مأزق تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة
فؤاد الصباغ
كاتب تونسى وباحث اقتصادى
تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية مؤخرا إحتداما وصراعا متواصلا علي زعامة رئاسة الحكومة و هذا يعد سابقة ملحوظة منذ تأسيس الدولة العبرية سنة 1948 إلي حد الآن. كذلك يعد هذا الحدث من أبرز الأحداث السياسية علي الصعيد العالمي نظرا للعلاقات الدولية المتشعبة و المتوترة أصلا مع بعض الدول والحركات الإسلامية في المنطقة علي غرار دولة إيران الإسلامية أو حركة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينية و حزب الله اللبناني من جهة و التقارب السياسي الإيديولوجي مع حلفاء الدولة العبرية منها دول الخليج العربي و الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخري. إن مأزق تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة ممكن أن يحدث تصدعا داخليا في النظام السياسي الإسرائيلي العام بحيث سيشكل خطرا حقيقيا علي مستقبل الديمقراطية الفتية و الحريات الفردية. إذ في هذا السياق لا يبدو المشهد ورديا بالحد الكافي لمستقبل رئيس الوزراء الحالي نتنياهو و زعيم أشرس و أعرق حزب سياسي و هو الليكود اليميني الطامح في عهدة جديدة و في المقابل لا تبدو طموحات بني غانس قابلة للتحقيق علي أرض الواقع من أجل خلافة منصب رئاسة الوزراء. كما يعتبر مستقبل رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو السياسي علي كف عفريت نظرا لأنه أضحي في مرمي العدالة الإسرائيلية و ذلك من خلال توجيه له لوائح إتهام من قبل المدعي العام الإسرائيلي منها الرشوة و الإحتيال و خيانة الأمانة العامة و هي بالتأكيد إن مررت كعقوبات جنائية فإنها ستقضي بالنتيجة علي مستقبله السياسي بصفة نهائية. فهنا يكمن مربط الفرس بحيث منذ الإنتخابات الأولي التي أجريت في شهر أفريل الماضي من سنة 2019 ثم الثانية في شهر سبتمبر من نفس السنة الجارية و مأزق تشكيل الحكومة مازال متواصلا نظرا لعجز الحزبين أزرق أبيض و الليكود في إيجاد حلفاء داعمين لهما في الحكومة المقبلة, مما أدي بالرئيس الإسرائيلي رؤوفين روفلين بتكليف الكنيست الإسرائيلي مؤخرا بتشكيل الحكومة المقبلة و ذلك في ظرف لا يتجاوز 21 يوما. لكن في المقابل تلوح في الأفق كارثة حقيقية ممكن أن تحدث داخل الكنيست الإسرائيلي مجددا و ذلك بعد الإحتدام الحامي بين نتنياهو و القائمة العربية المشتركة خلال الجلسة الأولي السابقة قصد إيجاد حل للأزمة السياسية الحقيقية. أما الفشل مجددا في تشكيل الحكومة المرتقبة من قبل الكنيست فهو بالتأكيد سيتحول إلي أزمة إقتصادية إذا طالت أمد الأزمة السياسية, مما سيؤدي بفقدان الثقة للمستثمرين و من المعروف لدي خبراء الإقتصاد أن “الثقة و المعلومة” لهما تأثيرات مباشرة علي صحة الإقتصاد الوطني. فبالعودة إلي السيرة الذاتية لنتنياهو خلال فترة حكمة و التي تعد الأطول في تاريخ الدولة العبرية و التي تجاوزت فترة حكم مؤسسها بن غريون, فإنجازاته علي أرض الميدان تعد مهمة للدولة العبرية خاصة منها الإكتشافات الهامة لحقول الغاز بالبحر الأبيض المتوسط منذ سنة 2012 إلي غاية الآن منها حقل نافيثان و تمار بحيث أصبحت تشكل الثروة الوطنية الإسرائيلية. إذ إقتصاديا يتكون الناتج المحلي الإجمالي “الحقيقي” من تراكم الثروات الوطنية و خاصة منها المتأتية من العوائد المالية لبيع الغاز بحيث تتحول تلك الثروة إلي قوة نمو إقتصادي تشكل العمود الفقري للتنمية و الإستثمار و بالنتيجة تحقق الإستقرار و الإزدهار. كذلك نجاحه في تحقيق الإنفتاح التجاري و المالي علي المحيط الإقليمي من خلال التطبيع الذي أصبح علنا مع الدول الخليجية و المجاورة و ذلك من أجل إبرام صفقات بالمليارات لتصدير الغاز. بالإضافة إلي ذلك قوة قبضته الأمنية قصد مكافحة الإرهاب و العنف