مفيد الديك
إعلامى ودبلوماسى أمريكى سابق
يترقب العالم كله ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأميركية بعد أكثر قليلا من أسبوعين – في 3 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل باهتمام بالغ، وهي الانتخابات التي يتحدى فيها نائب الرئيس الأميركي الديمقراطي السابق جو بايدن الجمهوري دونالد ترامب على رئاسة الولايات المتحدة. ولكن فئة قليلة من حكام العالم الديكتاتوريين أو الشعبويين اليمينيين مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي خايير بولسونارو ماتيو سالفيني، الذي يقود حزب ليغا المناهض للهجرة في إيطاليا وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، بل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وبعض حكام المنطقة العربية يترقبون نتائج هذه الانتخابات بقلق بالغ أكثر من بقية العالم.
ما الذي سيفعله هؤلاء الحكام إذا ما خسر ترامب الانتخابات القادمة، وهو أمر يبدو أنه بات مرجحا أكثر من أي وقت مضى في الوقت الذي تشير فيه كل استطلاعات الرأي الأميركية إلى أنه بات يقترب من نهايته المشؤومة. بل إن الكثير من الخبراء القانونيين والمسؤولين السابقين في دوائر الأمن والعدل الأميركية يتوقعون أن الرجل سينتهي به الأمر في السجن خلال أقل من عام من مغادرته البيت الأبيض بسبب ما اقترفه من انتهاكات قانونية قد يرقى بعضها إلى مستوى الجرائم التي يعاقب عليها القانون الأميركي بالسجن؟
الكثير من هؤلاء الحكام الشعبويين والديكتاتوريين تطلعوا إلى دونالد ترامب كقدوة لهم وكأب روحي لمخططاتهم وسياساتهم في بلدانهم. كما تطلعوا إليه للحصول على التأييد والصداقة، وهم يشاركونه روحه السياسية، وإن كانوا في الغالب أكثر حصافة ورزانة منه. لكنهم في محصلة الأمر وضعوا “كل بيضاتهم في سلته” التي أوشكت على أن تسقط من يده سقطة مدوية من يده ويتكسر كل البيض فيها. هؤلاء اعتقدوا أن وصول ترامب إلى سدة قيادة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وثقافية في العالم في العام 2016 على أنه نبوءة بأن خطهم السياسي الشعبوي أو الديكتاتوري هو الصحيح وأن الديمقراطيات الغربية الليبرالية التي، وللمفارقة، أوصلتهم أنظمتها الانتخابية الحرة والنزيهة إلى سدة الحكم هي ديمقراطيات معيبة ويجب تدمير مؤسساتها لكي يظلوا جالسين في الحكم إلى أن يموتوا أو يساقوا إلى السجون. هؤلاء لا يؤمنون حقا بالديمقراطية وبالانتخابات الحرة والإعلام الحر، ولكنهم استخدموا الديمقراطية للوصول إلى الحكم. هم لا يختلفون كثيرا عن الحكام الفاشستيين في أوروبا وغيرها مثل هتلر وموسوليني.
ترامب، بصفته الزعيم الشعبوي للقوة العظمى الوحيدة في العالم، هو أعظم حليف شعبوي يمكن للمرء أن يحصل عليه، وبالتالي فإن هزيمته المحتملة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون بالتأكيد ضربة قوية للحكومات الشعبوية والديكتاتورية في جميع أنحاء العالم التي تعتمد إما علانية أو بصورة غير علنية عليه لتمرير سياسات أو للقيام بممارسات لا ترضى عنها عادة الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ مئات السنين، جمهورية كانت أم ديمقراطية. وكما تقول كريستين جن، أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة الأوروبية المتوسطة في فيينا، “يسعى القادة الشعبويون إلى تغيير وضع بلادهم في النظام الدولي من خلال تحدي القيود النظامية، وهم بحاجة إلى حلفاء للقيام بذلك، وترامب كان هذا الحليف”. هؤلاء الحكام انتهكوا في عهد ترامب كل حقوق الإنسان التي كانت محط اهتمام العالم في فترة ما قبل ترامب، وعاثوا في الأرض فسادا. هل كان رئيس بيلاروسيا يجرؤ على أن يسرق انتخابات ديمقراطية في بلاده ويهدد بسجن زعيمة المعارضة في بلاده التي فازت عليه في تلك الانتخابات ولكنها فرت هاربة من البلاد بسبب تهديده بالزج بها في السجن لو كان هناك رئيس يحترم نفسه في البيت الأبيض؟
ومن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بزعامة بوريس جونسون إلى انتخاب الرئيس خايير بولسونارو في البرازيل، يشترك السياسيون والأحزاب الشعبوية في جميع أنحاء العالم في خصائص مشتركة مع سياسات ترامب؛ فنهم يميلون إلى الميل إلى اليمين ويروجون للسياسات القومية والمناهضة للمؤسسات والمناهضة للهجرة ولديهم كراهية استثنائية لكل من هو غير أبيض. وعلى الصعيد الدولي، ينزع هؤلاء إلى التشكيك في العولمة وتغير المناخ والعمل مع المؤسسات الدولية، كما لا يظهرون ميلا للانصياع للقيود الديمقراطية وتبعاتها كالانتخابات الحرة والإعلام الحر وقبول التداول السلمي للسلطة. وهو ما يفعله ترامب حاليا، رغم أن بلاده كانت دائما هي أول من يقف ضد من يحاول الاستيلاء على السلطة بالقوة في الخارج، وإن كانت أحيانا تشذ عن هذه القاعدة لأسباب جيوسياسية.
