سلايدر

ننشر كلمة أبو الغيط في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري

استمع الي المقالة

أشرف أبو عريف

ألقى السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري الدورة العادية والتى جاءت على النحو التالى:

معالي السيد محمد علي الحكيم

وزير خارجية جمهورية العراق

أصحاب السمو والمعالي الوزراء،

السيدات والسادة،

اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالتهنئة لمعالي الأخ العزيز محمد علي الحكيم، وزير خارجية جمهورية العراق، على تولي بلادكم رئاسة أعمال الدورة 152 للمجلس الوزاري مُتمنياً كل التوفيق والنجاح لأعمالها.. كما أتقدم بالشكر لمعالي الأخ أحمد عيسى عوض، وزير الشئون الخارجية والتعاون الدولي لجمهورية الصومال الفيدرالية، الذي قاد أعمال الدورة المنقضية بكل اقتدار ومهنية وحكمة.

السيد الرئيس،

إنها المرة الأولى التي يجتمع فيها مجلسنا بعد أن فقدنا زعيماً عربياً كبيراً وقامة شامخة هو الباجي قايد السبسي الذي لبى نداء ربه في يوليو الماضي.. إننا ندعو له بالرحمة وبأن يجزيه الله خير الجزاء عما قدمه لوطنه ولأمته من قيادة حكيمة واعية في وقت عاصف.

ما زال “حال الأزمة” يخيم على المنطقة العربية .. فهناك جبهات مفتوحة، وجراح لم تندمل  في اليمن وسوريا وليبيا، وهناك الملايين من اللاجئين والنازحين تمثل معاناتهم اليومية، وبخاصة النساء والأطفال من بينهم، الكلفة الإنسانية الأفدح لاستمرار هذه النزاعات التي لا زالت تهدد حياة الإنسان ووحدة الأوطان.

إن استمرار حالة الاحتراب الداخلي في بعض الدول العربية هو الخطر الأول الذي يتهدد الأمن القومي العربي.. ذلك أن هذه الحروب،  وكما شهدنا خلال الأعوام الماضية، تُضعف مناعة الجسد العربي.. وتستدعي تدخل الآخرين في شئوننا، وتفتح لهم الباب للتلاعب بمصائرنا عبر تقسيم البلدان إلى ميلشيات متصارعة وطوائف متناحرة .. وما من غرضٍ لهذه التدخلات غير الحميدة سوى توسيع رقعة النفوذ، وإدارة معارك بالوكالة على أراض عربية تسيل فيها دماء عربية لأهداف لا يُمكن أن تحمل خيراً للعرب.

أتحدث بكل الصراحة وأقول إن بعض هذه الصراعات ازداد تأزماً.. فالجرح إن لم يُعالج انتشر وتوغل في الجسد..

لقد دخلت المعارك العسكرية التي تشهدها المناطق المحيطة بالعاصمة طرابلس شهرها السادس.. وتقديري أن مجلسكم الموقر لا ينبغي أن يكون بعيداً عن الجهود المبذولة لإخراج ليبيا من هذه الأزمة المتفاقمة.. إن المطلوب اليوم هو خفض فوري للتصعيد الميداني، والتوصل إلى وقف دائم وثابت لإطلاق النار، والعودة إلى المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة .. كما أنه مطلوب أيضاً، منا جميعاً.. وفي ضوء الشرخ الكبير الذي أحدثته التطورات الأخيرة في نسيج المجتمع الليبي.. أن نقف مع أشقائنا الليبيين ونعمل على استعادة جسور الثقة المفقودة بينهم .. ومطلوب ثالثاً الخروج بمقاربة شاملة لتسوية الوضع الليبي في مجمله.. وتوحيد المؤسسات المنقسمة .. واستكمال المرحلة الانتقالية باستحقاقاتها الأمنية والسياسية والدستورية.

أما في اليمن فشهدنا انقسامات جديدة تهدد وحدة التراب اليمني التي نسعى جميعاً لصيانتها .. وفي هذا الخصوص، فإننا نُرحب بتجاوب الأطراف المختلفة مع دعوة المملكة العربية السعودية للحوار ووقف المواجهات المؤسفة التي آلمنا جميعاً اندلاعها في بعض محافظات الجنوب.. إن الجامعة تتمسك بخيار السلام في اليمن.. وتدعم الشرعية الدستورية للحكومة برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي.. إن العملية السلمية التي تقودها الأمم المتحدة في الحديدة تمثل خطوة جيدة لتخفيض التصعيد العسكري وبناء الثقة.. إلا أنها لا زالت تصادف عراقيل يضعها الطرف الحوثي الذي نحمله مسئولية التدهور المطرد في الوضع الإنساني.

لقد ظهر واضحاً خلال الفترة الماضية أن الطرف الحوثي لا يملك قراره وإنما يتلقاه من دولةٍ أخرى.. إننا نكرر الدعوة لإيران بأن ترفع يدها عن الساحة اليمنية .. وأن تكف عن دعم الميلشيات بالمال والسلاح، وأن تتوقف عن تحويل الأرض اليمنية إلى منصة لتهديد أمن واستقرار الدول المجاورة.

ونقول في عبارة واضحة إن اليمن وأهله جزءٌ لا يتجزأ من الأمة العربية .. اليمن عمق استراتيجي للأمن العربي.. كان وسيظل.. وعلاقات اليمن مع جواره العربي هي الباقية .. والتدخلات الخارجية من قوى غير عربية عرض سيزول في يوم قريب .. لأن أغلبية الشعب اليمني ترفض هذه التدخلات وتتمسك بعروبتها.

لقد اتخذت التدخلات الإيرانية في الشئون العربية صورة أكثر خطورة وتهوراً في الشهور الماضية.. إذ تجاوزت إشعال الأزمات داخل الدول إلى تهديد أمن الملاحة وإمدادات الطاقة في منطقة الخليج العربي.. وقد اجتمع القادة العرب في قمة مكة في آخر مايو الماضي لإدانة كافة الاعتداءات الإيرانية على مبدأ حرية الملاحة البحرية في المياه الدولية في الخليج العربي وخليج عمان.. ومعروض أمام مجلسكم الموقر مشروع قرار في هذا الشأن الذي يهم العرب جميعاً.

السيد الرئيس،

لقد كانت السنوات الثلاث الماضية زمناً ضائعاً بالنسبة للقضية الفلسطينية.. فبدلاً من أن ننخرط في عملية سلمية جادة وفق مرجعيات واضحة، وجدنا أنفسنا ندور في حلقات مفرغة من انتظار خطط يُعلن عنها ورؤى يجري التبشير بها، بينما الواقع على الأرض لا يبشر بخير أو يدعو للتفاؤل ..إن الخطة الوحيدة التي نراها تُنفذ اليوم للأسف هي خطة تصفية القضية والتضييق الشديد على أصحابها … تنطلق هذه الخطة من رؤية مقلوبة للوضع مفادها أن المشكلة تكمن في الشعب الخاضع للاحتلال، لا في القوة القائمة به، أو في واقع الاحتلال نفسه.

وهكذا يتصور أصحاب هذه الرؤى أن الضغوط على الفلسطينيين والتضييق عليهم، كفيلةٌ بحملهم على القبول بما لم يقبلوا به في السابق.. وعوضاً عن العمل على إنهاء الاحتلال –وهو جوهر النزاع منذ عام 67- يصر بعض الأطراف على معالجة القضية بتقويض أركانها الرئيسية التي تحظى بإجماع دولي .. لقد مرَّ ما يقرب من العامين على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.. فكم من الدول حذت حذوها؟.. دولة أو دولتان .. إن الإجماع الدولي لا زال راسخاً في شأن كون القدس الشرقية أرضاً محتلة وقضية من قضايا الحل النهائي، لا يجري حسمها بالإعلانات الأحادية ولا بنقل السفارات والمكاتب التمثيلية إليها.

