مقاربة لفهم الموقف الأوروبي من خطة الضم
بقلم: أحمد طه الغندور
في خطوة غير مفاجئة؛ تم الإعلان أمس عن توقيع اتفاقية بين فلسطين والاتحاد الأوروبي بما قيمته 5.8 مليون يورو لدعم البنية التحتية في المنطقة “ج” الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية لـ “السلطة الإسرائيلية” كما جرى تحديدها في “اتفاقية أوسلو”، والتي تعادل مساحتها 61% من مجمل أراضي الضفة الفلسطينية!
ومن جانبه، قال ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين؛ السفير/ سفين كوهان فون بورغسدورف: “إن الاتحاد الأوروبي يعتبر المنطقة “ج” جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد تم التعبير عن هذا الموقف لسنوات عديدة، وتترجم في مشاريع واتفاقيات مثل التي نطلقها اليوم. فإن من الحقوق الأساسية لكل فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة أن يحصل على الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية الاقتصادية مثل المياه والكهرباء والطرق والمدارس والعيادات. ونحن ندعم السلطة الفلسطينية، بالتعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في تلبية هذه الاحتياجات”.
وأضاف السفير/ فون بورغسدورف: “لن نعترف بأي تغييرات في حدود ما قبل عام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، بخلاف تلك التي اتفق عليها الجانبان، ونحن لا نعترف بسيادة “إسرائيل” على الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وما زلنا ملتزمين بحل عادل ومتفاوض عليه يقوم على وجود دولتين، وهو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والتنمية والأمن والأمان”.
وكأن هذا الحدث يعتبر خطوة عملية تؤكد فيها الدول الأوروبية على رفضها لـ “خطة الضم الإسرائيلية” التي تبجح بها كثيراً “ناتنياهو” وأعد الخطط اللازمة لتنفيذها في الأول من يوليو الجاري، ولكنه لم يفلح في ذلك لأسباب عدة، يأتي من ضمنها الرفض والتحذير الأوروبي الجاد من عواقب تنفيذها!
فهذه الخطوة الغير محسوبة العواقب رأت فيها ألمانيا؛ “أنها تهديد لاستقرار الشرق الأوسط”، بينما بريطانيا فقد رأت في “الضم” خطوة للوراء ولا اعتراف بأي تغيرات على حدود 1967″، كما جاء في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني “جونسون” الذي شدد على أن “الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك وما يجب أن نعمل عليه في الوقت الحالي هو عودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات”.
ولعل الموقف البلجيكي يُعتبر أكثر تقدماً في دول الاتحاد الأوروبي ـ بعد الموقف السويدي الذي أعترف بدولة فلسطين ـ إذ رأى البرلمان في قرار له صدر في حزيران / يونيو الماضي يقضي باتخاذ تدابير “عقوبات” ضد “تل أبيب” في حال أقدمت على الضم، والبحث في اعتراف محتمل بفلسطين!
وفي كلمة له في جلسة عامة للبرلمان الأوروبي قال جوزيب بوريل “مدير السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي السابق”: “إن الضم سيشكل “انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، إذا ما قررته “تل أبيب” من جانب واحد”.
وأضاف أنه استنادا للمعايير الدولية، يمكن لغالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، قبول “حل الدولتين عبر التفاوض” فقط.
وفي ذات السياق، صرح وزير خارجية لوكسمبورغ؛ “جان أسيلبورن” في 14 يونيو الماضي، “بأن اعتراف الاتحاد الأوروبي بفلسطين كدولة، سيصبح حتمياً”.
ولم يختلف موقف “الفاتيكان” عن الموقف الأوروبي في رفضه لـ “خطة الضم الإسرائيلية” إذ أعلن أنه؛ “لا لخطوات “إسرائيل” الأحادية”.
إذن كيف نقرأ هذا الموقف الأوروبي الرافض لـ “السياسة الإسرائيلية”؟!