بدا أن انتخاب دونالد ترامب في العام 2016 جاء في ذروة الموجة الشعبوية في العالم، وخصوصا في أوروبا. في وقت سابق من العام نفسه، صوتت المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من التشكيك في ميزة الانضمام إلى الاتحاد الأورويي ومناهضة الهجرة والخطاب الشعبوي من حزب الاستقلال البريطاني، بل حتى ومن قسم من الصحافة البريطانية التي نشرت قصصًا مناهضة للاتحاد الأوروبي وساعدت جونسون في الخروج منه.
ومثل البريطانيين الذين أملوا في أن يؤدي خروجهم من الاتحاد الأوروبي إلى تمكينهم وتعزيز الوظائف البريطانية لكنهم بدأوا يكتشفون الآن أنهم ربما تسرعوا في ذلك، كان وعد ترامب بـ “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى” من خلال دعوته إلى الانعزالية وخروجه من الكثير من الاتفاقات متعددة الأطراف عنصريا، انعزاليا وغير مدروس أبدا. بل وصل ترامب في ذروة عهده إلى تمجيد الجماعات العنصرية والفاشية والدعوة إلى حمل السلاح للعديد من الأشخاص خارج المراكز الحضرية في أميركا الذين شعروا بالتهميش من قبل النخبة الحضرية وأولئك الذين في أروقة السلطة. وهو ما لاقى عند هؤلاء الكثير من القبول والاستجابة. هذه الدعوات ربما تقود إلى حرب أهلية في أميركا تدمر ما بناه الرؤساء الـ 44 من قبله.
ولكن بعد أربع سنوات من انتخاب ترامب، ووسط انتقادات لاذعة لاستجابته الشنيعة لوباء كورونا والأضرار الشديدة التي لحقت بالاقتصاد الأميركي في عهده (بلغ عجز الميزانية في عهده 3.1 تريليون دولار، وهو الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة)، وتأزم العلاقات العرقية التي لم تشهد لها الولايات المتحدة مثيلا من ستينات القرن الماضي، ومغازلته لجماعات عنصرية، عرقية فجة في الولايات المتحدة والعالم، فإن آفاق ترامب في انتخابات نوفمبر لم تعد مؤكدة مع تقدم المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن في أحدث استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة. ومع أن هناك تأييدا واسعا لترامب في أوساط معينة في الولايات المتحدة كغير المتعلمين والعنصريين، بل وربما في جيوب فاشية أخرى في العالم، إلا أن طريقة حكمه وسياساته العنصرية بل وحتى شخصيته واجهت انتقادات لاذعة ورفضا شديدا، في الولايات المتحدة والخارج.
وضع ستيف بانون، كبير المحللين الاستراتيجيين السابق في البيت الأبيض السابق، “الكثير من الموارد والطاقة في جعل ترامب رمزًا للأممية الجديدة، وجعل منه أيقونة قوية للشعبوية. وقد جسد ترامب هذا المشروع بشكل جيد. ولكن سرعان ما اكتشف بانون أن ترامب ليس زعيما حقيقيا، فانشق عنه وكتب فيه كتابا انتقده فيه بشدة.
ستيف بانون فهم ترامب بسرعة، فانسحب بهدوء من معركة خاسرة. ولكن، وعلى عكس بانون، فإن المشكلة في تفكير القادة الشعبويين أو الديكتاتوريين هي أنهم لم يفهموا ترامب أبدا ولم يقرأوه جيدا. فهذا الرجل لا هو زعيم ولا هو شعبوي ولا هو سياسي ولا هو صاحب رؤيا بالمطلق. ترامب هو شخص نرجسي، أناني، عنصري، جاهل، مغرور لا يؤمن بالديمقراطية ولديه ميول ونزعات قوية نحو الديكتاتورية، وهو يعتقد أن الكرة الأرضية كلها تدور حوله.