مفيد الديك
غدا يذهب عشرات الملايين من الأميركيين إلى صناديق الاقتراع، وهي أول مرة يشارك فيها الأميركيون في انتخابات عامة وسط وباء عالمي قتل منهم أكثر من 230 ألفا وأصاب أكثر من 9 ملايين. كما تأتي انتخابات غد وسط تهديدات وشائعات وتخويفات من الرجل الجالس في البيت الأبيض، دونالد ترامب، وليس من المعارضة كما هو الحال في بقية أنحاء العالم، من أن الانتخابات لن تكون نزيهة. وألمح ترامب عدة مرات إلى أنه قد لا يقبل بنتائج هذه الانتخابات وأنه لن يواصل السير على نهج أكثر من 200 عام من تداول السلطة بسلمية إذا ما فاز عليه منافسه الديمقراطي جو بايدن غدا. ومع اقتراب انتخابات الغد تسود حالة من القلق الشديد الشارع الأميركي من إمكانية اندلاع أعمال العنف والفوضى والإخلال بالأمن وسط مشاهد حزينة بدأت أراها على شاشات التلفزيون الأميركي من قيام أصحاب الأعمال بتحصين أبواب محلاتهم التجارية استعدادا لإمكانية تعرضها للاعتداءات والنهب والتخريب أثناء أعمال العنف والفوضى المتوقعة. بل إن بعض أعمال التحرش والفوضى من قبل أتباع ترامب أساسا قد بدأت بالفعل.
لقد شاركت في أكثر من 10 انتخابات رئاسية وعامة أميركية خلال سنوات عيشي الطويلة في الولايات المتحدة، ولم أشعر أبدا بالخوف والقلق وعدم اليقين الذي أشعر به اليوم، قبل يوم واحد من الانتخابات. وأنا على يقين أن عشرات ملايين الأميركيين يشاركونني هذه المشاعر. انتخابات غد لن تكون فقط على من سيفوز جو بايدن أم دونالد ترامب، ولا على من سيفوز فيها، الحزب الجمهوري أم الحزب الانتخابي. انتخابات يوم غد ستكون على ما ستكون عليه هوية وصورة وطبيعة أميركا ليس فقط خلال السنوات الأربع القادمة، بل ربما الخمسين عاما القادمة. وكما قال الصحفي والمؤلف الأميركي المعروف توماس فريدمان، “ستكون أميركا نفسها على بطاقة الاقتراع” يوم غد الثلاثاء. والسبب هو أن الجالس في الأبيض اليوم، ترامب، عمل بكل كد وجهد في سنواته الأربع الماضي لتحطيم الكثير مما بناه الرؤساء الأميركيون الـ 44 من قبله؛ فهو حاول هدم الكثير من أركان الديمقراطية الأميركية من صحافة مستقلة وقضاء مستقل ومساواة للجميع أمام القضاء. كما أنه أعاد العلاقات العرقية في أميركا إلى الوراء أكثر من 100 سنة وشوه صورة أميركا في الخارج وقضى على هيبتها ودمر علاقات وتحالفات بنتيها أميركا بصبر وتأن على مدى أكثر من 80 عاما. ها الرجل الذي خاض انتخابات الرئاسة العام 2016 تحت شعار “لنجعل أميركا عظيمة” حول أميركا إلى مؤخرة الركب العالمي – ما عليك أن تذهب أبعد من الطريقة الخرقاء، المتخلفة بل والتي تصل إلى حد الإجرام في مكافحة وباء كوفيد-19، فأميركا في عهده وفي مواجهة أول أزمة كبيرة واجهها ترامب في رئاسته هي أسوأ دولة في العالم في مواجهة الوباء، وليست الأعظم كما كانت قبل أن يدخل البيت الأبيض.
أحد أسباب القلق الذي يعيشه الشارع الأميركي اليوم قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية هو أن لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الانتخابات كما كان الوضع منذ أيام الجمهورية الأولى قبل ما يقرب من 250 عاما. ومن الواضح للجميع أن يوم الانتخابات غدا سيكون مختلفًا تمامًا هذا العام. بداية، هناك فرصة أكبر من المعتاد ألا نعرف من الذي فاز في الانتخابات الرئاسية بحلول نهاية ليل غد الثلاثاء.
إذن، متى سنعرف من سينتخب رئيسًا للولايات المتحدة؟
لا نعرف على وجه اليقين (وسنوضح السبب)، ولكن هناك ثلاثة سيناريوهات حقيقية محتملة:
السيناريو الأول: أن يعلن فوز أحد المرشحين بصورة واضحة تماما في عدد من الولايات المتأرجحة الرئيسية – فلوريدا، بنسلفانيا، مشيغان، منيسوتا، ويسكونسن، جورجيا ونورث كارولينا في وقت مبكر من ليلة الانتخابات غدا (ونذهب جميعًا إلى الفراش مبكرًا).
فمن المتوقع أن يفوز أحد المرشحين بـالـ 270 صوتًا انتخابيًا المطلوب (الحد الأدنى المطلوب للفوز من مجموع المجمع الانتخابي المؤلف من 538 صوتا) في ليلة الانتخابات، ويقوم المرشح المهزوم بوضوح بالتنازل للمرشح الفائز. هكذا كانت الحال ما عدا في حالة الخلاف بين بوش وغور في العام 2000. لكن هذا ليس السيناريو الأرجح ليل غد.
