رأى
لنكن قرآنيين
بقلم: السفیر ناصر کنعانى
سفير إيران لدى مصر
كان شهر رمضان فرصة ثمينة لقراءة وتدبر آيات القرآن المجيد لنصبغ أنفسنا بصبغة الله (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة: ١٣٨، فقد كنا في هذا الشهر الكريم نقترب أكثر فأكثر من الوحي الإلهي والرسول الاعظم (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب: ٢١
جاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يوم جاء فأزال العصبيات والطبقيات الجاهلية بناءًا على الدستور الإلهي ونص القرآن الكريم الصريح بالاعتماد على الإسلام والتقوى كركيزة بديلة عن القومية (فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى)
وهكذا فلم تكن القومية هي ميزان الشرف ومعيار الأفضلية، بل جُعلت القومية للتعارف والتواد بين الأمم وبعضها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: ١٣
وعلى هذا الأساس فقد أمرنا الله بالاعتصام بحبله عزوجل ونبذ الفرقة فيما بيننا فقال (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواج وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: ١٠٣
بل أوصى المؤمنين بكل وضوح وأخبرهم أنه في حالة استرضاء العدو فإنه لن يرضى عنهم، وأرشد سبحانه وتعالى بأنه في اتباع العدو والكف عن الهداية الإلهية واتباع هوى النفس فإنه لن يكون ثمة عونٌ ولا نصرٌ (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة: ١٢٠
وعند توافر القوة والاستطاعة فلا يبرزها المؤمنون في حق بعضهم البعض، بل يجمعون قوتهم ويشحذون هممهم لإخافة عدو الله وعدوهم وقايةً (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال: ٦٠
للأسف فإن التجربة تشير؛ بأننا قد انشغلنا بالقوميات، وعمقنا في أعمالنا الخلافات… العرب والعجم، الشيعة والسنة، المعتدل والمتشدد، الحداثي والتقليدي، … إلخ
و لكن علینا ان نتذکر انفسنا؛
نحن أهل الإيمان؛ نؤمن بإله واحد..
نحن أهل القبلة؛ نصلي لقبلة واحدة..
نحن أهل الصيام؛ نصوم في شهر واحد..
نحن أهل الصلاة؛ نصلي لاله واحد وبلغة واحدة..
نحن أهل القرآن، نتلو قرآنًا واحدًا ونؤمن بنزوله واعجازه..
نحن أهل الحج؛ نحج في مكان وزمان واحد..
نحن أمة الرسول الأكرم؛ أُمرنا بالأخوة وإصلاح ذات البين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات: 10
حتى أن القرآن الكريم أمرنا بأن نسالم ونصالح أهل الكتاب المؤمنين بالإله الواحد (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) آل عمران: ٦٤
الآن؛ وحيث مضى ربيع القرآن؛ شهر العبادة الذي أنزل الله فيه هذا القرآن، وحيث احتفلنا بالشهر الكريم، فهيا بنا لنعرف القرآن وهيا بنا لنعمل بالقرآن، فإن عدو أمة الإسلام -الاستكبار العالمي والصهيوني- مكشوف، وعلاجه لا يكمن في القومية ولا الطائفية ولا في الفرقة ولا في مهادنة العدو. فلنكن قرآنيين ولنسعى لرفعة كلمة الله (كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة: ٤٠
وكل عام و انتم بخير وتقبل الله منا ومنکم صالح الاعمال واعاده الله علینا وعلیکم بالیمن والخیر والبرکات