خبير قانوني أميركي واحد يعتقد أن لدى ترامب فرصة ولو واحد بالمئة لقلب نتيجة الانتخابات الأخيرة.

ماذا سيحدث إذا لم يغادر ترامب البيت الأبيض؟ يعتقد المعلقون أنه من غير المرجح أن يحاصر ترامب نفسه في البيت الأبيض ويرفض المغادرة إذا فشلت محاولاته لتغيير نتيجة الانتخابات عبر ما يسميه حملة قانونية منظمة للتشكيك في نتيجة الانتخابات. وقال مصدر جمهوري بالكونغرس إنهم يعتقدون أنه إذا واصل ترامب التعنت والمماطلة، فإنه سيجعل من “المستحيل عليه الترشح للرئاسة مرة أخرى في 2024 إذا ما قرر ذلك. سينظر إليه على أنه خاسر صعب.” وقال مايكل ستيل، الرئيس السابق للجنة الوطنية الجمهورية لصحيفة بوسطن غلوب إنه “إذ رفض ترامب مغادرة البيت الأبيض، قمن المحتمل أن يُتم إخلاؤه بالقوة.” وقال ستيل: “أعتقد أنه ستكون هناك لحظة استقالة نيكسون حيث سيقوم فريق من قيادة الجمهوريين بزيارة البيت الأبيض ليقول لترامب: “حضرة الرئيس، أن الأمر قد انتهى.”

وقال مسؤول سابق شارك في العملية الانتقالية بين الرئيس السابق باراك أوباما وترامب لمجلة نيوزويك: :إذا حدث وأن قيد رئيس نفسه بالسلاسل إلى المكتب الرئاسي، سيطلب الرئيس الجديد من رجال الخدمة السرية التي تحمي ترامب حاليا، أرجو أن تدخلوا وتخرجوه بالقوة من فضلكم. وحينها سيقوم رجال جهاز الخدمة السرية بمرافقته إلى خارج البيت الأبيض.” وأضاف: “سيعاملونه مثل أي رجل عجوز تسلسل إلى ملكية فدرالية لم يعد له حق البقاء فيها.” وقد عالجت حملة بايدن بالفعل احتمال رفض ترامب المغادرة حين قالت في بيان: “حكومة الولايات المتحدة قادرة تماما على مرافقة المتسللين خارج البيت الأبيض.”

أرجو أن يحدث ذلك بالفعل لأن الديمقراطية الأميركية أهم بكثير من هذا المتطفل، النرجسي، الفاسد على السياسة الأميركية التي دخل إليها في غفلة من الزمن ليصبح رئيسا لأميركا، وهو الذي “سيكون دون أي شك أسوأ رئيس أميركي في التاريخ”، كما وصفته صحيفة النيويورك تايمز النافذة.

تذكروا أن أكثر ما يقلق ترامب من هزيمته في الانتخابات هو أنه يعرف معرفة اليقين أنه بمجرد أن يخرج من البيت الأبيض فإن هناك سلسلة من القضايا القانونية التي تنتظره وبعضها خطير قد يوصله إلى السجن، وبذلك لن يكون ترامب فقط أسوأ رئيس أميركي في التاريخ، بل أول رئيس أميركي يخرج من البيت الأبيض ليتم اقتياده مقيدا بالأصفاد إلى السجن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى