رأى

ماذا بعد كورونا ؟!

استمع الي المقالة

د. حذامي محجوب

فلاسفة كثيرون اليوم يعلقون على هذا الوباء: الكورونا فيروس (كوفيد 19)، ويِؤكدون على الأبعاد الكونية والتغيرات التاريخية التي سوف تعقب هذه الجائحة من أمثال جورجيو أغامبن الإيطالي والمجري بيتر سلوتردايك ونعوم تشومسكي الأمريكي وجاك اتالي في فرنسا وغيرهم …
يكاد يكون هنالك كذلك اجماع بين علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والنفس بأن الإنسانية تمر بمرحلة حاسمة وخطيرة من تاريخها وسوف تتغير الحياة رأسا على عقب إلى درجة أن تاريخ الانسان سينقسم الى ما قبل الكورونا فيروس وما بعده.
أكد ابن خلدون من قبل في كتاب العبر والمبتدأ والخبر على أن الحافز الأساسي لكتابته للتاريخ هو خشيته من ضياع أخبار الأجيال التي انقرضت مع الطاعون ، فانكب على حفظ الذاكرة للأجيال القادمة، إذ لو عدنا الى التاريخ لوجدنا أن الطاعون الأسود قد ضرب القارة الأوربية وشمال افريقيا بين سنتي 1348 و1352 و قضى على ثلثي سكان أروبا وكل ثروتها من المواشي مما أجبر سكان الأرياف والمزارعين على النزوح الى المدن التي أنشأوها خاصة في إيطاليا وهولندا فازدهرت بذلك الصناعات التقليدية والتجارة .ولعل هذا الوباء هو الذي قضى فعلا على النظام الاقطاعي وأدى الى بروز عصر النهضة الأوربية.
حين ظهرت الأنفلونزا الاسبانية سنة 1918 في كل من أمريكا وأوروبا وآسيا وقتلت ما يقارب 100 مليون نسمة أي أضعاف ما أتت عليه الحرب العالمية الأولى أدى ذلك بدوره الى تغيرات جيوسياسية كبيرة حيث تصاعدت الأنظمة الشمولية والشعوبية في معظم دول العالم والتي غالبا ما تستغل مشاعر الإحباط والغضب التي تسببها الحكومات السابقة التي تثبت فشلها على حماية مواطنيها من الكوارث فتنقضّ على السلطة السياسية، ويبدو جليا أنها ستحدث تغيرات كبيرة بعد الكورونا فيروس ،اذ ستنهار العديد من الحكومات وخاصة منها التي لم تتمكن من السيطرة على الأوضاع والتي لم تنجح في الحفاظ على أرواح مواطنيها ولا على لقمة عيش الناجين منهم.
في مقابل ذلك فان الأنظمة الغربية والشركات المتعددة الجنسيات ستلجأ لدرء الصدع الاقتصادي الى بدائل كثيرة توفرها لها التكنولوجيات المتقدمة، ستقوم بتسريح الملايين من العمال وربما تستبدلهم بربوهات وأدوات وآليات الذكاء الاصطناعي وحواسيب المعطيات الكبرى، مما سيخلق أزمات اجتماعية حادة ، وهذا يعني أن الكورونا فيروس لن يتسبب في الضحايا والموت فقط بل سيؤدي الى تغيرات جوهرية في الفكر والثقافة والتصورات الكبرى التي تحكم سلوك الفرد والجماعة.
ان هذا الفيروس بما يشكله من خطر فناء مشترك يؤذن بقيام حرب بين الصين ودول البريكس (البرازيل، روسيا الهند والصين وجنوب افريقيا) من جهة ودول العالم الغربي والولايات المتحدة من جهة أخرى وسيكون الاتحاد الأوربي أكبر ضحية لهاته الحرب وسيكون له تداعيات كبرى على الخارطة الجيوسياسية العالمية ألكنه سيجبر الانسان على مراجعة كل مفاهيمه حول البيئة والصحة والأولويات الاقتصادية والسياسية وحتى بناء التصورات الثقافية والأيديولوجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى