سلايدر

صراع على مضيق باب المندب بين الفرقاء الإقليميين يهدد التجارة الدولية

استمع الي المقالة

اليمامه – فرانس 24 – يأتي تهديد إسرائيل لطهران، بتشكيل تحالف دولي عسكري ضدها إذا ما حاولت إغلاق مضيق باب المندب، ليلقي الضوء على أهمية هذا الممر المائي الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. يعتبر المضيق أحد أبرز مسارات النفط والتجارة في المنطقة والعالم حيث تعبر ناقلات النفط الخليج للدخول إلى البحر الأحمر متوجهة نحو أوروبا عبر قناة السويس. فما هو هذا المضيق وما هي أهميته؟

باب المندب هو ممر مائي يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي عبر خليج عدن. ويقع بين قارتي آسيا وأفريقيا حيث نشأ نتيجة تباعد القارتين في أواخر الحقبة الجيولوجية الثالثة في عصري الميوسين والبليوسين (فترة زمنية تتراوح بين 23 و2,5 مليون عام مضت). وتبلغ المسافة الفاصلة بين ضفتيه حوالي 30 كم (من رأس منهالي في اليمن إلى رأس سيان في جيبوتي)

ظلت أهمية باب المندب محدودة حتى افتتاح قناة السويسفي مصر العام 1869وربط البحر الأحمروما يليه بالبحر المتوسط،فتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوروبية في البحر المتوسط، والمحيط الهنديوشرقي أفريقيا. ومما زاد في أهمية الممر، أن عرض قناة عبور السفن، وتقع بين جزيرة بريم اليمنيةوالبر الإفريقي، هو 16 كم وعمقها 100-200م، مما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين. ولقد ازدادت أهميته بوصفه واحدا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي .ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنويا (57 قطعة يوميا).

لليمن، بحكم موقعه الجغرافي، أفضلية إستراتيجية في السيطرة على الممر لامتلاكه جزيرة بريم، بيد أنه خسر بعضا من نفوذه في المضيق بسبب الحرب الأهلية المستعرة. كما أن القوى الكبرى عملت أيضا على إقامة قواعد عسكرية قربه وحوله وذلك لأهميته العالمية في التجارة والنقل.

وسعت الأمم المتحدةفي العام 1982 لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية ودخلت اتفاقيتها المعروفة “باتفاقية جامايكا” حيز التنفيذ في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1994، والتي تحدد حقوق ومسؤوليات الدول في استخدامها لمحيطات العالم، وضع مبادئ توجيهية للأعمال التجارية والبيئة وإدارة الموارد الطبيعيةالبحرية.

وللمضيق أهمية إستراتيجية حيث تمر به شحنات تبلغ نحو 4,8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة إلى أوروبا والولايات المتحدة. هذه الأرقام تعتبر صغيرة بالمقارنة بمضيق هرمز في الخليج العربي ولكن بسبب معركة النفوذ الحالية على هرمز تود الدول المجاورة له مثل إيران والسعودية والإمارات بسط نفوذها على باب المندب كبديل. كما أن إسرائيللديها أيضا نفوذ في باب المندب بالتنسيق مع جيبوتيوأثيوبيا.

حرب اليمن

ويتصاعد التهديد للملاحة في باب المندب منذ فترة مع استهداف الحوثيين لناقلات نفط سعودية في شهر أبريل/نيسان الماضي وفرقاطة عسكرية سعودية نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

ويقول محللون إن السعودية تحاول تشجيع حلفائها الغربيين على النظر بجدية أكبر إلى الخطر الذي يمثله الحوثيون وزيادة الدعم لحربها في اليمن، خاصة أن آلاف الضربات الجوية وعملية برية محدودة لم تسفر عن النتائج المرجوة من إزاحة الحوثيين وإعادة الحكومة الشرعية كما أدت إلى تفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وقال سداد الحسيني وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة أرامكو السعودية ومستشار للطاقة حاليا في تصريح لوكالة رويترز “بدلا من السماح لهذه التحركات العدائية بأن تمر دون أن يلاحظها العالم فإن وزير (الطاقة) السعودي يضع ما تقوم به إيران من تخريب للاقتصاد العالمي بأسره تحت أعين الجميع”.

