رأىسلايدر

ضغط “الزناد” على مصداقیة مجلس الأمن والسلام الدولی

استمع الي المقالة

بقلم: السفير ناصر کنعانی

رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی القاهرة

مُنیت مسودة قرار الحکومة الأمریکیة حول تمدید غیر محدود للقیود المفروضة على تسلح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهزیمة ساحقة، ولم تدعم مسودة القرار الأمریکی المقترح سوى دولة واحدة من بقیة ال14 دولة الأعضاء فی مجلس الأمن، وتأتی هذه الإجابة القاطعة بالنفی من قِبل أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مسودة مشروع القرار الأمریکی فی الوقت الذی کانت الحکومة الأمریکیة قد بدأت مساعیها الجاهدة والمستمرة والشاملة خلال الأشهر الماضیة للحصول على نتیجة إیجابیة فی مجلس الأمن. وبهذا فقد تجرعت أمریکا مرارة هزیمة قویة لا نظیر لها على الصعید الدبلوماسی خلال السبعین عامًا الماضیة.

الحکومة الأمریکیة فی الوقت الحالی وبعد هزیمتها القویة غیر المسبوقة فی مجلس الأمن قد بدأت تحرکات جدیدة، وفی أحدث تحرکاتها فی هذا الصدد حضر وزیر الخارجیة الأمریکی مایک بومبیو بنفسه فی مقر منظمة الأمم المتحدة فی نیویورک وسلم رسالة إلى رئیس الدورة الحالیة لمجلس الأمن، طلبت أمریکا فی هذه الرسالة استخدام آلیة “الزناد” مدعیة عدم التزام إیران بالاتفاق المسمی‌بـ “خطة العمل الشاملة المشترکة” ومفادها (الرسالة) إعادة تفعیل جمیع العقوبات التی سبقت القرار ٢٢٣١ لمجلس الأمن. کما فند وزیر الخارجیة الإیرانیة الدکتور ظریف ادعاءات الحکومة الأمریکیة ورسالة وزیر خارجیتها فی رسالة له إلى رئیس مجلس الأمن یوم ٢٠ أغسطس ٢٠٢٠م.

ولو رجعنا قلیلًا إلى الماضی، سنجد أنه على الرغم من المعارضة القویة داخل مختلف مستویات الحکم فی أمریکا و5 دول أخرى من أعضاء الاتفاق وأیضًا معارضة الکثیر من الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة، إلا أن الحکومة الأمریکیة قد أعلنت انسحابها رسمیًا من الاتفاق قبل اکثر من عامین فی تاریخ 8 مایو 2018م بتوقیع رسمی وأمر من الرئیس الأمریکی دونالد ترامب، ومباشرة بعد هذه الخطوة التی خطاها دونالد ترامب، وجه کبار المسئولین الأمریکیین مکاتباتهم الرسمیة إلى جمیع أعضاء الخطة منوهین أن أمریکا لن تشارک فی أی أنشطة أو اجتماعات متعلقة بالاتفاق، وبالفعل نفذت ذلک.

وتُعد هذه قاعدة أساسیة تحکم العلاقات الدولیة وهی أن الحکومة التی لم تلتزم بتعهداتها فی إطار اتفاق مشترک بل وانسحبت منه، لا تستطیع الادعاء بأن لها حقوق فی نفس هذا الاتفاق، لذا فإن أمریکا وبإعلانها الانسحاب من الاتفاق وعدم الوفاء بالتعهدات المنصوص علیها فیه، فقدت جمیع حقوقها المنصوص علیها فیه أیضًا، وهناک اتفاق فی الآراء بین جمیع الأعضاء المتبقین فی الاتفاق النووی وأعضاء مجلس الأمن حول أنه لا یحق لأمریکا استخدام “آلیة الزناد” بما أنها لیست عضوًا فی الاتفاق، وقد أعلنت حکومتا روسیا والصین رأیهما فی هذا الموضوع بکل وضوح وبأعلى صوت وعلى مختلف المستویات، کما أعلنت بقیة الدول الأوروبیة وغیرها من الأعضاء فی مجلس الأمن اعتراضها على رسالة أمریکا لرئیس مجلس الأمن، وبهذا الشکل فإن أی إجراء أمریکی لإعادة فرض العقوبات على إیران یُعد انتهاکًا فادحًا وفاضحًا للقرار 2231 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذی یُعد الاتفاق جزءًا منه. وعلى الرغم من ذلک تسعى أمریکا لجعل هذه الدول تتراجع عن موقفها الحالی باستخدام لغة القوة والتهدید بالعقاب وفرض العقوبات على بقیة الدول الأعضاء فی الاتفاق.

إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لا زالت ملتزمة بتعهداتها المنصوص علیها فی الاتفاق وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، ومع ذلک وبسبب الانسحاب غیر القانونی والضغوط القصوى التی تفرضها الحکومة الأمریکیة على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، لم تستطع إیران الاستفادة اقتصادیًا من خطة العمل، لذا فمن البدیهی أنه مع استمرار السلوکیات الأمریکیة غیر القانونیة ومحاولتها استخدام آلیة الزناد، فإن إیران لن تبقَ مکتوفة الأیدی. لقد أظهرت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة مرارًا وتکرارًا أنها لن تتراجع عن الدفاع عن حقوقها القانونیة فی مواجهة أی قوة، وهذا هو طلب الشعب الإیرانی العظیم، لقد سرد الرئیس الإیرانی التحذیرات الضروریة حول استمرار العقوبات أو إقرار قرار آخر ضد الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فی رسالة منه إلى نظرائه بعد عام من انسحاب أمریکا من الاتفاق وأثناء تنفیذ الخطوة الأولى من عملیة خفض الالتزامات الإیرانیة فی الاتفاق نفسه. من البدیهی أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لن تتردد أبدًا فی تنفیذ الإجراءات المضادة والرادعة فی مواجهة السلوکیات المنتهکة للقانون التی تمارسها الحکومة الأمریکیة، ولکن من الأفضل أن یعلم الجمیع أن هناک حاجة عاجلة لدى المجتمع الدولی فی الحفاظ على التعددیة وسلطة القانون ومنع استخدام لغة القوة والسلوکیات الأحادیة المتکررة التی تقوم بها أمریکا، وأن یتم دعم “خطة العمل الشاملة المشترکة” کنتاج لـ”الدبلوماسیة السلام”.

من المتوقع أن تتعرض الولایات المتحدة لهزیمة دبلوماسیة أخرى فی مجلس الأمن الدولی، ولکن لیس هناک شک فی أن الإجراءات غیر القانونیة للولایات المتحدة فی مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ستضر مصداقیته بشدة. تخضع إیران لضغوط وعقوبات أمریکیة غیر إنسانیة منذ 40 عامًا، کما فرضت الولایات المتحدة أشد العقوبات ألاحادیة على إیران فی السنوات الأخیرة. البندقیة الأمریکیة الآن فارغة أکثر من أی وقت مضى، کما أن صمود إیران وقدرتها على الردع أکبر من أی وقت مضى، لکن على العالم أن یعرف أن الولایات المتحدة تقوم الآن بضغط الزناد علی مصداقیة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والسلام والأمن الدولیین. لذلک، من المتوقع أن تتصدى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وکذلک جمیع الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة التی تشعر بالمسؤولیة عن السلام والأمن العالمیین، للإجراءات الأحادیة وغیر القانونیة للولایات المتحدة والتعبیر عن معارضتها./

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى