الثورة الإيرانية في سن النبوة
بقلم:د. حذامى محجوب
أربعون عاما مضت على اندلاع الثورة الإيرانية ، كانت مفاجئة دولية لأن كل الدول تقريبا آنذاك كانت تعتقد أن نظام الشاه محمد رضا بهلوي محمي من قبل الأجهزة الأمنية والترسانة العسكرية العتيدة التي كانت تحظى بأموال كبيرة من ميزانية الدولة .كانت الثورة الإيرانية سنة 1979ثورة على الظلم والاستبداد ولكن كانت كذلك ثورة على نظام عميل للولايات المتحدة الأمريكية ،والثورة قطعت دون رجعة مع سياسة التبعية مع أمريكا، وقد أثبتت هذه الثورة الى العالم بأسره أن الشعوب الحرة قادرة على كسر قيود الاستبداد وأنها قادرة على صنع مصيرها بنفسها. وما فتئت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ ذلك الحين الى يومنا هذا تواجه الدسائس والأحقاد من الداخل والخارج على امتداد أربعين سنة . ففيما يكمن سر قدرة ايران على مقاومة كل المؤامرات التي تعرضت لها الثورة الإسلامية طوال كل هذه السنين الى حد أن هناك من يتحدث عن المعجزة الإيرانية ؟ استطاعت ايران الصمود خلال 36سنة قبل الاتفاق النووي الذي تم في 14جويليةمن سنة 2015 أمام كل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا وكل حملات التشويه التي قادتها أمريكا وحلفاءها ضد النظام الإيراني وقد كان هنالك اجماع دولي و11قرارصارم تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي .
هذا الصمود الذي أبداه الشعب الإيراني خلال 4 عقود متتالية جعله يتحدى كل التحذيرات والتهديدات الأمريكية لأن كل إيراني يعرف أنه منذ الثورة الإيرانية ومنذ خروج ايران من الدائرة الأمريكية فان واشنطن تعمل جاهدة من أجل إعادة ايران الى السيطرة وقد استعملت الولايات المتحدة صدام حسين ضد ايران وتستعمل دول مجلس التعاون الخليجي ضد ايران أيضا ، وحاولت أمريكا العديد من المرات اسقاط النظام الإيراني بترتيب انقلاب عسكري في الداخل وزرع الفتن فيه ولكنها تفشل دائما أمام لحمة الشعب الإيراني ورفضه لكل تدخل أجنبي لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية .ورغم أن ايران لازالت تتأثر بالعقوبات المسلطة عليها الا أنها مازالت صامدة خاصة وأنها قد استطاعت كقوة إقليمية أن تجعل روسيا والصين في صفها ورغم ان أروبا واقفة في المنتصف بين أمريكا وايران يبقى هامش المناورة كبير لدى الإيرانيين وهم مصممون قيادة وشعب على تحدي كل من يتربص ببلادهم .وبعد أربعين سنة نجد أن النظام الإيراني لا يركز على تطوير القوات المسلحة تحسبا لكل تدخل عسكري فحسب وانما يسعى كذلك جاهدا الى تعزيز البنية الاقتصادية للبلاد والأجهزة التربوية والعلمية والبحثية والثقافية تعزيزا للأمن القومي وتنمية للبلاد .وقد أزاحت ايران بمناسبة الذكرى الاربعين لقيام الثورة الإسلامية في ايران الستار عن صاروخ كروز جديد عابر بعيد المدى متحدية بذلك كل التحذيرات والتهديدات الأمريكية ، وهذا الصاروخ قد صنع على يد خبراء ومتخصصي المنظمة الجوية الفضائية التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية ويبلغ مداه أكثر من 1350 كلم ويستخدم ضد الأهداف الأرضية الثابتة . فتحية للشعب الإيراني في عيد ثورته الأربعين الذي أثبت للعالم مرة أخرى أن برنامجه الصاروخي هو مسألة إيرانية داخلية وسيادية لا شأن للدول الأخرى بها ،وهذا الإنجاز هو أكبر ردّ على الولايات المتحدة الأمريكية التي دفعت مجلس الأمن على اتخاذ عقوبات بحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكي تحدّ من برنامجها للصواريخ البالستية التي ترى فيها تهديدا لإسرائيل بالأساس .وتبقى الجمهورية الإسلامية الإيرانية منيعة، مستعصية على أمريكا وكل من يريد لها السوء وهي تثير دهشة المتابعين السياسيين وفضول بعض البلدان التي لا يمكن لها ان تصمد سنة واحدة في وجه عقوبات أقل من العقوبات المسلطة على ايران.ولاشك أن التفاف الشعب الإيراني حول قيادته بالرغم من نقدها متى اقتضى الأمر ذلك لم يكن ليحصل دون هذه ” الروحانية السياسية” التي تحدث عنها ميشال فوكو سنوات 1978و1979 في سلسلة تحقيقاته للصحيفة الإيطالية ” أخبار المساء” والتي نشرت لاحقا في كتاب ” فوكو صحافيا، أقوال وكتابات” ، ويقصد فوكو “بالروحانية السياسية أو الارادة الروحانية” لدى الإيرانيين هو تلك الطاقة على مقاومة الظلم والاستبداد ولعنجهية الولايات المتحدة .انها تلك القوة ، القوة الدائمة التي باستطاعتها الوقوف في وجه نظام عالمي رهيب ، مروع . “هذه الروحانية السياسية ” مازالت مغروسة في وجدان الشعب الإيراني على الرغم من كل أنواع الحصار والتضييق التي سلطت عليه خلال أربعين سنة .فهنيئا مرة أخرى لهذا الشعب في العيد الأربعين لاندلاع ثورته بهذه الطاقة المتجددة والتي أوصلته الى سن النبوة و التي هي أقوى من الصواريخ.