رأى

إشكاليات نقد الخطاب الديني المُنجز المخالف للخطاب المُنزّل (1)

استمع الي المقالة

د. سهيلة زين العابدين حماد

أستأذن الدكتور سعيد شبار أستاذ الفكر الإسلامي والحضارة، والعقيدة والأديان المقارنة، بجامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة بني ملال بالمغرب أن أقتبس منه مصطلحي «الخطاب المُنزّل، و»الخطاب المُنجَز» الوارديْن في ورقته التي قدَّمها إلى مؤتمر «إشكاليات نقد التراث وتجديد الخطاب الديني» الذي عُقد في مراكش في مايو عام 2014، ومن أهم ما طُرِح في هذا المؤتمر -في رأيي- ما طرحه المُفكِّر المغربي الدكتور سعيد شبار، في ورقته عن ملامح الأزمة في الخطاب الديني عبر ثنائية «المُنزَّل- المُنجَز»، حيثُ لفت إلى ضرورة الفصل في العالم الإسلامي بين الخطاب «المُنزَّل» المتصف بالكلية واللامحدودية في الزمان والمكان، وطبيعته المطلقة، وبين «الخطاب المُنجَز»، الموسوم بالنسبة والقصور لارتباطه بسياقاتٍ زمانية معينة أو مكانية خاصة. واعتبر «الشبار» أنّ الخلط الحاصل في التصور الإسلامي اليوم بين هذا الخطاب «المُنزَّل» الحامل لكل الصفات المطلقة، وبين الخطاب «المُنجَز»، يجعل الكثير من التيارات الدينية والطائفية والمذهبية تقدم خطاباتها وأفكارها على أساس أنّها الحقيقة المُنزلة، المُنزَّهة عن كل تشكيك أو نقاش.

فالمقصود بالخطاب المُنزّل «الخطاب القرآني»، و«الخطاب المُنجز» المقصود به فهم بعض فقهاء المسلمين الأوائل للنص القرآني، وبناء أحكامهم الفقهية على ما فهموه. وأنا أتفق تمامًا مع الدكتور شبار، فالإشكالية التي تواجهنا في تصحيح الخطاب المُنجز، الذي يُمثِّل الخطاب الديني السائد في العالم الإسلامي، المبني بعضه على مفاهيم خاطئة لبعض الآيات القرآنية لتأثر مفسريها بموروثات مجتمعاتهم الثقافية والفكرية، ودعّموا تلك المفاهيم الخاطئة بأحاديث ضعيفة وموضوعة ومفردة، فكان من الخطاب المُنجز ما هو مخالف للخطاب المُنزّل، ورغم مخالفاته تلك يُؤخذ به، ويُترك المُنزّل، ولا يُكتفَى بهذا، فإن نبّه أحد الباحثين، أو المُفكرين، أو العلماء إلى هذه المُخالفات يُتهم بالعلمنة واللبرلة، وتنفيذ أجندة معادية للإسلام، وأنّه يُشكّل خطرًا على الدين والمجتمع وأمنه، وأمثلة مخالفة الخطاب المُنجز للخطاب المُنزّل كثيرة، منها:

– القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، والمفهوم الخاطئ للجهاد في سبيل الله، القول بأن لا يُقتل المسلم بالكافر، والفهم الخاطئ للسبايا وملك اليمين، والحور العين، وآيات الوصية، والآيات المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها الأسرية والزوجية.

وسأبدأ بِـ«القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، للفهم الخاطئ لآية (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:106)، فالآية تتحدّث عن نسخ ما في شريعة موسى عليه السلام، وليس نسخ القرآن لنفسه، فظن بعض المفسرين أنّ القرآن ينسخ نفسه ، وأضاف البعض أنّ السنّة قد تنسخ القرآن، فبموجب هذا القول ألغى الخطاب المُنجز الآيات القرآنية التي تدعو إلى حرية العقيدة، والحوار مع المخالفين في الدين والعقيدة بالتي هي أحسن، والصبر عليهم، ومقاتلة من يقتلنا، وأوجبوا مقاتلة كل من لا يُؤمن برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما نسخوا آية الإحسان إلى الأسرى، وآية الوصية للوالديْن والأقربين، وغير ذلك من الآيات، وجعلوا السنة تنسخ القرآن، وهم بأقوالهم هذه تلاعبوا بالقرآن الكريم، وصوّروا الخالق بأنّه -حاشا لله- مُتردِّد في أحكامه وتشريعاته، وأنّ الرسول عليه الصلاة والسّلام يُعدّل عليه، ويُلغي أحكامه، وألغوا أزلية كتابة القرآن كاملًا في اللوح المحفوظ، وأنّه من عند الله، وبذلك أوجد هؤلاء المفسرون والقائلون بالناسخ والمنسوخ مبررًا يُساعد من يسعوْن إلى دفع شباب الإسلام إلى الإرهاب، أو الإلحاد إلى الإيقاع بهم في هذيْن المستنقعيْن.
..وللحديث صلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى