أشرف أبو عريف
تنطلق السياسة الخارجية العُمانية من مرتكزات ثابتة تقوم على عدد من الأسس التي أسهمت في أن تصبح عُمان واحة من واحات السلام الاقليمي والعالمي، فقد اعتمدت على مبادئ أساسية تقوم على حسن الجوار في محيطها الاقليمي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ورفض تدخل الغير في شؤونها الداخلية، والعمل على توثيق العلاقات وبنائها على قاعدة المصلحة المشتركة والتعاون البناء المثمر.
بالإضافة إلى سياسة النأي بالنفس التي اتبعتها السلطنة طوال أكثر من أربعة عقود ، وعدم الخوض في صراعات تعطل مسيرتها في البناء، بل سعت بكل جهد وإخلاص إلى احتواء الازمات بين أطراف إقليمية ودولية، وكانت الباب المفتوح للدبلوماسية، إذا اغلقت نبرات الصراع بقية الابواب المباشرة.
وحتى في طريق الدبلوماسية الذي اتخذته سلطنة عُمان ديدنها، ابتعدت بشكل واضح عن اللغة الحادة المتشحة بتشنجات تعطل الحلول، وسعت إلى المضي قدما في علاقات متوازنة مع كافة اللاعبين الاقليميين والدوليين، وكانت هذه اللغة هي طريقها الناجع لما حظيت به من احترام وعلاقات دافئة مع الجميع، دون التحزب.
وعملت عُمان على إعلان تلك السياسة للجميع، بشكل يوضح موقفها ويظهر سياستها بوضوح، لدرجة جعلت الفاعلين في السياسة الخارجية العالمية، يتوافدون على مسقط، إذا لاحت في الأفق سحب الأزمات، أو اتجهت نحو العسكرة، فيجدون في مسقط النية الصادقة في الإصلاح، وإعادة السلام، الذي يعد أبرز منطلق لعلاقاتها مع العالم، وهو سلام قائم على أفكار خارج الصندوق، تعتمد على القانون الدولي وعلى المبادئ الانسانية، والاعراف الدولية والدبلوماسية، والعمل على التوفيق على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
هذه الثوابت العُمانية الراسخة انطلقت من إيمانها بأن الصراع بكل أشكاله، وعدم التعاون البناء يعوق مصالح الشعوب، ويعيق مسيرة البناء، مما ينعكس سلبا على الشعوب، التي تتعطش للرفاهية والعيش الرغد، بدلا من الدخول في صراعات.
ويرى محللون أن بناء الانسان ورفاهية الشعوب هي رسالة آمن بها السلطان قابوس وحملها على عاتقه، منذ توليه الحكم، وأسس سياسته الخارجية على هذا الاساس، حيث أكد على ضرورة تركيز القسط الأوفر من اهتمام الدول وجهودها على الأمن والاستقرار اللذين يشكلان أداة خصبة للبناء والتنمية.
فالإنسان وفق الرؤية العُمانية هو غاية التنمية، يجني ثمارها ويسعد بمكاسبها، هو أيضا وبنفس المستوى من الأهمية وسيلة التنمية وأداتها الفاعلة لتجسيد خططها وبرامجها إلى واقع ملموس يحقق الخير للجميع، وأن تعزيز المبادئ والمعايير الأخلاقية، حيث يدعو دائما إلى المشاركة في البناء، الذي يرتكز على التضامن بين الجميع، ويحترم التنوع والخصوصية لكل شعوب الأرض.
ولعل الأحداث التي تمر بها المنطقة، خصوصا في مضيق هرمز تؤيد هذا التوجه العُماني، حيث حرصت السلطنة على إصدار بيان حول الازمة وتأكيدها على حقها أولا في مياهها الاقليمية، وحق الجميع في حرية الملاحة العالمية بالمضيق، ودعت جميع الاطراف إلى التوجه الدبلوماسي، لتأتي زيارة يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية إلى العاصمة الايرانية، لتؤكد حرص السلطنة الدائم على السلام الاقليمي والدولي وفق القواعد والاسس القانونية والانسانية، حيث أكد بن علوي خلال الزيارة على أهمية إرساء السلام واستتباب الأمن في المنطقة وعلى ضرورة احترام الجميع للمقررات والقوانين الأمنية للحفاظ على امن الملاحة الدولية، ونبذ العنف والأساليب التي تؤدي الى توتر الأوضاع وتعقيد الأمور بين دول المنطقة.