لا تستعجلوا رحيلها ـ ما الذي ينتظر الجامعة العربية؟
بقلم: أحمد طه الغندور
في لقاء جمعني مع عطوفة الأمين السابق لجامعة الدول العربية المرحوم د. أحمد عصمت عبد المجيد في العام 1999، داخل أروقة الجامعة التي تتصدر المشهد على كورنيش النيل في قاهرة المُعز، تلطفاً منه ـ رحمه الله ـ وبشخصيته الحكيمة الهادئة؛ أجاب على سؤالي “المشاغب” حول غياب دور فاعل للجامعة في واقعنا العربي، وما السبيل إلى الإصلاح؟
أجاب يومها؛ بحنكته وهدوئه الجمين ببيتين من الشعر للإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ لا زلت أذكرهما جيداً: ـ
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا.
ثم علّق قائلاً: “غياب الإرادة السياسية الجماعية العربية هي السبب”!
فهو ـ رحمه الله ـ وغيره من الأمناء العامين، كانوا يدركون أن “الزعامات العربية” لم تكن لتقبل بأن تكون لـ “الجامعة العربية ” أية مكانة سياسية تمس مكانتهم، وأن ” الجامعة ” كانت بمثابة “المنفى” لخيرة السياسيين العرب!
ولو عدنا إلى نشأتها؛ فيرجع التاريخ الفعلي لـ ” جامعة الدول العربية ” إلى يوم 22/3/1945 حين تم التوقيع في البهو الرئيسي لـ ” قصر الزعفران ” ـ مقر رئاسة جامعة عين شمس حالياً ـ على الصيغة النهائية لنص ” ميثاق جامعة الدول العـربية ” من قبل رؤساء حكومات خمس دول عربية؛ هي العراق، وشرق الأردن، وسوريا، ولبنان، ومصر. ثم وقعت السعودية فيما بعد على النسخة الأصلية، وبعد مناقشات مستفيضة لثلاث تسميات مقترحة للمنظمة الإقليمية هي، “التحالف العربي”، و “الاتحاد العربي”، و “الجامعة العربية” جرى اختيار التسمية الثالثة أي ” الجامعة العربية ” من قِبل الأطراف الموقعة على الميثاق، كما تم في ذلك اليوم اختيار السيد/ عبد الرحمن عزام، كأول أمين عام للجامعة العربية.
ولطالما واكبت “الجامعة” القضية الفلسطينية منذ البدايات ولم تفتر همتها في الدفاع عنها أو في كونها ” رأس الحربة ” في عداء “الكيان الصهيوني” المحتل لفلسطين، حتى أن مصر “الدولة الراعية” للمنظمة قد تعرضت للعقوبة بـ “وقف العضوية” في الجامعة ونقل “المقر” من القاهرة إلى تونس العاصمة في العام 1979 ـ على خلاف ما ورد في الميثاق ـ بعد خطاب الرئيس “السادات” في “الكنيست الإسرائيلي” وتوقيعه سلاماً مُنفرداً مع “العدو”!
لكن بمرور الزمن؛ ومع تزايد التوجهات العربية للسلام، وفي مواجهة للضغوط الدولية للتطبيع “المنفرد” مع الاحتلال، كان للعاهل السعودي الراحل ” عبد الله بن سعود ” البصمة الرائدة في إطلاق “مبادرة السلام العربية” من بيروت في العام 2002 والتي تبنتها كافة الدول العربية، وأصبحت أحد أهم قرارات الجامعة العربية، وقد أكدت: “يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع “إسرائيل”، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لـ “إسرائيل”، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967”.
لكن وصلنا اليوم إلى مفترق طرق واضح نتيجة خرق “حاكم الإمارات” لحالة الإجماع العربي وتوجيه الطعنة لأحرار العرب؛ قبل فلسطين، فيما أسماه “ترامب” بـ “اتفاق أبراهام” للتطبيع بين “تل أبيب والإمارات” بلا أي مقابل، بل الطاعة العمياء لـ “المسيحية ـ الصهيونية”!
ومن ثَم تأتي “الجامعة العربية” لترفض ما طالب به عدلاً ” وزير خارجية ” فلسطين من إدانة لـ “الإمارات” على هذا التصرف الغير قانوني والغير أخلاقي! خشية أن يُشجع غياب قرار الإدانة “أطراف” أخرى من التساوق مع “الإمارات” في غيها، والانحدار إلى الهاوية بالشروع بعلاقات رسمية مع “الكيان الصهيوني”.