من خلال تعيين طاقم وزاري معادي لحركة حماس و سياسة حكام قطاع غزة منها تعيين وزير الأمن الداخلي جلعاد آردان و وزير الدفاع الحالي نفتالي بنيت. أما الأهم من كل ذلك هو تقاربه مع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أن مدينة القدس عاصمة إسرائيل للأبد و أراضي الجولان هي أصلا إسرائيلية و أخيرا و ليس آخرا إعلان أن المستوطنات بالضفة الغربية هي شرعية و ذلك في إنتظار ضم غور الأردن إلي الأراضي الإسرائيلية. عموما تلك الإنجازات الإقتصادية و السياسية تعتبر هي السبب الرئيسي في المأزق الحالي لتشكيل الحكومة المقبلة بحيث تعد نصرا و نجاحا حقيقيا للصهاينة المتطرفين اليمنيين و علي رأسهم المسمي بملك دولة إسرائيل بنيامين نتنياهو المدعوم من نفوذ اللوبي الصهيوني العالمي داخليا و خارجيا. أيضا نجاح القائمة العربية المشتركة يعد الحدث السياسي الحالي خاصة بأنها أصبحت لها شأنا مهما و إستشارات من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. فبالعودة لمسيرة النواب العرب بالكنيست الإسرائيلي منهم أيمن عودة و جمال الزحالقة و طالب أبو عرار و حنين الزعبي و أحمد الطيبي هم بالطبع يعتبرون مواطنين إسرائيليين وفقا للقانون الداخلي, لكن لا أحد يشكك في ولائهم للوطن الأم فلسطين أو يخونهم لأنهم هم في العمق من أصول عربية و يمثلون “عرب إسرائيل 48” في الكنيست و دائما يدافعون عن حقوقهم و مطالبهم. إذ تعتبر من أهم إنجازاتهم تولي أحمد الطيبي رئاسة الكنيست و المواقف الصارمة لبعض النواب العرب خاصة من خلال دخولهم في شجار مباشر مع رئيس الحكومة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. أما بخصوص حزب إسرائيل بيتنا بقيادة أفغدور ليبرمان فهو يعتبر في المرتبة الثالثة من حيث قدرته علي تولي منصب رئاسة الحكومة بعد حزب الليكود الذي أضحي يتخبط في إعادة ترتيب بيته الداخلي من خلال إعلانه عن إنتخابات سابقة لأوانها من أجل إختيار رئيس جديد يقودها في الإنتخابات الثالثة القادمة و أما حزب الجنرالات الثلاثة أرزق أبيض فمازال زعيمه بني غانس متمسكا بحقه في تشكيل الحكومة المرتقبة. فإجمالا من أهم مخططات رئيس الوزراء الحالي تتلخص بالأساس في تشريعه للإستيطان و التشجيع علي عودة اليهود إلي وطنهم الموعود و عدم إعترافه بحركة حماس أو حتي بالفلسطينيين بالوجود في المنطقة, مما أدي إلي عدم تحالفه مع حزب أزرق أبيض المتحالف أصلا مع القائمة العربية المشتركة. بالنتيجة سيؤدي هذا التصدع الداخلي إلي إتخاذ الكنيست قرار إجراء إنتخابات ثالثة جديدة. أما بالعودة إلي نظرية الدولة القومية اليهودية و التفوق العرقي الصهيوني من جانب رؤية نتنياهو فلا سبيل له بدخول القائمة العربية المشتركة في مفاوضات مستقبلية من أجل تشكيل الحكومة المقبلة أو تقلدهم لأي وزارة من وزارات الدولة اليهودية. بالنتيجة سيبقي مأزق تشكيل الحكومة المقبلة علي حاله حتي ما بعد الإنتخابات الداخلية لحزب الليكود و بقاء حكومة تصريف الأعمال إلي غاية موفي شهر أفريل أو ماي من سنة 2020 حتي تتضح الأمور و الأرجح من كل ذلك هو التوجه نحو إنتخابات جديدة وفقا للأوضاع الحالية لأنه لا يوجد تحالف أو شريك جدي للطرفين أزرق أبيض أو الليكود و كذلك تذمر جزء كبير داخل حزب الليكود من طول فترة حكم مرشحه نتنياهو و أيضا لثقل الإتهامات القضائية له بحيث لا يتماشي ذلك المسار السياسي مع التغيير و الديمقراطية. بالتالي ستكون السيناريوهات المستقبلية إما إعتزال نتنياهو السياسة بصفة نهائية إذا ثبت تورطه في قضايا الفساد أو التناوب علي رئاسة الحكومة مع بني غانس أو مواصلته رئاسة الوزراء لعهدة جديدة بعد إجراء إنتخابات مقبلة ثالثة أو الراحة لمدة خمس سنوات ثم العودة كمترشح لرئاسة الدولة العبرية نظرا لتشبث بعض اللوبيات الداخلية و الخارجية بسياساته و بإنجازاته.