وأضاف قائلا “السيطرة على ميناء الحديدة لن تضع نهاية لهذه العراقيل إلا بعد وقت طويل”. والحديدة هي الميناء الرئيسي لليمن ويقع على بعد 200 كم من مضيق باب المندب وكان الهدف لهجوم بدأه التحالف في 12 يونيو/حزيران في محاولة لقطع خط الإمدادات الرئيسي للحوثيين. وبعد الإخفاق في تحقيق مكاسب كبيرة أوقف التحالف العمليات في الأول من يوليو/تموز لإعطاء الأمم المتحدة فرصة لحل الموقف رغم استمرار بعض الأعمال القتالية.

تعليق الشحنات السعودية، مع التهديد الضمني بارتفاع أسعار النفط، ربما يهدف أيضا إلى الضغط على الحلفاء الغربيين الذين ما زالوا يدعمون الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو/أيار الماضي، لاتخاذ موقف أقوى ضد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم جماعات مسلحة في أرجاء المنطقة.

ولم يصدر أي تأكيد رسمي بأن هذه الخطوة جرى تنسيقها مع واشنطن لكن أحد المحللين قال إنه سيكون من المثير للدهشة إن لم يكن هناك تنسيق بين البلدين وذلك نظرا إلى تحالفهما الاستراتيجي.

زيادة المخاطر

الوضع الراهن يتسم بالهشاشة ويمكن أن ينحو بسهولة إلى التدهور. ويبدو أن هدف السعوديين والحوثيين هو التصعيد إلى أعلى مستوى ممكن ولكل منهما أهدافه المختلفة. ويقول جيمس دورسي من معهد “إس راجارتنام” للدراسات الدولية “الحوثيون يحاولون تصعيد الوضع حتى يتم بذل المزيد من الجهد للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن”.

وأضاف قائلا “السعوديون يحاولون خلق وضع تكثف فيه الولايات المتحدة بشكل أو آخر دعمها إلى حد كبير… حتى يمكنهم الإعلان عن نصر عسكري”. ويتمثل الخطر في أن يخطئ أحد الجانبين التقدير، وهو ما قد يثير ردا أقوى من المتوقع.

خيارات نقل النفط السعودي

أعلنت السعودية في 26 يوليو/تموز الماضي وقف شحنات النفط عبر البحر الأحمر “إلى أن تصبح الملاحة في مضيق باب المندب آمنة”. ولم يتضح متى ستصبح الملاحة آمنة. لكن المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، ليست في عجلة من أمرها لأن لديها وسائل أخرى لنقل الخام إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية عبر استخدام خط أنابيب الشرق-الغرب (بترولاين) الذي ينقل الخام من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر.

بينما تقول مصادر أخرى إن المملكة قد تستأجر أيضا سفنا غير سعودية لنقل النفط عبر باب المندب لأن تغيير مسار السفن للالتفاف حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية (طريق رأس الرجاء الصالح) سيؤدي إلى كلفة كبيرة في الوقت والمال وهو ما يجعله خيارا غير مرجح.

ما هو الرد الإيراني المحتمل؟

بعد انسحابها من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية المبرم عام 2015، تضغط واشنطن على الدول الأخرى حاليا من أجل وقف وارداتها من النفط الإيراني اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني. وحذرت طهران بأنها ستتخذ إجراءات مضادة، وهددت بمنع مرور سفن نقل الخام من الخليج إذا تم إيقاف صادراتها.

ورغم تهديدات عدائية متبادلة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيران، إلا أن عددا من المسؤولين الإيرانيين يعتبرون احتمال مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة “منخفضا للغاية”. ولا يزال البعض يؤمن بإمكانية إجراء مفاوضات مباشرة، لكن كثيرين ممن اتصلت بهم رويترز حذروا من أن رد طهران على أي مواجهة عسكرية تشنها واشنطن سيكون مكلفا.

استبعاد حرب للناقلات

أثناء “حرب الناقلات” في منتصف الثمانينات، انتشرت في مياه الخليج الألغام مع قيام إيران والعراق بمهاجمة شحنات النفط. وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى أجنبية أخرى بحراسة ناقلات لدول أخرى، وغيرت بعض السفن الكويتية راياتها ورفعت العلم الأمريكي، ونفذت ضربات محدودة ضد أهداف بحرية إيرانية.ورغم قدرة السعوديين على تسيير السفن بأعلام دول أخرى لتفادي هجمات الحوثيين، إلا أن محللين يقولون إن ذلك سيقوض جهود السعودية لإظهار نفوذها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى