جمال عنقرة
كاتب سودانى
لم أشا أن أتحدث عن ملابسات خروج صديقي البروفيسور إبراهيم غندور من الخارجية، ولا عن تقييم فترة عمله وزيرا للخارجية. فمثلما كان هناك شبه إجماع علي تميز عطاء غندور في الخارجية، كان هناك إجماع أن الأمر قد وصل مرحلة لم يعد فيها بقاؤه في الوزارة ممكنا، ويتفاوت الناس في تقدير طريقة الخروج، ومنطقه، فلم أجد مناسبا الخوض في مثل ما كان يتحدث عنه الناس.
ومع عدم الكتابة عن خروج غندور وتجربته، لم أجد فرصة للحديث عن أخي الدكتور الدرديري محمد أحمد الوزير الجديد، وصلتي ومعرفتي للأخ الدرديري تعود إلي سبعينيات القرن الماضي، وأعرف سيرته جيدا، ولا أجد خيارا أنسب منه لوزارة الخارجية في هذه المرحلة، فلقد عرف الدرديري بالتميز الأكاديمي منذ زمن دراسته الباكرة، ومثله في التميز الأكاديمي زوجته المهندسة سنية مصطفي (مولانا). وكان الدرديري الأميز في كلية القانون جامعة الخرطوم، وكان يتبادل البرنجية مع أخينا الحبيب مزمل عبدالله، وبعد التخرج ذهب مزمل إلي ديوان النائب العام، والتحق الدرديري بالقضائية، ثم كان من أوائل الذين استوعبتهم وزارة الخارجية في عام الإنقاذ الأول، ولقد كانت للدرديري بصمات واضحة، لا سيما في ملفات التفاوض وترسيم الحدود، هذا فضلا عن كسبه الأكاديمي وفي مجالات الدراسات والبحوث، ويمتلك ذخيرة واسعة من المعارف والعلوم، وله علاقات واسعة إقليمية ودولية. وأكثر ما يميزه أنه رجل مؤسس، وممنهج، وهو صاحب التزام أصيل وعميق، ويمتاز بالصراحة والوضوح، والبعد عن المراوغة، والمماطلة، ويتخذ أقصر الطرق دربا له في كل مساراته، ودائما ما يكون محل احترام وتقدير من الطرف الآخر، وما يعينه علي ذلك أنه يحترم الآخر، ويحترم آرائه ومواقفه.
والرحلة الخارجية التي أعتبرها الأولي لوزير الخارجية الجديد التي بدأت أمس الأول إلي كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، تعتبر مؤشر مهم لأداء الدرديري في الخارجية، فالدولتان مصر أخت بلادنا الشقيقة، وبلاد الحرمين الشريفين الحبيبة تعتبران الأهم للسودان وأهله، وعلاقتنا بهما وبأهلهما لا تدانيها علاقة في العالم كله، وفيهما تجتمع المصالح مع الوجدان، والتاريخ والمصير المشترك، ولقد عبر الدرديري عن ذلك في أول تصريح له بعد مقابلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فقال أن العلاقة مع مصر خط أحمر، وهذا ما يقول به المسؤولون المصريون المسؤولون، ولقد تعهدت الحكومة المصرية بمحاصرة الإعلام الفالت الذي يسئ لهذه العلاقة التاريخية المصرية، وأعجبني أن جاء هذا القول علي لسان الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلي للإعلام في مصر، وهو رجل صاحب شخصية قوية، وحاضرة، وأعجبني أكثر أنه اجتاز الاختبار الأول بنجاح باهر، وذلك عندما أمر بحذف المشاهد التي أساءت للسودان في المسلسل المصري الرمضاني (أبو عمرو المصري) وأتوقع أن يحقق الدرديري اختراقا واضحا في ملف العلاقات السودانية المصرية، وقد تهيأت كل الظروف لذلك، بعد تكوين اللجنة الرباعية التي تضم وزيري الخارجية، ومديري جهازي المخابرات في البلدين، وهي لجنة يرعاها الرئيسان السوداني عمر البشير، والمصري عبدالفتاح السيسي، ومعها نتوقع أن يتواصل انفراج أزمة سد النهضة، وتستقيم العلاقة بين الدول الثلاث السودان ومصر وأثيوبيا لصالح تلك البلدان وشعوبها.
وذات ما لاقت من نجاح زيارة وزير الخارجية السوداني الجديد الدكتور الدرديري محمد أحمد إلي مصر، نتوقع أن تجد مثله في المملكة العربية السعودية، ولقد حسمت الحكومة السودانية موقفها من المشاركة في إعادة الأمل بعد عاصفة الحزم في اليمن، وهو موقف مبدئي، وأتوقع أن يحسن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين استقبال الوزير الذي يأتيهم محملا بالأمل، وفي نجاحه، نجاح للجميع.