لقد قطعت الولايات المتحدة تمويلها عن الأونروا فتداعت الدول لسد الفجوة التمويلية.. وتحاول اليوم أن تلتف على التفويض الممنوح للوكالة بموجب قرار دولي صادر عام 1949 .. ويقيني أن التصويت على تجديد التفويض في شهري نوفمبر وديسمبر القادمين سيعكس الإجماع العالمي الرافض لإنهاء دور الوكالة في إعاشة 5.5 مليون فلسطيني، أو التلاعب بصفة اللاجئ لتفريغ قضية اللاجئين من مضمونها.

السيد الرئيس..

إن لدى إسرائيل في اللحظة الحالية غطاء سياسياً توفره لها الولايات المتحدة، بما يمكنها من الاعتداء على الأراضي العربية في بعض دول المنطقة كما شهدنا خلال الأسابيع الماضية… إنه نوع من اللعب بالنار وسلوك استعراضي لا غرض من ورائه إلا الدعاية الانتخابية.. ونحذر من أن استمرار مثل هذه التصرفات الهوجاء يهدد بإشعال المنطقة بصورة لن تكون في صالح أمن أو استقرار أي طرف.

وفي سوريا نجد أن بعض القوى الإقليمية التي تسعى إلى اغتنام الفرص، وتحقيق مكاسب على حساب العرب في لحظة مرتبكة، تُمارس نوعاً من الانتهازية السياسية التي ستترك آثارها في ذاكرة الشعوب قبل الحكومات .. إن الحل في سوريا لا يكون بتقطيع أوصال الوطن السوري إلى مناطق نفوذ تحت هيمنة أجنبية.. وإنما بتسوية شاملة على أساس القرار 2254 تضمن للوطن وحدته وتكامل ترابه.. وتُعطي السوريين جميعاً، في داخل الوطن وخارجه، الأمل في أن الوطن السوري سيعود حاضناً لكافة أبنائه بلا إقصاء .. وبغض النظر عن انتمائهم السياسي أو الديني طالما لم ينتهجوا الإرهاب سبيلاً .. إن هذا هو المشروع السياسي الوحيد الذي يقود لاستعادة الوطن السوري، شعباً وأرضاً وسيادة.

السيد الرئيس،

ليست الصورة كلها غيوماً .. ففي السودان تحقق اتفاق سياسي أثلج الصدور وطمأننا على المستقبل.. إنني أهنئ الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها قبل يومين، والتي جاءت حصيلة اتفاق سياسي بين المكونات السودانية أثبت أن مجتمعاتنا قادرة على تجاوز الأزمات عبر الحوار.. وأن الصراع والاحتراب الداخلي مرهون باختياراتنا وقراراتنا .. وليس قدراً محتوماً.

السادة الوزراء..

لا يفوتني في ختام كلمتي التنويه بأهمية الحفاظ على شراكاتنا السياسية في العالم.. وخاصة في هذه المرحلة المرتبكة على الصعيد الدولي.. علينا أن نعزز صداقاتنا مع الجميع وأن نمد الجسور مع الجميع.. وأخص بالذكر التعاون العربي الإفريقي .. افريقيا عمق مهم وشريك رئيسي للعالم العربي .. علاقتنا معها استراتيجية ولها امتدادات تاريخية وآفاق مستقبلية واعدة.. إننا نتطلع إلى انعقاد القمة العربية-الافريقية الخامسة في الرياض في نوفمبر القادم.. ولا شك أننا سنغتنم هذه الفرصة لإعطاء هذا البعد في علاقاتنا الخارجية ما يستحق من الأهمية والتركيز.

إن أزمات المنطقة العربية لن تُحل في يوم وليلة .. لا أدعو لليأس أو التواكل .. وإنما لمزيد من العمل الجماعي العربي والانخراط في الأزمات والقضايا، التي ما زلنا بعيدين عن بعضها للأسف، ويجري الحوار بشأنها ورسم مصائرها في عواصم غير عربية .. إن استمرار الأزمات يُبدد الموارد ويضعف الأمة ويشتت الانتباه عن قضايا أخرى تتعلق بأمننا المشترك والتنمية المستدامة في أوطاننا .. ويظل مستقبل العرب رهناً بإرادتنا الجماعية للخروج من “حال الأزمة” .. إلى أفق الاستقرار والازدهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى