سلايدر

الجلسة الافتتاحية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي

استمع الي المقالة

اشرف ابو عريف

السيد الرئيس،

يبحث جدول أعمال اجتماع اليوم عدداً من الملفات الهامة، لعل في مقدمتها الملف الاقتصادي والاجتماعي المرفوع للقمة العربية القادمة… وأود في هذا الإطار أن أتحدث بشيء من التفصيل حول أهمية هذا الموضوع، فهذا الملف جديرٌ به أن يتضمن مبادرات ومشروعات اقتصادية واجتماعية وتنموية تعود بالأثر والنفع المباشر على المواطن

العربي الذي أثقلته أعباء الحياة وسط كمٍّ من الصراعات متعددة المنطلقات، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وحتى فكرياً.. هذا المواطن العادي التوّاق لحياة مستقرة وغدٍ أفضل، والذي بات يدفع ثمناً باهظاً للاحترابات الجارية في منطقتنا العربية.

لقد آن الأوان أن ننظر نظرةً فاحصة للعمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك، كي نُقيّم أثره ومدى فاعليته في تحقيق النتائج المرجوّة منه، فليس من المُفترض أن تكون اجتماعاتُنا مجرد حلقة روتينية في منظومة العمل العربي.. بل يتعين أن تكون حجر زاوية وركناً أصيلاً في تفعيل هذه المنظومة وإخراجها على النحو الذي أُنشئت من أجله.

وأحسب أن جميعَكم متفقون معي في ضرورة الإصلاح وأهمية التطوير المستمر في آلية عملِنا… ولقد أثبتت الأحداث المتلاحقة التي شهدتها المنطقة العربية خلال الأعوام الماضية، أن المبادرات

والمشروعات التقليدية لن تؤتي ثمارها إذا بقت على حالتها التقليدية في هذا العصر سريع التغيّر..

السيد الرئيس،

إن الواقع يفرض علينا ابتكار مشروعات تنموية رائدة .. حيوية ومؤثرة، بالتوازي مع الانتباه إلى التحديات المتلاحقة التي نعاينها في الأجل المنظور … فضلاً عن بلورة خطط وبرامج كفيلة بمواجهة هذه التحديات والحدّ من تأثيراتها وتبعاتها الخطيرة.

وأشير في هذا الصدد إلى الجهود المُكثّفة التي يبذلها الخبراء العرب من أجل تذليل العقبات أمام إطلاق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإقامة الاتحاد الجمركي العربي… فضلاً عن صياغة اتفاقية عربية

جديدة للاستثمار تعمل على تعزيز الفرص الاستثمارية في البلدان العربية.

وكما تعلمون جميعاً، تزخر المنطقة العربية بثروات طبيعية وإمكانات ضخمة، بشرياً ومادياً… على أن هذه الإمكانات لم توضع موضع الاستغلال الكامل بعد..  ولا شك أن أحد أسباب هدر الإمكانية يكمن في تجزئة العمل الاقتصادي …وعدم تكامل الجهود المبذولة وتناسقها.. فلا زالت المنطقة العربية إلى اليوم من أقل مناطق العالم من حيث التكامل الاقتصادي … وهو وضعٌ يؤثر على النمو الإجمالي للدول العربية.. ويُضعف من مكانة الاقتصاد العربي على الصعيد العالمي… ولا شك أن غياب استراتيجية فاعلة وشاملة للتعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدان العربية قد أضاع فرصاً متعددة لتحقيق عوائد التنمية المنشودة.

السيد الرئيس،

إنّ المسار نحو البناء والتعمير يتطلب تضافر الجهود في شتى الميادين … كما أنه وفي ظل تشابك التحديات المختلفة التي تواجه دولَنا الأعضاء، فإن التركيز على القضايا التنموية يمكن أن يساهم في تعزيز التعاون العربي في المجالات الأخرى السياسية والأمنية وغيرها، ويُشكّل بدوره منطلقاً هاماً لتفعيل التعاون العربي والتكاتف البيني.

وهنا يأتي دور مؤسسات العمل العربي المشترك، باعتبارها الأذرع التنفيذية لمنظومة العمل العربي… وأؤكد في هذا الصدد، على أهمية أن تضطلع هذه المؤسسات بالدور المنوط بها.. وأن تعمل على تنسيق سياسات عملها وبرامجها من أجل تكامل الجهود وشموليتها، بهدف تحقيق الأهداف المنشودة في الأجل المطلوب ومواكبة سرعة تغيّر العالم من حولنا.

كما أن الأمر يستلزم إيجاد آلية متخصصة لتقييم مدى التقدّم المُحرز وكفاءة الإنجاز المُتحَقق … فالصعوبات التي تواجه جهود التنمية تستدعي التوقف ومعالجتها، وليس مجرد المرور على ظواهرها؛ فالتشخيص السليم والموضوعي للداء لا شك أنه يؤدي إلى الشفاء … كما أن إيجاد حلول سريعة الأثر على حساب التنمية طويلة الأجل، سيؤدي إلى التبديد الفعلي لفرص التنمية.

السيد الرئيس،

قبل أن أختم كلمتي، أود الإشارة إلى أمرٍ أراه من أخطر التحديات التي تواجه أمتنا على الصعيد الاجتماعي والإنساني في المستقبل.. أعني بذلك الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تقاسيها مجتمعات اللاجئين والنازحين في عدة بلدان من المنطقة العربية.. بسبب ظروف النزاعات والحروب المستعرة … إن قلوبنا يعتصرها الألم والحزن ونحن نتابع

مشاهد اللاجئين والنازحين بالملايين في سوريا، وبلدان أخرى .. يعيش هؤلاء اللاجئون والنازحون ظروفاً بالغة الصعوبة .. يتعذر فيها الحصول على الرعاية الصحية والخدمة الاجتماعية.. وينشأ جيل كامل من أبنائنا العرب محروماً من فرص التعليم .. وبالتالي التشغيل والعمل.. إنها مأساة سنعاني منها لسنوات قادمة، ولربما عقود.. وأناشد كل مؤسسات العمل العربي أن تضع هذا الموضوع الهام في صدارة أجندتها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.

إنّ الأمانة التي تحمّلناها تُحتّم علينا العمل بكل سبيل لتقديم كافة أوجه الرعاية الممكنة لقاطني مخيمات اللجوء… والعمل على عودتهم الآمنة إلى ديارهم، فضلاً عن توفير أوجه الحياة الكريمة لهم ولأسرهم ولكافة ضحايا الحروب الذين يدفعون ثمناً باهظاً لهذه النزاعات التي ما زالت للأسف تضرب بعض الدول في منطقتنا.. إن جيلاً ينشأ بلا تعليم

أو رعاية اجتماعية أو خدماتٍ إنسانية وصحية سيمثل تهديداً لمستقبل المنطقة العربية بأسرها.

شكراً لكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى