رأى

الاقتصاد التونسى فى عيون باحث.. 1

استمع الي المقالة

بقلم: فؤاد الصباغ

باحث اقتصادى

شهد الإقتصاد التونسي منذ الإستقلال عن المستعمر الفرنسي تغيرات جذرية و مرحلية خلال كل فترة من الفترات التي مر بها. إذ إعتمدت الحكومات المتتالية علي إنتهاج مجموعة من المخططات و الإستراتيجيات التنموية طيلة تلك الفترة بحيث يطرح هذا الكتاب تقييم شامل و كامل وفقا لدراسة إقتصادية معمقة التي تقارن بين مختلف الفترات التي شهدها الإقتصاد الوطني التونسي علي مراحله و مدي نجاعة تنفيذ البرامج الإصلاحية و الهيكلية لجميع القطاعات الإقتصادية الحيوية. ففي البداية تميز الإقتصاد التونسي خلال الفترة الممتدة من سنة 1956 إلي غاية سنة 1986 بعدة تقلبات و تغيرات إقتصادية. إذ كان الشغل الشاغل لحكومات تلك الفترة متمثلا في تأميم الشركات و الإدارات و التخلص التدريجي من الإستعمار الإقتصادي الفرنسي و إسترداد السيادة الوطنية. فإنطلقت بذلك حملة التأميم و طرد المستعمر من الإدارة التونسية و تونسة الإقتصاد بالكامل طيلة تلك الفترة.

كما أن الفترة الممتدة من سنة 1956 إلي غاية سنة 1960 شهدت تأميم جميع القطاعات الإقتصادية و غالبية الأراضي الزراعية. فإلا أنه نتيجة لضغوطات الإتحاد العام التونسي للشغل وعلي رأسهم الإقتصادي الإشتراكي أحمد بن صالح تغيير النهج الإصلاحي الإقتصادي بحيث تم إعتماد مخطط تنموي عشري علي مرحلتين خماسية من سنة 1962 إلي غاية سنة 1971 تمثل أساس قاعدته الإقتصادية في تنفيذ البرنامج التنموي الإشتراكي وتدخل الدول مباشرة في إنشاء مناطق صناعية ضخمة و الهيمنة المباشرة علي مختلف القطاعات الحيوية للإقتصاد الوطني و إعتماد صندوق التعويض لدعم المواد الأساسية مع التدرج في توزيع الثروة الوطنية بين الأفراد و تنفيذ برنامج العدالة الإجتماعية.

لكن كانت الكارثة العظمي بحيث إنتهت تلك الفترة بفشل ذريع لمخططات ذلك الإصلاحي الإقتصادي الإشتراكي الشاب بحيث تسببت برامجه التنفيذية في إثقال المالية العمومية بأعباء إضافية و زادت من تراكم عجز الميزانية و ذلك وفقا لتقرير صادر من البنك الدولي. فسارعت الحكومة بإقالة الإقتصادي الإشتراكي أحمد بن صالح وتعيين الإقتصادي الليبرالي الهادي نويرة.

بالنتيجة كانت فترة تطبيق الرأسمالية المقيدة من سنة 1970 إلي غاية سنة 1982 ممتازة علي شتي المقاييس بحيث تحسنت العلاقات الدولية مع المؤسسات المالية العالمية المانحة و تم تحرير الإقتصاد و التشجيع علي تحفيز القطاع الخاص. إلا أنه نتيجة للفقر المدقع داخل المدن التونسية و تزايد الإضطرابات الإجتماعية و عجز الحكومة علي تسيير شؤون البلاد تدهورت الأوضاع السياسية و إنعكست سلبا علي الأوضاع الإقتصادية خاصة بين سنة 1982 إلي موفي سنة 1986. بالتالي دخل الإقتصاد التونسي في أزمة خانقة أواخر سنة 1986 رغم المساعي الترقيعية للإقتصادي رشيد صفر من أجل الإنقاذ من الهاوية الإقتصادية بحيث إنتهت تلك المرحلة بإسقاط الحكومة رسميا في أواخر سنة 1987.

