فؤاد الصباغ – إن المتغيرات الدولية الحالية أوحت لنا بأن العالم أصبح مريضا و يعاني من تراكم الأزمات السياسية و الدبلوماسية و أيضا الاقتصادية. بالتالي تحول المشهد السياسي في إدارة العلاقات الدولية إلي صراعات و تجاذب قوى إقليمية او دولية منها الإملاءات الخارجية أو التهديدات بالوضع علي القوائم السوداء و أخطرها إنتهاك الحدود و السيادة الوطنية و الترابية و تنفيذ عمليات إجرامية. إذ لتعريف مفهوم السيادة الوطنية يجب علينا تحديد الإطار الذي يشمل مفهوم السلطة و الدولة في ممارسة الحكم و بسط النفوذ و السيطرة علي الحدود و حماية مكاسب الشعب إقتصاديا, سياسيا و أمنيا. كما تعتبر السيادة الوطنية في مفهومها الكلي الخط الأحمر الذي لا يجب علي أي طرف من الأطراف الدولية تجاوزه و ذلك في إطار إحترام المبادئ العامة للقانون الدولي و قرارات الأمم المتحدة. إن الصراعات التي يشهدها العالم اليوم علي الصعيد الإقتصادي و السياسي للسيطرة علي أكبر جزء من كعكة النفوذ أصبحت في مجملها من أكبر التهديدات و المخاطر علي سيادة الدول اليوم. إذ علي الرغم من حفاظ بعض الدول علي ثوابتها مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول الأخرى و نصرة القضايا العادلة و تغليب منطق الحوار و التسامح علي منطق العنف و الحروب و ذلك من أجل الحفاظ علي الأمن و الإستقرار الدولي, إلا أنها أصبحت أغلبها تعاني من حروب ذات طابع تخريبي جديد منها الحروب الإقتصادية, الإعلامية و النفسية الخارجية التي في مجملها تمس من سيادتها الوطنية و تدمر مكاسبها الإقتصادية. إذ في هذا الصدد تبين للعالم وحشية بعض الأنظمة العالمية خاصة منها روسيا الإتحادية و الولايات المتحدة الأمريكية و بدرجة أقل دولة إسرائيل و الإتحاد الأوروبي في إدارة علاقاتها الخارجية مع بقية دول العالم و خاصة منها الفقيرة و الضعيفة. إذ أصبحت الحروب الحديثة تشن بالوكالة عن طريق عمليات إرهابية أو عملاء في المنطقة أو عبر ممارسات سياسية لتغليط و تأليب الرأي العام المحلي و الدولي. كما أصبحت تلك الأعمال التخريبية كلها تمثل تهديدا مباشرا لسيادة الدول اليوم بحيث تؤدي إلي عدم إستقرار المنطقة العربية برمتها. و لتناول هذه الظاهرة من الجانب الإقتصادي نذكر منها دور مؤسسات البريتون وودز و هي بالأساس صندوق النقد الدولي و البنك الدولي التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إرساء الإستقرار في المنظومة المالية العالمية و الأسواق المالية أو لتقديم قروض للتنمية و الإعمار. إلا أن تلك المؤسسات تحولت بالأساس إلي قاعدة إقتصادية لإحتلال بعض الدول و ذلك بإغراقها في القروض و الديون و الإملاءات قصد إعادة تأهيلها الشامل و الإصلاحات الهيكلية و الإدارية المزعومة و التي في أغلبها تخدم مصالح جهات معينة تتماشي مع أجندتها و برامجها الإستعمارية من البوابة الإقتصادية. أما من الجانب السياسي و الأمني و العسكري فحدث و لا حرج عن فنون إنتهاك السيادة الوطنية لبعض الدول. و للعودة لذكر لمحة تاريخية سريعة عن الجهات الأكثر إنتهاكا لسيادة الدول نذكر منها المنظمات الإرهابية بما يسمي تنظيم الدولة الإسلامية داعش و الذي تبين أنه تنظيم داهس علي نفوس الأطفال و الشيوخ و الأرامل و الثكالى و المساكين بحيث دمر حضارات و شرد شعوب و خرب دول منها العراق و سورية, و أيضا دولة إسرائيل بجميع أجهزتها الأمنية و العسكرية و الإستخباراتية عبر تلك العمليات الإغتيالية من فادي البطش إلي محمد الزواري و العديد من الشخصيات البارزين و العلماء و المفكرين. إذ في البداية نلاحظ تحول المشهد العالمي إلي عمليات دهس و تفجيرات إرهابية ترهب و ترويع الأطفال و الشيوخ و النساء الحوامل و من أبرز ضحايا تلك العمليات نذكر بلدان الإتحاد الأوروبي و خاصة منها فرنسا و ألمانيا و بريطانيا التي مازالت إلي يومنا هذا تعاني من مثل تلك العمليات الإرهابية الإجرامية التي تنتهك سيادتها و حرمتها الوطنية إما بالدخول سرا لإحدى الدول الأوروبية نظرا لسهولة الحركة داخل دول الإتحاد الأوروبي أو عبر تجنيد عملاء من أبناء الوطن بالتبني