رأىسلايدر

رداً على أحد المقالات المشبوهة.. ایران شریک قوی وحلیف مطمئن للتعاون طویل المدی

استمع الي المقالة
  • بقلم: السفير ناصر کنعانی

رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی القاهرة

     نشرت صحیفة الشرق الأوسط السعودیة فی عددها رقم (15219) مقالًا بتاریخ 29 یولیو 2020م تحت عنوان “الصین وروسیا وإیران”، کتب هذا المقال أحد الکتاب المصریین البارزین وطرح به عدة قراءات ومواضیع تخص الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، وهی من وجهة نظری تستحق التأمل وإضافة بعض التوضیحات الأکثر ملائمة واتساقًا مع الواقع.

وذُکِر فی المقال أن إیران هی رائدة فیروس کورونا فی المنطقة.

     أولًا: یختلف مدى قوة وضعف انتشار فیروس کورونا باختلاف الدول والأمر یتعلق بعوامل مختلفة، للأسف الشدید لا زال فیروس کورونا یدور فی أفلاک الدول ولا توجد رؤیة واضحة أو توقع لتوقیت انتهاءه، فلم ینتظر کورونا خلف حدود أی دولة للحصول على إذن الدخول ولیس من المعروف إلى أین سیستمر فی تقدمه. فلذلک من السابق لأوانه الحکم فی هذا الامر.

     ثانیًا: بافتراض دقة الإحصاءات الرسمیة التی تقدمها الدول، حتى وقتنا هذا لو قمنا بعقد مقارنة بین نسبة المصابین بکورونا وعدد سکان الدول، سوف نجد هذه النسبة أکثر من إیران فی بعض من دول المنطقة من ضمنها بعض الدول العربیة المحیطة بإیران.

     ثالثًا: إیران هی دولة قابعة تحت الحظر والعقوبات على مدار الأربعین عامًا الماضیة، وبعد کورونا أصبحت تقبع تحت حظر مضاعف، حیث أقدمت أمریکا على زیادة رقعة عقوباتها على إیران خلال هذه الفترة فی خطوة لا توصف سوى أنها معادیة للبشریة وحقوق الإنسان، وبالتزامن مع ذلک، فقد زادت من ضغطها على بقیة الدول حتى لا تُقدم تلک الدول المساعدات لإیران، بل والأکثر من ذلک لم تسمح بتحریر الأموال الإیرانیة المتراکمة فی الدول الأخرى حتى تستطیع إیران شراء الأدویة والمعدات الطبیة اللازمة لمواجهة أزمة کورونا وهو ما یمثل زیادة فی الإجراءات الأمریکیة المستفزة ضد إیران. لقد ارتکبت أمریکا ومانعو دخول الدواء من أجل الشعب الإیرانی جریمة کبرى، کما یجب على من التزموا الصمت تجاه هذه الجریمة أن یقفوا أمام ضمائرهم وضمیر البشریة والمحکمة الإلهیة لیبرروا فعلتهم، إلا أنه وفی ظل هذه الظروف الصعبة، إیران مثل بعض الدول الاروبیة لم تترک مرضاها حتی یموتون واستطاعت إیران وبسرعة تعویض الکثیر من النقص الذی کانت تعانی منه، وأصبحت فی الوقت الحالی واحدة من الدول المصدرة للسلع الصحیة ومعدات الفحص والمشافی الخاصة بکورونا.

     وذُکِر فی جزء آخر من المقال “أن إیران تواجه غضبًا داخلیًا ولا یستطیع أی شخص أن یتنبأ بموعد انفجار هذا الغضب.”

     أولًا: لقد بالغ مقال الشرق الأوسط بخصوص الوضع الداخلی الإیرانی، وغض الأنظار تمامًا عن الحقائق الإیجابیة الرائعة فی إیران، والسؤال هو: ما حجم الاستیاء الداخلی فی إیران؟ وهل هو أکبر من الاستیاء الداخلی الذی تعانی منه کثیرا من الدول الإقلیمیة وغیر الإقلیمیة التی لم تتعرض أبدًا للعقوبات الأمریکیة لا فی ماضیها ولا حاضرها بل ویُعدون من حلفاء أمریکا أیضًا؟ ترى ما هو تحلیلکم للمظاهرات الشعبیة العارمة والمتواصلة التی تجتاح امریکا وأراضی فلسطین المحتلة وبعض دول أوروبا؟ ومن الذی لا یعلم حجم المساعی التی تقوم بها أمریکا والکیان الصهیونی وبعض حلفائهم الإقلیمیین وحجم المیزانیات السنویة التی تُقدر بملایین الدولارات والمخصصة من أجل خلق حالة من السخط العام داخل إیران، بل ودعمهم الشغب والتمرد والتخریب والتدمیر!

