رأى

التحرش … التشريع ضمانة كافية؟!

استمع الي المقالة

د. أميرة عبد الحكيم

لم تكن المرة الاولى التى يحظى بها موضوع التحرش باهتمام الاعلام المصرى بهذه الصورة التى اضحت وكأنها القضية الاولى في حياة المجتمع كله، فإلى جانب الدور المهم الذى لعبته مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع في تسليط الضوء على هذه الجريمة الشنعاء التى تمثل عارا في جبين كل فرد يرتكبها، جاءت المبادرة التشريعية من جانب المجلس القومى للمرأة والتى اقرها مجلس الوزراء المصرى لتمثل تطورا مهما في مسار مواجهة هذه الجريمة، حيث تضمنت المبادرة اعطاء الحق لقاضي التحقيق لظرف يُقدره ، عدم اثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات ، أو في المادتين 306 مكررا أ و 306 مكررا ب، من ذات القانون ، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 ، على أن ينشأ ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة ، يعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك.
هذه المبادرة إنما تستهدف في المقام العمل على حماية سمعة المجني عليهن، من خلال عدم الكشف عن شخصيتهن في الجرائم التي تتصل بمثل هذه الحالات كهتك العرض، التحرش، بما يضمن قيامهن بالتبليغ حين ارتكاب الجريمة في حقهن، إذ انه في كثير من الحالات تحجم المجنى عليهن عن الابلاغ عن تلك الجرائم خشية الفضيحة، وذلك في ظل نظرة مجتمعية تعاقب المجنى عليهن وليس الجانى. فالتعديل التشريعى يمثل حافز للضحاياً علي الإبلاغ، ويعزز في الوقت ذاته من مفهوم الملاحقة الجنائية والمعاقبة للجاني.
والحقيقة ان هذه الخطوة التشريعية رغم اهميتها الضرورية في حماية المبلغين عن جرائم ليس لهم ذنب في ارتكابها، إلا انها تحتاج إلى خطوات اخرى تستكمل بها تلك المنظومة، منها حماية الشهود كذلك خاصة إذا كانوا من الفتيات، ففى بعض القضايا تتعرض الفتاة لتحرش وهى في رفقة زميلة لها، بما يستوجب الاستماع إلى شهادتها الامر الذى قد يعرضها هى الاخرى لخطر من جانب المجنى عليه او اقاربه، وفى هذه الحالة تنأى بنفسها عن الادلاء بشهادتها.
وإلى جانب اهمية استكمال عملية تعديل النصوص القانونية التى لم تعد ملائمة لتطورات ومستجدات الحياة، فإن ثمة أهمية أخرى في استراتيجية المواجهة، تتمثل في إدراك الجميع أن مواجهة اية جريمة تستوجب العمل على مسارين: الاول تشريعى لتحقيق الردع العام والخاص. الثانى توعوى من خلال كشف ملابسات مثل هذه الجرائم وتفكيك مقولاتها المغلوطة وتوضيح حقائها، فعلى سبيل المثال حينما يأتى الحديث عن قضية التحرش تذهب عقول البعض إلى ان المرأة هى المسئولة بحكم ملابسها او طريقة تعاملها، في حين انه حينما جاء الرأى الفقهى بأنه لا علاقة بلباس المرأة بقضية التحرش ادرك الجميع ان المسئولية فردية، بمعنى ان من يقدم على ارتكاب جريمة التحرش هو المسئول مسئولية كاملة عن الجريمة بكافة ابعادها المعنوية والمادية.
ومن هذا المنطلٌق، تظل المعالجة المجتمعية الشاملة لأية جريمة هى المسار الانجح في مواجهة الجريمة وتداعياتها، أخذا في الاعتبار ان هذا المسار لا يقتصر على الوعى فحسب وإنما يشمل إلى جانبه أبعادا أخرى؛ قانونية واجتماعية واقتصادية واعلامية ونفسية واجتماعية وتربوية ودينية، وإلا ظللنا ندور في حلقة مفرغة في كيفية مواجهة أية جريمة تمس كيان المجتمع وامنه واستقراره، إذ مع ارتكاب جريمة مثل التحرش ينتفض المجتمع والدولة معا ثم يخفت هذا الاهتمام ليعاود مرة أخرى مع تجدد ارتكابها، في حين ان الاوجب بل والانفع للمجتمع هو أن تكون معالجته لأزماته ومشكلاته معالجة قطعية وحاسمة وإلا تكررت ذات الاخطاء ولكن بأساليب مختلفة، فننشغل بالأسلوب او الاداة ونغفل جوهر الازمة او المشكلة الذى يستوجب المعالجة الجادة والحقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى