بقلم: ناصر کنعاني
رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية بالقاهرة
یوم الثلاثاء الماضي أزاحت أمریکا الستار عن مبادرتها المزعومة لإحلال السلام المسماه بصفقة القرن بمشارکة نتانیاهو؛ رئيس وزراء إسرائيل المؤقت وحضور ثلاث من سفراء العرب وفي غیاب الجانب الفلسطیني الرسمي أو غیر الرسمي. وأسمت أمریکا مبادرتها بـ «أفق السلام» وتعرض التفاصیل المنشورة عن المبادرة بکل وضوح رؤية الولایات المتحدة في حل قضية فلسطين وهو تجريد شعبها من حقه في تأسیس حکومة مستقلة علی أرضها ومیراثها ونزع حقوقه الإنسانية والطبیعیة وتسلیم کافة حقوقه إلى کیان محتل اسمه اسرائیل!
یناور نتانیاهو رئیس الوزراء إسرائیل المؤقت بإعلانه مراراً وتكراراً عن نجاح إسرائيل في التطبیع مع دول عربیة ويروج بأن هذه العلاقات مع الدول العربية إنجازاً غير مسبوق بل هي أكثر مما كانت تحلم به إسرائيل قبل سنوات.
** بعیدا عن الترکیز علی تفاصیل مشروع صفقة القرن، دعونا نراجع بعض القضايا معاً:
– العلاقات الإسرائیلیة مع بعض الدول العربیة لیست أمراً مستجداً على أرض الواقع ولكن الجدید هو الإعلان عن هذه العلاقات الخفية. هذه الظاهرة الجدیدة لم تغیر شیئاً لصالح إسرائیل إلا مناورات سیاسیة وإعلامیة. خاصة فی العقد الأخیر، کان بعض الدول العربیة جزء من التحالف الإسرائیلی الأمريكي ضد محور المقاومة وتجسد هذا التحالف فی حرب 2006 فی لبنان، حيث لم يحصل على النتیجة المرجوة. مصیبة إسرائیل لیست الأنظمة العربیة الرسمیة ووجود علاقات رسمية معها أو عدمها، بل مشکتلها تتجسد فی محور المقاومة وعلى رأسه إیران وشرکائها إقلیمیا من جهة والشعوب الإسلامیه والعربیة من جهة أخری. وبالنسبة للشعوب فلم يتغير شیئاً لصالح الکیان الصهیونی بل تزداد مستوی الکراهیة الشعبیة ضد هذا الکیان الظالم. وأما محور المقاومة فقد إزداد قوة معنوياً، عسکریاً وسیاسیاً، بغض النظر عن تلاعب أمريكا وحلفائها فی لبنان والعراق وإیران وغیرها مستغلاً بعض الأوراق والكروت ولکن هذه الظروف السیاسیة عابرة ولیست شیئاً غیرمسبوق ولن تؤدی إلی تغییرات إستراتیجیة لمصلحة أمریکا وحلفائها.
– أما إسرائيل داخلياً، فإن هذا الکیان يواجه أسوء ظروفه؛ حيث يعاني الآن من إنقسامات غیر مسبوقة داخل الأحزاب السیاسیة الإسرائیلیة حیث أدت هذه الإنقسامات إلى حالة من عدم الاستقرار فی الحکومة الإسرائیلیة لم تشهدها إسرائيل من قبل وليس هناك مؤشرات على إنفراجة في الأمد القريب. وعلى الصعيد العسكري فإن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لتوجيه ضربة عسكرية حاسمة إلى خصوم إسرائيل في فلسطين أو سوریا أو لبنان أو ایران ويعاني من تردي معنوياته على عكس ما يروج له نيتانياهو عن جاهزية الجيش الإسرائيلي. وأما من الناحیة الشعبیة، لا يخفى أن قسم کبیر من ساکنی الأراضی المحتلة هم من المهاجرین إلى تلك الأراضي ولیسو من سکانها الأصلیین وقد جاءوا لعيش حياة أفضل من تلك التي عاشوها في البلدان التي كانوا فيها من قبل، وليسو على استعداد للدفاع عن الكيان الإسرائيلي فالسواد الأعظم منهم منهكين من الحروب ومن حالة الحرب المفروضة على الكيان ويعيشون رعباً من احتمال إندلاع حرب –لا ناقة لهم فيها ولا جمل- خاصة بعد تغير المعادلة العسكرية الإستراتيجية لصالح إيران وحلفائها إقليمياً بعد استهداف “گلوبال هاک” و “عین الاسد”. وهم یدرکون تماماً أنه في حالة نشوب حرب فإن کل الأراضی الإسرائیلیة تقع فی مرمی الصواریخ الدقیقة وغیرها.
