بقلم: أحمد طه الغندور
” لقد حلق قائد الاسلام العظيم والصانع للمفاخر الى السماء. وعانقت قبل أمس الارواح الزكية للشهداء، الروح المطهرة لقاسم سليماني. إن سنوات الجهاد المخلص والبسالة في ميادين النضال ضد الشياطين والاشرار في العالم والسنوات التي قضاها في أمل الشهادة في سبيل الله، قد ارتقت في نهاية المطاف بقاسم سليماني العزيز الى هذه الدرجة الرفيعة، اذ سفكت دماءه الزكية على يد أشقى الناس على وجه الأرض “.
هكذا جاءت كلمات المرشد بإيران “علي خامنئي” في رثاء “قاسم سليماني” في الساعات الأولى صباح ذلك اليوم، حيث تم اغتياله فجراً في غارة جوية “أمريكية” ـ كما أفادت وكالات الأنباء نقلاً عن مسؤولين أمريكيين ـ والتي نُفذت بالقرب من مطار بغداد، مما أدى إلى مقتل “سليماني” وثمانية ممن كانوا في استقباله ورفقته، وتحديداً؛ “أبو مهدي المهندس” نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، و “محمد رضا الجابري” مسؤول العلاقات بالحشد الشعبي، بالإضافة إلى سامر عبد الله، وصهر الشهيد عماد مغنية، وزوج بنت “سليماني”، و حسن عبد الهادي ومحمد الشيباني، وحيدر علي، من أعضاء الحشد الشعبي، إضافةً إلى عدد أخر من الإصابات، مما جعل هذا اليوم يتشح بالسواد لدى إيران.
لكن على الجانب الأخر من المعادلة، في الجانب الأمريكي؛ الذي أعلن منذ اللحظات الأولى للحدث بأن الجيش الأمريكي وبتعليمات مباشرة من الرئيس “ترامب” هم من قاموا بـ “تصفية” “سليماني”، ولعله من الجدير بالذكر، أن الرئيس الأمريكي ـ وعلى خلاف العادة ـ لم يقم بالتغريد صباحاً بإعلان يُشير من قريب أو بعيد إلى عملية “الاغتيال”، بل اكتفى بوضع صورة “العلم الأمريكي” على تغريدته الصباحية.
لكنه في ساعات المساء، أكد “أن جيشه قتل “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس الإيراني، فجر يوم الجمعة، في العاصمة العراقية بغداد، بأوامر منه” وأضاف: “لقد اتخذنا قراراً فبل الأمس، بوقف الحرب، ولم نتخذ قراراً ببدئها”، مبيناً: “أن سليماني كان يخطط لمهاجمة دبلوماسيين أمريكيين، وأنه تسبب بمقتل الآلاف في الشرق الأوسط” ـ على حد تعبيره.
ومن المثير، قول الرئيس الأمريكي: “نمتلك قائمة للأهداف ونحن جاهزون لتنفيذها في أي وقت”، مما يوضح أن “عملية الاغتيال”، لم تأتِ كرد مباشر على أحداث “السفارة الأمريكية” في بغداد أو غيرها من الأحداث المرافقة، بل إن الأمر مخطط له منذ زمن ليس بالقصير، أي بمعنى منذ زمن “بولتون” مستشار الأمن القومي السابق، أو حتى أبعد من ذلك، إنما كانت تلك الذريعة لتبرير الأمر!
وإذا أضفنا إلى ذلك ما أوردته القناة (13) العبرية على لسان “باراك رافيد” المحلل بالقناة، حيث قال: “إن التقديرات أكدت بأن الولايات المتحدة الأمريكية، أبلغت “إسرائيل” بعملية اغتيال “سليماني” قبل التنفيذ”، مما يوحي بأنه هناك مشاركة “شرق أوسطية” من جهة أو أكثر للإعداد والتنفيذ لهذا “الاغتيال”!
إذن، السؤال الهام؛ لماذا الأن اختار “ترامب” هذا الموعد لتنفيذ “الاغتيال”؟
العديد من المحللين وعلى رأسهم؛ “روبرت مالي” الخبير ورئيس مجلس إدارة “مجموعة الأزمات الدولية”، يرى أن “عملية الاغتيال” تعتبر بمثابة نقطة تحول خطيرة في المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، لأن “سليماني” كان لسنوات عدة في مرمى الإدارات الأمريكية السابقة، التي كانت ترى أن “تكلفة” قتله أعلى بكثير من “فائدة” اختفائه.
لذلك فهو يرى: “أن الرئيس الذي طالما ادعى بأنه لا يريد لأمريكا حرباً في الشرق الأوسط، قد جلب الحرب إلى باحتها”!
نخلص من ذلك بأن الدافع الرئيسي لـ “ترامب” في اتخاذ القرار يكمن في أزمته الداخلية، لأنه صمد في الماضي كثيراً امام ضغوط “بولتون” و “ناتنياهو” في القيام بعمل عسكري ضد إيران، لكنه الأن قام بذلك، ليحصد نتائج هامة تساعده في مواجهة “الضغط الديمقراطي” في “الكونغرس”، وترفع أسهمه الانتخابية كصاحب أقوى عملية أمنية ـ عسكرية، خارجية في تاريخ أمريكا الحديث!
مما يعني أن “الاغتيال” ليس كما صرح “ترامب” أو كما جاء في بيان “البنتاغون”، ” أن الجنرال كان يطور بفعالية خططاً لمهاجمة المجندين والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة”، أي أن “الاغتيال” هو عملية استباقية وقائية تحقق ردعاً في مواجهة “الخطط الإيرانية”!
وهنا يأتي السؤال الأهم، كيف سترد إيران على “اغتيال سليماني”؟
لا شك أنه من المبكر الرد على هذا السؤال في المرحلة الحالية، خاصة أن إيران لازالت في حالة مراجعة واستخلاص النتائج لعملية الاغتيال، كما أن الوضع الداخلي الإيراني بمكوناته الكلية لا يسمح بالقيام بعملية انتقامية قد تجر حرباً شرسة وطويلة على إيران كحالة الحروب المعهودة في المنطقة.
وإذا أضفنا إلى ذلك الخطوات الدبلوماسية المحمومة لنزع الفتيل بين الأطراف، من الوسطاء ذوي الجنسيات المختلفة، قد تنجح جميعها في تأجيل المواجهة المباشرة في الخليج، ولكنها بالتأكيد لن تمنع “فيلق القدس” من خلال وكلائه المتعددين والمنتشرين على مساحة واسعة في الشرق الأوسط وخارجه من المس بمصالح أمريكية مباشرة أو لدى حلفاء أمريكا في المنطقة، وربما دون الإعلان عنها، لكنها تُشبع الرغبة في الانتقام، التي عبر عنها خليفة “سليماني” الجديد، “إسماعيل قاآني” في أول كلمة له بعد تعيينه قائدًا لفيلق القدس، “سترون جثث الأمريكيين في كل الشرق الأوسط انتقاماً لاغتيال قاسم سليماني”.
ختاماً، مهما تحدثنا عن “اغتيال سليماني” لا شك أنه يُعتبر “سيناريو مبهم” في كل عناصره، سواء في الإعداد والتخطيط، أو الدوافع والتنفيذ، أو حتى الأطراف المشاركة فيه، وتداعياته المستقبلية التي قد تصل بأطرافه إلى المواجهة المباشرة، فالأيام كاشفة!