     ثانیًا: هناک من یرکز مسمعه ومرءاه على الاحتجاجات والتجمعات الاحتجاجیة المحدودة فی إیران بل ویعلق آماله علیها، فهل یتعامل بنفس الطریقة أیضًا مع التجمعات الشعبیة الملیونیة فی مختلف المناسبات المتعلقة بالثورة الإسلامیة فی إیران؟ وما هو تفسیره للحضور والمشهد الذی لم یسبق له مثیل والذی سطره ورسمه الشعب الإیرانی فی تشییع جنازة الشهید قاسم سلیمانی الذی تم اغتیاله بأمر مباشر من الرئیس الأمریکی على “تراب دولة عربیة”!

     وجاء فی جزء آخر من هذا المقال “أن إیران لا زالت تدفع ثمن نفوذها الکبیر فی المنطقة، وفی الوقت الحالی زاد هذا الثمن لدرجة أنها أصبحت تطلب من حلفائها فی العراق وسوریة ولبنان والیمن أن یساعدوها.”

     من البدیهی أن إیران لا تدفع ثمن نفوذها أو تمدد حضورها فی المنطقة، بل تتحمل أعباء وثمن إنهاء السیطرة الأمریکیة ووجود الکیان الصهیونی فی إیران (فی الثورة الإسلامیة عام 1979م) وتدفع أیضًا ثمن معارضتها العلنیة والعملیة للسیطرة الأمریکیة فی المنطقة ومعاداة الاحتلال الصهیونی، لقد مثّل دعم المقاومة المعادیة للصهیونیة مبدءًا أساسًا من مبادئ الثورة الإسلامیة الإیرانیة ولا زال کذلک، ولم تخف الجمهوریة الإسلامیة دعمها لهذه المجموعات فی أی وقت من الأوقات وهی المجموعات التی تدافع عن نفسها ضد المعتدین والمحتلین. إن المساعدات الإیرانیة لسوریة ولبنان والعراق هی فی سبیل دعمهم ضد الاعتداءات الخارجیة والإرهابیین المدعومین خارجیًا، وسوف تستمر إیران فی تقدیم هذه المساعدات. ولقد اعتمدت الجمهوریة الإسلامیة طوال الأربعین عامًا المنصرمة على الإمکانیات والقدرات الوطنیة الخاصة بها، وبالطبع أن تبادل وتقدیم المساعدات بین الحلفاء بعضهم بعضًا هو أمر طبیعی فی العلاقات بین الحکومات والشعوب، وإیران فی الوقت الحالی تعتمد على قدراتها الوطنیة أکثر من أی وقت مضى وقدرتها فی ایجاد توازنات اقلیمیة ودولیة، وهذا هو ما یسمیه المنظرون والمراکز الفکریة الغربیة والصهیونیة والأمریکیة باسم “فشل سیاسة الضغط الأقصى” التی تمارسها أمریکا ضد إیران.

     وجاء فی جزء آخر من المقال أن “وفی إیران من الأذکیاء ما یکفی لإدراک أن مثل هذه الحالة غیر قابلة للاستمرار..فإن الدولة الإیرانیة استیقظت على حالة من المواجهة العسکریة مع أعداء یعیشون فی الظل، ولکنهم یضربون قواعدها فی سوریا والعراق”.

     بکل تأکید یعلم المطعلون على أوضاع المنطقة أن أمریکا تسیطر على عدة قواعد عسکریة فی العراق، کما أنها تسیطر عسکریا علی بعض المناطق فی سوریة أیضًا من ضمنها منطقة “التنف” الإستراتیجیة. من المعلوم أن البرلمان العراقی قد طلب رسمیًا والشعب العراقی أیضًا قد طالبوا بانسحاب القوات الأمریکیة من العراق، ویعتقدون أنه لا حاجة لاستمرار وجود هذه القوات، وفی سوریة أیضًا قد أعلنت الحکومة الشرعیة بصراحة ووضوح أن وجود القوات الأمریکیة على الأراضی السوریة هو بمثابة احتلال وقد دخلت هذه القوات العسکریة دون أن تسمح لها الحکومة السوریة بذلک، بل وأقدمت على تأسیس قاعدة عسکریة هناک، وعلى الجانب الآخر نرى أن إیران لا تمتلک أی قاعدة عسکریة لا فی العراق ولا فی سوریة، وقد حضر المستشارون العسکریون الإیرانیون فی العراق وسوریة بناءًا على طلب رسمی من حکومات تلک الدول من أجل المساعدة فی الحرب ضد القوات الداعشیة والتکفیریة فی هذین البلدین، لذا فإن الإجراءات العسکریة الأمریکیة والتی یقوم بها الکیان الصهیونی داخل الأراضی السوریة والعراقیة هی عملیات ضد القواعد العسکریة العراقیة والسوریة، وبکل تأکید تعتبر عملیات غیر قانونیة واعتدائیة من وجهة نظر الحقوق الدولیة وتستحق الشجب والإدانة والرفض دولیًا.