إذاََ لإنقاذ الإقتصاد التونسي من الأزمة تكونت خلال تلك الفترة خلية وطنية أسست لحكومة رأسمالية ليبرالية متعاونة مباشرة مع برامج صندوق النقد الدولي الإصلاحية. كما إنتهجت الحكومة مخططات تنموية ليبرالية تعتمد بالأساس علي تحرير الأسعار و الأسواق و الإنفتاح الإقتصادي علي محيطه الإقليمي و الدولي. إذ إنطلق البرنامج بتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و ذلك بتحديد مخطط إستراتيجي لبرنامج التأهيل الشامل و الإصلاح الهيكلي مقابل الحصول علي قروض مالية ضخمة و هبات و مساعدات إستثمارية خاصة خلال الفترة الممتدة بين سنة 1987 إلي غاية سنة 1995. فتواصلت بذلك الإصلاحات و التغيرات الإقتصادية نحو إقتصاد السوق لتدخل تونس بذلك مرحلة جديدة سماتها الإنفتاح العالمي و ذلك رسميا سنة 1995 عبر توقيع جملة من الإتفاقيات الدولية تشمل التبادل التجاري الحر مع دول الإتحاد الأوروبي و التحرر المالي الداخلي و الخارجي والإندماج في صلب العولمة الإقتصادية العالمية.

إذ حققت تونس آنذاك نجاحات إقتصادية باهرة خاصة خلال الفترة الممتدة من سنة 1995 إلي غاية سنة 2008 و التي عرفت بفترة الإزدهار الإقتصادي و التطوير في البنية التحتية و الإندماج في الأسواق العالمية مع تعزيز مكانة الإدارة العصرية في الإقتصاد الوطني التونسي و التشجيع علي الإستثمار و تحفيز القطاع الخاص. إلا أنه مع بداية سنة 2008 بدأت تتضح ملامح التذمر و السخط الشعبي من تلك السياسات الإقتصادية الرأسمالية التي إنحرفت مسارها الإصلاحي الإقتصادي نحو المولاة لرجال المال و الأعمال بحيث تفاقمت نسبة البطالة و زادت نسبة الفساد المالي و المحسوبية في شتي المجالات و القطاعات و التي أدت بالنهاية إلي سقوط النظام من خلال ثورة شعبية ضخمة في بداية سنة 2011. أما الفترة التي تعرف بما بعد الثورة أو بما يسمي بالربيع العربي و التحول الديمقراطي من سنة 2011 إلي غاية سنة 2016 شهدت بدورها العديد من التقلبات الإقتصادية و الأحداث المأسوية.

فأبرزها كانت الأحداث الإرهابية و الإعتداءات علي الأجانب و مقرات التمثيل الدبلوماسي الأجنبي مع تواصل الإحتجاجات و الإضطرابات و خاصة عمليات الإغتيالات و التي أضرت مباشرة بقطاع السياحة و الإستثمارات و أدخلت تونس في مرحلة ركود إقتصادي, و أبرز دليل علي ذلك هو تدهور جميع المؤشرات الإحصائية للإقتصاد الوطني التونسي و خاصة منها نسبة النمو الإقتصادي, إنهيار عملة الدينار المحلية مقابل سلة العملات الأجنبية و تدهور التصنيف السيادي للإقتصاد من قبل الوكالات العالمية للتصنيف الإئتماني. إجمالا خلال تلك الفترة لم تجد الحكومات المتتالية و المتغيرة بصفة غريبة و رهيبة في فترة زمن وجيزة جدا توازنها السياسي و الإقتصادي, مما جعل الأوضاع الإجتماعية علي حالها و أحيانا متدهورة مقارنة مع فترة النظام السابق خاصة علي مستوي النمو الإقتصادي و خلق وظائف جديدة للعاطلين بالإدارات العمومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى