أخيرا.. دخلت العلاقات الأمريكية الكوبية مسيرة التطبيع بعد 18 شهرا من المفاوضات السرية، وبعدما تعطلت على مدى فترات حكم 10 رؤساء أمريكيين، وأخيرا أمكن لكاسترون أن يرى هذه اللحظة وهو على قيد الحياة. فما هي الإشارات التي تصدر عن تطبيع العلاقات الأمريكية الكوبية؟
ولعل الدروس فى هذا الشأن، هي أن معاداة سياسات الأنظمة الشيوعية لم تجد تعاطفا من الناس، ولا يمكن أن تستمر. بعد إنتصار الثورة الكوبية في سنة 1959، بدأت الحكومة الأمريكية تتعامل بموقف معادي تجاه كوبا. وفي سنة 1961، قامت أمريكا بقطع علاقاتها مع كوبا. وفي سنة 1962، أمضى الرئيس كينيدى على قانون يقضي بفرض حصار إقتصادي ومالي ومقاطعة تجارية مع كوبا. لاحقا، خططت أمريكا أكثر من 100 مرة لإغتيال فيدل كاسترو وقلب نظام حكم الحزب الشيوعي الكوبي، لكنها منيت جميعها بالفشل. والآن يعكس الإعتراف السلوكي بفشل سياسات معاداة كوبا الإشتراكية، شجاعة حكومة الرئيس أوباما.
الحصار والعقوبات هي سيف ذوحدين. إن المقاطعة التجارية والعقوبات الإقتصادية التي مورست على كوبا أكثر من نصف قرن، إلى جانب أنها لم تجلب منافع إلى أمريكا، على العكس تسببت في العديد من الخسائر. ففي ظل السوق العالمية المندمجة، فإن الحصار في الوقت الذي يتسبب في خسائرة إقتصادية بالنسبة لكوبا، فإنه يترك الشركات الأمريكية خارج السوق الكوبية. ليس هذا فحسب، بل أثر العداء الأمريكي لكوباء على علاقات أمريكا مع منظمة الدول الأمريكية وبنك التنمية الأمريكي، وعادت تبعاته على مصداقية وتأثير أمريكا في منطقة أمريكا اللاتينية.
الحاجة الى الإصلاح في سياسة العودة إلى آسيا الباسفيك. تطبيع العلاقات مع كوبا، يعني إزالة العقبات التي تحول دون توغل أمريكا في شؤون أمريكا اللاتينية، وهو يعد أيضا مظهرا من مظاهر إصلاح أمريكا لسياسة عودتها إلى آسيا الباسفيك.
أصبحت هناك أسس سياسية لتحسن العلاقات الأمريكية الكوبية منذ أن أعلنت أمريكا في نهاية العام الماضي عن نهاية عصر عقيدة مونورو، . ويعد تحسن العلاقات الأمريكية الكوبية علامة على درجة اهتمام أمريكا بالقارة الأمريكية. وهذا ليس من الصعب تفهمه، وقد عملت كندا على تنظيم 7 لقاءات بين أمريكا وكوبا في مسعى لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وطبقا لأوباما، فإن السياسة الأمريكية تجاه كوبا قد عزلت أمريكا عن المنطقة وعن الشركاء الدوليين. وهذا لم يقيّد قدرات التأثير الأمريكي في النصف الغربي للكرة الأرضية فحسب، بل قيّد أمريكا على إتخاذ الإجراءات اللازمة، لدفع تغيير كوبا بشكل إيجابي.
من هنا، قررت أمريكا إعادة الترتيب في القارة الأمريكية بعد أن إستحال عليها العودة إلى آسيا الباسفيك.. ويبقى السؤال: هل انتصرت شيوعية كوبا على رأسمالية أمريكا؟!