السيناريو الثاني: أن تظهر النتائج الأولية بعد إغلاق مراكز الاقتراع وبدء الإعلان عن النتائج أن النتائج متقاربة بين المرشحين بحيث يصعب على شبكات التلفزيون الرئيسية أو حتى الحملتين الإعلان عن الفائز.
وعلى أساس هذا السيناريو، وهو الأكثر ترجيحا، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت لعد جميع الأصوات التي تم الإدلاء بها في هذه الانتخابات – وتشير الأرقام المبكرة إلى أن هناك الكثير من بطاقات الاقتراع التي ينبغي عدها هذه المرة. في انتخابات العام 2016 شارك ما يقرب من 137 مليونا في الانتخابات. أما انتخابات هذا العام فقد شارك فيها قبل الانتخاب – سواء عبر البريد أو التصويت المبكر في مراكز الاقتراع الذي تسمح به ولايات عديدة أكثر من 93 مليون أميركي حتى اليوم. ويتوقع أن يزيد عدد المشاركين الكلي في الانتخابات هذا العام عن 160 مليونا، أي بزيادة تصل إلى ما يقرب من 25 مليونا عن انتخابات 2016. أسباب ذلك عديدة: فهناك أعداد كبيرة من الذين لم يشاركوا في انتخابات العام 2016 قرروا المشاركة هذه المرة، وهو مبشر جيد لبايدن. والسبب الآخر أن هناك الملايين من الأميركيين الشباب الذين لم يكونوا قد بلغوا سن الـ 18 في العام 2016 وهم بلغوها الآن، وهو أيضا مبشر جيد لبايدن لأنه يتفوق على ترامب في هذه الفئة العمرية.
إذن السبب الرئيسي لعدم وضوح صورة نتيجة الانتخاب ليلة الانتخاب حسب ها السيناريو هو أن فرز الأصوات سيستغرق وقتا أطول بكثير هذا العام بسبب العدد غير الأميركيين الذين يصوتون عبر البريد وسط وباء فيروس كورونا. بعض الولايات، بما في ذلك ولايات متأرجحة مهمة مثل فلوريدا وأريزونا، بدأت في فرز بطاقات الاقتراع المبكرة هذه بالفعل. لكن في ولايات رئيسية أخرى مثل ويسكونسن وبنسلفانيا، لا يستطيع مسؤولو الانتخابات حتى البدء في عد الأصوات عبر البريد حتى يوم الانتخابات. (بالمناسبة، حتى في الولايات التي تبدأ بالفعل في معالجة الأصوات المبكرة والتصويت عبر البريد قبل يوم الانتخابات، فإنها لا تنشر أي نتائج قبل إغلاق الاقتراع.)
نظرًا لأن النصر الانتخابي من المرجح أن يتوقف على عدد قليل من الولايات المتأرجحة الرئيسية، فإن معرفة من سيفوز في انتخابات 2020 سيعتمد على مدى سرعة هذه الولايات في فرز وإحصاء بطاقات الاقتراع عبر البريد. الأسوأ من ذلك هو أن هناك بعض المقاطعات المهمة في ولايات متأرجحة مهمة مثل بنسلفانيا التي تمنع بدء عد الأصوات التي أدلي بها قبل الانتخابات إلا في صبيحة ثاني يوم الانتخابات. وبالتالي، فإن لم تكن الصورة واضحة في هذه الولاية المهمة ليل الثلاثاء، فإنه سيكون لزاما علينا أن ننتظر يوما أو يومين لكي يتم عد هذه الأصوات في هذه الولاية المهمة!
الاحتمال الثالث: الفوضى وعدم اليقين لأيام وأسابيع
لا أحد يريد هذا، لكن ربما يجب أن نعترف بأنه احتمال قائم. هناك فرصة لوجود مخالفات في التصويت تؤدي إلى تأخير الإعلان عن النتائج النهائية في دوائر أو مقاطعات أو ولايات معينة، مما يمنع توقع الإعلان عن الفائز الواضح. وفي هذا السيناريو، ستندلع معارك قانونية تدوم لأسابيع، وقد يتعين على الكونغرس أو حتى المحكمة العليا التدخل، ما يجعلنا نعيش أياما وأسابيع وربما أطول من ذلك دون أن نعرف من هو رئيس الولايات المتحدة المقبل. تصوروا تكرار سيناريو الخلاف بين جورج بوش الابن وآل غور في العام 2000!
ولكن حتى في هذا السيناريو، علينا أن نتأمل، على الأقل، ترتيب الأمور بحلول 14 كانون الأول/ديسمبر، عندما ينعقد المجمع الانتخابي تحت إشراف مجلس النواب بكامل أعضائه، ويدلي الناخبون من كل ولاية بأصواتهم الانتخابية في المجمع الانتخابي (الي يتألف من 538 عضوا) لصالح الفائز حسب التقاليد المعمول بها. ركزوا أيضا على موعد آخر، وهو يوم 6 كانون الثاني/يناير حين يجتمع مجلس الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ، ويعلن رسميا الفائز بالانتخابات. هذان الموعدان لم ير ذكرهما في الدستور الأميركي بل تم تقريرهما من قبل الكونغرس ومجالس الولايات النيابية على مدى التاريخ. ولكن الموعد الذي ورد في الدستور هو يوم 20 كانون الثاني/يناير، وهو موعد تنصيب رئيس أميركي مرة كل أربع سنوات.