     إلا أنه قد جاء فی جزء آخر من مقال الشرق الأوسط أن التقارب الإیرانی الصینی الروسی هو محاولة لتقلیل أثر العقوبات الأمریکیة، ولکنه قد أوکل مدى جدیة استمرار هذا التقارب لما بعد نتائج الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة القادمة.

     والإیضاح على ذلک هی أنه أولًا: التعاون الإقلیمی والدولی وخلق التوازنات السیاسیة والاقتصادیة والأمنیة والعسکریة هو أمر طبیعی فی العلاقات الدولیة، بل ویمثل جزءًا من ذاتها وماهیتها.

     ثانیًا: کان یجب اعتبار أن التعاون والتحالف بین إیران وروسیا والصین على أنه نتیجة لتغیر معادلات القوى عالمیًا، ودخول لاعبین جدد فی المیدان الدولی وأفول فاحش للقوة والهیمنة الدولیة الأمریکیة وتزاید عدم الثقة بالولایات المتحدة على الصعیدین الإقلیمیة والدولی بسبب عدم امتثال الولایات المتحدة للمعاییر الأخلاقیة والقانونیة الدولیة.

     ثالثًا: أیًا ما کان رئیس الجمهوریة الأمریکی المقبل سواء کان ترامب أو منافسه، فلن یتغیر شیء فی وضع أمریکا دولیًا، ولن تعود أمریکا لحقبة ما قبل ترامب أو قبل کورونا، ومن هذا المنطلق، فبکل تأکید نرى أن التعاونات والتحالفات الإقلیمیة والدولیة الجدیدة سوف تحدث وفقًا للحقائق الجدیدة الناتجة عن أفول قوة أمریکا إقلیمیة ودولیًا. لذا ففی الوقت الحالی یصرح الکثیر من أصحاب الرأی وبعض کبار المسئولین الأوروبیین قائلین أنه على فرض هزیمة ترامب فی الانتخابات المقبلة، لا یوجد إمکانیة لعودة العلاقات الأوروبیة الأمریکیة لحقبة ما قبل ترامب، ویجب على أوروبا أن تُعد نفسها لعصر قادم مستقل عن الولایات المتحدة.

     رابعًا: لقد أظهرت روسیا والصین سلوکًا مسئولًا بشکل کامل أثناء التحولات والتغیرات الإقلیمیة خلال السنوات الماضیة، وإیران لا تسعى للاستقطاب الإقلیمی أو ربط مصیرها الوطنی وسلوکها على صعید السیاسة الخارجیة بأی قوة أو قطب سیاسی أو أمنی أو عسکری أجنبی، ولکنها وبکل تأکید سوف تتحاور وتتعاون مع کل دول تتبنى سلوکًا مسئولًا وتحترم مبادئ الشراکة الثنائیة أو مبدأ التساوی والمصالح المتبادلة والمتوازنة، یستطیع هذا التعاون أن یکون مؤقتًا فی قضیة محددة أو فی نطاق حزمة تفاهمات لها أبعاد قصیرة أو متوسطة أو طویلة المدى، إن الموقع الجیوسیاسی لإیران وإمکانیاتها الاقتصادیة والطبیعیة وتقدمها التکنولوجی والصناعی والعسکری وقوتها وتأثیرها کلاعب إقلیمی ودولی یجعلها لا تحتاج لبذل امتیازات أحادیة للآخرین من أجل تبلور هذه الشراکة.

     خامسًا: یُعد تعلل بعض اللاعبین الإقلیمیة فی الرد أو الاستجابة على اقتراحات إیران من أجل التعاون الثنائی وإیجاد عملیات تعاون إقلیمیة، هو نوع من أنواع تفویت الفرص، ولن یعود ضرر ذلک على إیران وحدها، إن إیران مستعدة دائمًا للتعاون مع جیرانها الحدودیین والإقلیمیین، ولکن فرص التعاون لا تبقى للأبد، ولکن بالطبع لحسن الحظ أننا نشهد تغیرًا ایجابیًا فی سلوک البعض اللاعبین الإقلیمیین ونتمنى أن یتسارع هذا الأمر متناسبًا مع الاحتیاجات الإقلیمیة والدولیة.

     وأخیرا، یمتلک أصحاب الرأی والصحافة المصریة تاریخًا متمیزاً من الریادة فی العالم العربی والتحلیل الدقیق للاتجاهات الإقلیمیة والدولیة، وهو إرث ثمین یظهر عمق وقوة الفکر فی مصر، وبالتأکید سوف یظل کنزا محفوظًا ومحمیًا، ونحن بحاجة إلى حوار بین المفکرین و تبادل وجهات النظر واجراء الحوار  أکثر من أی وقت مضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى