بقلم: د. حذامى محجوب
يبدو أن فيروس الكورونا covid 19 , كلما زاد انتشارا الا وذكرنا بهشاشة الانسان وهشاشة وضعية الانسان في هذا العالم ،وجعلنا كذلك ندرك أهمية ” السلوك السليم” بمعنى أخلاقية الفعل المطلوب.
لقد انطلقت الكارثة في البداية ، في مدينة وهان الصينية ،وكانت مأساة بأتم معنى الكلمة اذ سقطت نتيجتها أرواحا كثيرة رغم الإمكانيات الكبيرة التي يتمتع بها العملاق الصيني، الا أن معظم الناس في العالم لم يدركوا خطورة هذا الوباء الا حين باغتهم في بلدانهم ، وكانوا يرونه بعيدا جدا عنهم.
ان هذا الوباء يفتح أعيننا اليوم على المخاطر المحدقة بصحتنا وبالمحيط الملوث الذي نعيش فيه منذ مدة .
الفيروس و الاقتصاد
كما أن الاقتصاد كذلك سيعاني من تفشي هذا الفيروس الذي سيجعلنا نعيد حساباتنا ونراجع تحاليلنا ، اذ كنا نتصور أن القرارات الاقتصادية الكبرى تقودها فئة تتحكم في الأرقام وتدير الخوارزميين .لكن الطابع المباغت والغير متوقع لهذا الفيروس والذي أجبر الطائرات على عدم الإقلاع وجعل انتاج الأدوية في خطر. جعلنا نعي أن الاقتصاد الذي يعود أصله الاشتقاقي oikos التي تعني “بيت ” يأتي في مرتبة ثانية أي بعد صحة الانسان.
هذا يبين لنا كذلك أن العالم لايخضع لأشياء معقولة فقط أو أشياء تحت السيطرة ولكن العالم يتحدد بطبيعة الهواء الذي نتنفسه والغذاء الذي نتناوله. يذكرنا هذا الفيروس أن الصحة هي الشرط الأساسي للحرية.
علاقتنا بالآخر
ان هذا الوباء يمكن أن يقع نقله عن طريق المصافحة ( جسم حي )أو حين نلمس مادة جامدة .انها إساءة غير مرئية تنقل من جسم الى جسم آخر ، فتجعلنا نصطدم بهذا الآخر أو الغير .
نكتشف أننا بمقدورنا أن نلحق الضرر “بالغير “وأننا في النهاية مسؤولون عن أفعالنا بصفة مطلقة ، في حين كان أولى بنا أن نشعر بهذه المسؤولية تجاه الآخرين من قبل حتى بالنسبة للذين لم يولدوا بعد .هذا ما نبهتنا اليه الأزمة المناخية من قبل هذا الفيروس .
ويمكن في هذا الإطار أن نذكر بمسؤولية الانسان في ظهور أنفلونزا الطيور على اثر اتباعه لطريقة التربية المكثفة ، وهذا يعني أنه حتى طريقتنا في التعامل مع الحيوان والبيئة أو الآخر تحدد حياتنا ومستقبلنا ، لذلك لابد من أخلاق طبية، انها ضرورية.
كما أن هذه الأزمة الصحية تذكر الانسان أنه ينتمي الى عالم أرحب من المصالح الفردية وأن كل القرارات التي تتخذ في هذا العالم لها انعكاسات على الأجيال المقبلة ، لابد من مراعاتها.
فنحن لدينا تراث طبيعي وثقافي ثمين وعلينا المحافظة على هذا الموروث وليس من حقنا التفريط فيه.
سلوك غير مبال بالفيروس
صحيح أن العديد من الأفراد في العالم قد عبروا بتصرفاتهم عن عدم اكتراثهم بما يقع اليوم نتيجة covid 19، اذ هم يواصلون الخروج والتنزه واللقاءات ويتمادون في تقبيل بعضهم البعض ويعتبرون أن هنالك مبالغة في التعامل مع هذا الفيروس وهذا أمر طبيعي اذ كل المجتمعات تطور نوعا من آليات الدفاع النفسية في مناخ متوتر وتحت الضغوطات ، أي عندما تتعدد الاشياء المخيفة وتحيط بنا من كل صوب ، فان الانسان يحاول تصغير الأمور وتبسيطها ،فيعتقد ” انها بعيدة عنه – ولن تحصل لنا ولا تحصل الا للآخرين ..”
لكن يجب علينا اليوم أن نعي في هذه المرحلة التهديدات التي يمكن أن تداهمنا والتي لم نكن ننتظرها في حين أننا لايمكن أن ننسى ان البشر مترابطون .
فكيف سنعيش في زمن covid 19؟
علينا أن نتحمل مسؤوليتنا على أكملها لا أن نتهرب منها ، فلا للهلع ولا للفزع ولكن في نفس الوقت لانهون المسألة أو ننكر خطورتها ، علينا أن نكون عمليين وأن نتخذ الاحتياطات اللازمة لكي لا تنتشر العدوى ، أن نعبر عن شكل من التمدن : نقبع في بيوتنا ونحد من تواصلنا مع الآخر قدر المستحيل .
وستكون لهذه الأزمة لامحالة نهاية ككل الأزمات لكن علينا أن نتعلم منها اذ هي تبين لنا بكل وضوح هشاشة الانسانية .
علينا أن نتساءل ونحن في فترة هذا الحظر الصحي كيف يمكن أن نعيش بطريقة أسلم حين تمر هذه الجائحة ؟.
لعلنا سنهتم بصحتنا أكثر ، لعلنا سوف نعدل عن السفر الى أقاصي العالم حين ندرك تقلص CO 2 نتيجة توقف الرحلات الجوية ؟، ربما سنتوصل الى خلق وسائل تجعل العيش أفضل في كوكب يحتوي على 8 مليار ساكن دون أدنى مخاطرة بالتوازن الايكولوجي والصحي للأرض.