على الرغم من أن “نبرة القرارات” الأوروبية تلامس وتراً حساساً لدينا في الانتصار للحق الفلسطيني، خاصة أن هذه “النبرة” باتت تتحدث عن “معاقبة الاحتلال” إلا أنها جاءت للتعبير عن “مصالح خاصة” أوروبية، ولها ايضاً محدداتها الأوروبية!
فما هي هذه المصالح؟ وما هي تلك المحددات؟
فيما يخص المصالح الأوروبية لمعارضة خطة الضم، فهي كثيرة، نُجمل بعضاً منها:
- “الضم الإسرائيلي” يُذكر أوروبا بالخطوات الروسية لضم شبه جزيرة القرم، وهذا مرفوض لأنه يُمثل تهديد مباشر للعديد من الدول الأوروبية.
- “الضم” مخالفة صريحة للقانون الدولي بكافة أشكاله وجوانبه؛ العام، والجنائي، والإنساني، وقواعد حقوق الإنسان والمعايير الدولية التي تطبقها المحاكم الدولية والأوروبية على وجه الخصوص.
- على الرغم من موجة “الشعور القومي والشعوبي” التي تنتشر في بعض الدول الأوروبية إلا أن هناك العديد من الأحزاب ذات الأبعاد الأخلاقية التي تستطيع أن تفرض سياستها على حكوماتها؛ وهي ترفض السياسات العنصرية والأبارتهيد التي ستقود اليها “خطة الضم”.
- بعض الدول الأوروبية لديها اختصاص جنائي دولي، ولذلك ستجد نفسها مضطرة للخوض في عديد من القضايا ضد رموز للاحتلال والاستيطان، وهذا ما لا ترغب به أوروبا، لما قد يُلحق الضرر في علاقاتها مع “تل أبيب” وحلفائها!
لكن كما تحدثنا عن المصالح، يتوجب علينا عن المحددات التي قد تمنع أو تعيق الاتحاد الأوروبي من اتخاذ قرارات حازمة ضد الاحتلال!
لعل أهمها يمكن تلخيصه فيما يلي:
- الطبيعة الاتفاقية التعاقدية التي جرى عليها صياغة الاتحاد الأوروبي تجعل من اتخاذ القرارات السياسية في الاتحاد صعبة ـ تأخذ في اعتبارها المصالح الجماعية للدول الأعضاء!
- النظرة الأوروبية للدولة الفلسطينية، ولحل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يجب أن يكون بالتفاوض بين الأطراف!
- الاختلاف في مستوى العلاقة مع “تل أبيب” وحلفائها يُشكل عائق حقيقي في التوصل إلى نقطة التقاء بين الدول الأعضاء.
في الختام، علينا أن نُدرك هذه الحقائق في التعاطي مع الاتحاد الأوروبي جاهدين في التركيز على الجوانب الإيجابية منها، وعلى سبيل المثال؛ إن الاعتراف بدولة فلسطين ليست خطوة أحادية مخالفة للقانون الدولي، بل أنها تسهم في حل النزاع لأنها تعتمد على جاء في الاتفاقيات بين الطرفين وفق ما أقرته المراجع الدولية.
كذلك من الضروري حث أوروبا على فرض العقوبات على “الاحتلال” لأن تركه دون عقاب يقود إلى خلق نظام أبارتهيد وتدمير للحل العادل في المنطقة، إضافة إلى ” الهدر المرفوض ” للموارد والمساعدات الأوروبية التي يجري تقديمها للشعب الفلسطيني، فكثيراً ما قام الاحتلال بتدمير المشاريع الأوروبية في فلسطين!
أخيراً، عينا أن نعمل مع أوروبا وأشقائنا العرب للخروج من سياسة “اللعب على الوقت” إلى وضع استراتيجية فاعلة وقابلة للتطبيق لإنهاء النزاع؛ قبل حدوث الانفجار القادم الذي قد تصل أثاره أماكن تتعدى المنطقة إلى أوروبا وما بعدها!