– في حالة نشوب حرب، إقليمياً لا يوجد بلد عربي وإسلامي يتحالف عسکریا رسمیاً مع الکیان الصهیونی، أما على الصعيد العالمي ستكون أمريكا حليفاً لإسرائيل (أو بعض الدول الأروبية).
– السؤال هنا هل أمريكا مستعدة للدخول في حرب مباشرة مع إيران وحلفائها للدفاع عن إسرائيل؟ فإسرائيل تسعى جاهدة لإدخال أمريكا في هذه الحرب لصالحها. ولكن هل ستقع أمريكا في هذه الهاوية؟ وهل ستربط الولايات المتحدة مصيرها بإسرائيل؟! في رأيي، فإن العقل السليم يقول: لا، ولكن هل يستمع ترامب لصوت العقل السلیم؟! أتمنی ذلك. ولکن أن إفترضنا عكس ذلك، فالنتيجة أن إسرائیل لن تكن على بر الأمان بل ستكون جزءاً من المعركة، فهل إسرائيل مستعدة لذلك؟
– أما عن التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، فقد تغيرت خصائصه تبعاً لتغير ظروف الطرفين، فأمريكا ليست أفضل حالاً من إسرائيل على كل الأصعدة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وتدرك الولايات المتحدة أن نفوذها في الشرق الأوسط ووجودها العسكري يواجه تحديات صعبة سواء في أفغانستان أو العراق أو سوريا وأن اللجوء للدعاية ولاستعراض القوة لن يجدي نفعاً في تغيير تلك الحقيقة.
وفي ظل تلك الظروف السالفة، تم إزاحة الستار عن صفقة القرن المزعومة. هذا المشروع هو مشروع استکباری یأتی من منطلق الاستکبار وفرض الهیمنه علی الآخرین، ولن یغیر ذلك الحقیقة، بأن شعب فلسطین لن یقبل ولن یرکع لأمریکا وسیرفض الهيمنة الأمریکیة والحیاة تحت الخزي والظلم کما رفضها طوال أکثر من سبعین عاماً متتالیة. ودولیاً هذه المبادرة لا تتمتع بمبادئ القانون الدولي ولا یمکن فرضها أحادیا على طرف لحساب الطرف الآخر. أمریکا تعتبر نفسها راعية السلام فی فلسطین ولکن منذ نهایة الحرب العالمیه الثانیة إلی یومنا هذا کانت آمریکا جزءاً من الصراع لا الحل فی فلسطین ولا تتمتع بسمات تؤهلها لخلق السلام في العالم. وفلسطینیاً فإن المشروع الأمريكي مرفوض ومن المستحيل إحلال السلام بطرف واحد. صفقة القرن هی “مشروع للنزاع والحرب” ولیست مشروع لتحقيق السلام فهي مشروع ومبادرة ولدت ميتة، والإصرار علی فرضها وتنفیذها لن يخلق شیئاً سوى مزیداً من الصراع ونزیف الدم وکل من یراهن علی المشروع الأمریکی ویرتبط ماء وجهه بهذه المبادرة الظالمة، سیکون خاسراً.