اللذين يحملون جنسيات مزدوجة. إن الإرهاب الإسلامي الدولي أصبح من أخطر التهديدات التي تنتهك سيادة الدول العالمية. بالتالي يوفر هذا النوع من الإجرام العالمي غطاء دولي و أممي للقوي العظمي بإستعمال القوة المفرطة و الدخول في حروب مباشرة و صراعات إقليمية تخدم مصالحها بالأساس في المنطقة العربية التي تشهد بدورها فوضي و خراب عارم نتيجة لتلك الثورات التي لم تنتهي إلي حد الآن أو تلك الإنقلابات العسكرية أو الإعتصامات المتزايدة و المتواصلة أو الأخطر العصيان المدني و التمرد الشعبي عبر الإضراب العام الذي يشل جميع دواليب الدولة و مرافقها الإقتصادية الحيوية. أما بالنسبة لدولة إسرائيل “الماسونية و الصهيونية” فهي بالأساس تعتمد علي أساليب هجومية إستباقية بالتعاون مع ضباطها الأمنيين في مجال الإستخبارات في جميع دول العالم و ذلك عبر القضاء بصفة نهائية و بالضربة القاضية علي أي مصدر تهديد مباشر يمس بمصالحها و أمنها “إستراتيجيا و مستقبليا”, نذكر منها بعض عمليات الإغتيال التي وقعت في تونس سنة 1988 عبر إغتيال خليل الوزير المعروف بأبو جهاد و سنة 1993 بإغتيال أبو إياد المعروف بصلاح خلف و إغتيال محمد الزواري مؤخرا سنة 2016. أما بخصوص القوى العظمي منها روسيا الإتحادية و الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا الإستعمارية فحدث و لا حرج عن أساليب إنتهاكها للسيادة الوطنية لجميع دول العالم بدون إستثناء بحيث تمثل في مجملها الجانب الأخطر لن معظم دول العالم أصبحت تحت تهديد أو وصاية مباشرة لتلك القوي العظمي التي أصبحت تنتهك سيادتها الوطنية الترابية, الجوية و البحرية ليلا و نهارا. و لعل من أبرز تلك العمليات نذكر الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلي القاعدة العسكرية عين الأسد كوباني أواخر سنة 2018 ليحتفل مع قواته العسكرية برأس السنة الميلادية و التي أثارت ضجة في الدوائر الإعلامية و الصحفية نظرا لدخوله الأراضي العراقية سرا ليلا و مغادرته منها ليلا بدون مقابلة أي مسئول دولة بالعراق. أيضا نذكر دخول بعض القوات العسكرية الفرنسية إلي تونس عبر الحدود الليبية بدون سابق إنذار مبكر إلي السلطات المحلية خلال هذه السنة 2019. كذلك تزايد تدخلاتها في الشؤون الداخلية لجميع دول المغرب العربي الكبير عبر بسط وصايتها علي مستعماراتها السابقة و فرنستها و إدخالها إلي بيت الطاعة عبر إملاء القرارات الصادرة من قصر الإليزيه و التي تذكرنا بأيام الحماية
سنة 1881 و “جيل فيري و مانداس فرانس”. أما القوات العسكرية الأمريكية أو المشتركة فهي أصبحت منتشرة مثل المخيمات في كامل أرجاء العالم منها “قاعدة طانطوان بالمغرب” للتجسس و التنصت علي جميع دول المغرب العربي و الأهم “قاعدة قوات أفريكوم” المشتركة في شمال إفريقيا التي تقود عمليات التدخل السريع مثل عزرائيل للقضاء علي أي نظام لا يتماشي مع طموحاتها و “قاعدة العتديد بدولة قطر” للسيطرة علي دول الخليج العربي و الإنتهاكات المباشرة للمياه الإقليمية الخليجية. كذلك تذكرنا تلك الأعمال الإستعمارية و إنتهاك السيادة الوطنية بتعين أول رئيس أمريكي علي دولة عربية و هو “بول بريمر” بعد الإطاحة بالنظام السابق العراقي لصدام حسين سنة 2003. عموما أصبحت سيادة الدول اليوم علي محك المساومة و المقايضة بين الدول العظمي من أجل الإستحواذ علي أكبر جزء من كعكة النفوذ الدولي و الإستيلاء علي الثروات الطبيعية الوطنية مثل النفط و الغاز لتلك الدول المنهوبة. أما اليوم فقد أصبح الملف السوري و الليبي و اليمني من أبرز القضايا الدولية التي تشهد مساس مباشر بسيادتها الوطنية و التي تتشارك فيها نوعية جديدة من الحروب المتطورة عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الإجتماعي قصد تحقيق أهداف كبري بأقل خسائر ممكنة. إن تلك الصراعات الإقليمية التي تنتهك سيادة الدول عبر الحروب الإعلامية و النفسية و الإقتصادية لها أغراض سياسية من أهمها الإستحواذ علي الغنيمة الإستراتيجية و المالية إما قصد تحقيق أهداف جيوسياسية أو الإستفادة من العوائد المالية البترولية.