وهذا ما حدث بالأمس القريب، والذي أشار إليه د. رياض المالكي في الاجتماع الأخير للجامعة، حيث قال: ” أن عديد المسؤولين في دول كثيرة وتجمعات إقليمية مختلفة؛ كانوا يبلغونا أن ما يسمعونه في الغرف المغلقة من بعض العرب غير ما يصدر عنا من قرارات ومواقف. وبالتالي ليؤكدوا لنا أنها لا تعدو كونها حبر على ورق لإرضاء الفلسطينيين”.
وأضاف: “ومع كل ذلك، حافظنا على الشكل في العلاقة، لعل وعسى أن تحدث المعجزة، لكن المعجزات في أيامنا انتهت، حتى جاء الاختبار الأخير؛ الزلزال الذي ضرب ذلك البنيان وأظهر هشاشته ومعه هشاشة ذلك الحلم الذي كنا نعمل، مع غيرنا من الدول، أن يغدو حقيقة.
الإعلان الثلاثي “الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي” كان ذلك الزلزال، وانقلب الوضع بحيث أصبحنا “المشاغبين” ومَنْ يوجه لهم اللوم لأنهم، أي نحن، تجرأنا أن نقف في وجه الزلزال كما وقفنا في وجه الإدارة الأمريكية عندما اعتدت على حقوقنا، ودعونا لاجتماع طارئ لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، و لنتفاجأ هذه المرة أن دولة عربية تعترض على طلبنا عقد اجتماع طارئ وتطلب الاستعاضة عنه بالدورة العادية، وعندما وافقنا على ذلك، نتفاجأ من جديد بذات الدولة تعترض على طلبنا إضافة بند على ما يُستجد من أعمال، فيما دولة أخرى تُهدد بتقديم مشروع قرار بديل. كيف نفسر هذه الخطوات؟
وجاء التفسير بأن “حاكم البحرين” يُعلن انضمامه لـ “قطيع” “السلام من أجل الحماية” ـ كما أطلق عليه د. صائب عريقات ـ، ومن أجل ذلك كان يحارب فلسطين في الجامعة العربية؛ إذ كان يُمهد لـ “الخيانة” التي جاءها الرد الساطع من ” البحرين ” برفض واضح لها! والتي لن تمنحوه “أمريكا” أية مكافأة عليها!
ولما لا؛ و “هو” أحد المتآمرين لإنهاء واستبدال ” جامعة الدول العربية “!
وهنا لا بد من التذكير بما كشفه تقرير نشره موقع “Middle East Eye ” سابقاً من “أن رجل الأعمال الأمريكي اللبناني جورج نادر، وهو مستشار ولي عهد أبو ظبي، كان قد نظم قمة سرية لزعماء عرب على يخت في البحر الأحمر في أواخر عام 2015، اقترح خلالها نادر عليهم إنشاء “مجموعة إقليمية نخبوية” من ست دول، لتحل محل مجلس التعاون الخليجي و” الجامعة العربية ”
المُحتضرة، وأن مجموعة الدول هذه يمكنها أن تصبح قوة في المنطقة “يمكن للحكومة الأمريكية الاعتماد عليها” لمواجهة نفوذ تركيا وإيران، وفقا لمصدرين وثقا الاجتماع.
ووفقاً لـ “الموقع” فقد جمع “نادر”، “محمد بن سلمان” ولي العهد السعودي، و “محمد بن زايد” ولي عهد أبو ظبي، والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، والأمير “سلمان” ولي عهد البحرين، والعاهل الأردني الملك “عبد الله”، ووفقاً للتقرير فإن “ليبيا” التي لم تكن ممثلة في القمة السرية كانت أيضا من بين الدول التي ستشكل نواة للتحالف المؤيد والموالي للولايات المتحدة و”إسرائيل” في المنطقة”!
ختاماً؛ من أجل ذلك، علينا الإدراك بأن الإبقاء على ” الوجود الشكلي الهش ” لـ ” الجامعة ” خير ٌ ألف من السماح باستبدالها، وشرعنة إنشاء “كيان معادي” يهدف إلى تفتيت العالم العربي، وبسط السيطرة “الصهيونية” عليها، وتمكين أعدائها من نهب المزيد من ثرواتها دون مقاومة! فلا تستعجلوا رحيلها!