بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة، مساء الخير
سعيد جدا لحضوري في اليوم الأخير من مؤتمر موينيخ الأمني الدولي وذلك مباشرة بعد عودتي من الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس روحاني الى الهند.
طرحت امام هذا المؤتمر العام الماضي مقترح ايران لاجراء ترتيبات امنية في منطقة الخليج الفارسي مبنية على الحوار والمباديء المشتركة ومبادرات بناء الثقة . ان بعض دول الجوار استغلت العام الماضي فرصة القاء الكلمة في هذا المؤتمر لطرح اتهامات ضد ايران وفي هذا العام ايضا قامت بعض الدول بنفس الشيء والبعض الآخر ينوي القاء نفس الاتهامات.
انتم شاهدتم صباح اليوم سيرك مضحك لم يستحق الرد عليه ولذلك نتطرق الى مواضيع أكثر أهمية.
اُعرب عن ارتياحي باني، وخلافا لتوجهات البعض، لقيت تاييد أمين عام الامم المتحدة لما قدمته العام الماضي في هذا المؤتمر من توجه حضاري. انا قدمت الى هنا لاوضح هذا الموضوع واقول لكم ، طالما لم تلتئم المساعي الجماعية لارساء السلام والاستقرار الشاملين في منطقة الخليج الفارسي ، ستكون ظروفنا مضطربة تعاني من الفوضى وربما نسجل حالة اتعس للأجيال القادمة.
وكما شاهدتم منذ بداية القرن الجديد أحداث ضربت منطقتنا والغرب ، فان اضطرابنا في هذا العالم المترابط هو اضطراب الجميع.
اليوم هزيمة داعش على الأرض اعاد الاستقرار النسبي الى المناطق التي كان يحتلها ولكن هزيمة احدى المنظمات الشريرة في العالم ليس بمعنى ازالة خطر التطرف من المنطقة وخارجها. فان الاسباب الجذرية وخاصة عقيدة اثارة الكراهية والتهميش ما زالت مستمرة و من الممكن ان تظهر في مكان آخر.
لفترة طويلة من الزمن اتخذت القوى العسكرية استراتيجية متعددة الجوانب لتسجيل النجاحات في الحرب. هذه القوى ولفترة طويلة لم تهتم بأي استراتيجية تقود الى السلام .لفترة طويلة اتخذت القوى العظمى وحلفائها في المنطقة قرارات خاطئة في منطقتنا وتلقي اللوم في تداعيات اخطائها الاستراتيجية والقصيرة النظر والخارجة عن المنطق ،على الآخرين وخاصة ايران.
(هنا نتسائل عن ما حدث) ، بدء من هجوم صدام حسين على بلدي عام 1980 الى تشجيعه ودعمه في استخدامالكيميائي ، من الحروب التي دارت لطرده من الكويت الى تصفيته تماما ، من الدعم الاولي للقاعدة وطالبان الى بدء الحرب لتصفيته في افغانستان ، من اسناد النموذج المشابه للارهابيين المتطرفين الذين اتوا بالدمار الى سوريا الى الاحتلال الخطير لاجزاء من سوريا بذريعة مكافحة الجماعات التي دعموها ماليا ، من هجوم اسرائيل وهجماته المتعاقبة على لبنان والاحتلال غير الشرعي لفلسطين الى الانتهاك المتكرر للأجواء السورية ومن قصف اليمن باسناد الطائرات الغربية… ما هي مكتسبات هذه الاجراءات للعالم؟
امريكا وزبائنها المحليين في المنطقة تعاني من التداعيات الطبيعية لخياراتهم الخاطئة ولكنهم يستغلون هذا المؤتمر والمؤتمرات الاخرى محاولة منهم لاحياء التوترات ضد سياسة ايران الخارجية وتشويه الحقائق. ولكن هل ان ايران هي التي أجبرتهم على اتخاذ جميع هذه الخيارات الخاطئة، كما يزعم البعض وبموقف تافه؟ هل يجب القاء اللوم علينا في الوقت الذي قمنا بخطوات على المسار الصحيح للتاريخ وحاربنا صدام حسين ، القاعدة، طالبان، داعش، جبهة النصرة، وغيرهم في حين كانت امريكا وشركائها تدعمهم بالمال والسلاح ؟
ايها الحضور الكريم،
كما أشرت العام الماضي في هذا المؤتمر، ان ايران تعتقد بان منطقة الخليج الفارسي بحاجة الى هندسة امنية اقليمية جديدة. نحن نعتقد بهذا وقدمنا اقتراحنا بتشكيل “منطقة قوية” بدلا عن “الاقوى في المنطقة” . منطقة قوية تساهم في ارساء استقرارها الشعوب الصغيرة والكبيرة وحتى تلك التي بينهما منافسة تاريخية.
المعنى المبسط لهذا الاقتراح هو ضرورة احترام مصالح جميع المنتفعين والاعتراف بها رسميا والتي ستؤدي الى ارساء الاستقرار نظرا لمضمون المقترح. هذا في الوقت الذي لا تقود رغبات الباحثين عن الهيمنة من القوة الاقليمية والعالمية الا الى زعزعة الاستقرار.
التنافس على التسليح في منطقتنا والذي لم تكن اي من الدول الحاضرة في هذا المؤتمر بريئة تماما من ترويجه ، نموذج للتنافس غير البناء وغير الضروري ويؤدي الى زعزعة امن جيراننا.
من اجل بناء “منطقة قوية” علينا ان نكون واقعيين ونتقبل الخلافات المتواجدة بيننا. علينا ان نتوجه من الأمنالجماعي وهياكل التحالفات الى مفاهيم شاملة من ضمنها تشكيل الشبكة الأمنية التي بامكانها الخوض في مختلف القضايا الخلافية من الخلاف على المصالح حتى الخلاف على زمام القوة . الشبكه الأمنية عبارة عن الخوض في لعبة حاصلها غير الصفر ويتفهم من خلالها بان الامن غير قابل للتقسيم وهذا يختلف عن التحالفات والمجاميع التي يشكل اساسها التوجه نحو لعبة حاصلها صفر وتكلفتها زعزعة أمن الآخرين.
الاتفاق النووي نموذج لفكرة اللعب بحاصل غير الصفر. الاعتراف الرسمي بالخلافات تزامنا مع الاعتراف الرسمي بهدف مشترك واحترام مصالح جميع الاطراف ادى الى نجاح هذه المفاوضات الصعبة والتي تمخض عنها الاتفاق النووي. ربما هذا هو سبب معارضة الاطراف التي تنظر الى كل شيء بنظرة المصالح الاحادية الجانب.
ان ايران وبعد الانتهاء من الاتفاق النووي مباشرة حاولت ان توظف هذا التوجه في الخليج الفارسي وطرحت مقترح “مجمع الحوار الاقليمي”. هذا الاقتراح واجه ابواب موصودة ولكنه ما زال على الطاولة. هذا هو الحل الوحيد. اذا التحقت المنطقة بنا ، بامكاننا تشكيل مجمع يعمل كآلية تساعد على تنظيم ودفع الحوارات على جميع المستويات الرسمية وغير الرسمية في منطقتنا وفي نفس الوقت تشجع على الحوار بين الدول والحوار الرسمي كما ستكون هذه اللآلية قادرة على الرقي بالحوار بين العلماء والمفكرين.
ايها الحضور الكريم
ان ادوات الهندسة الاقليمية التي اقترحتها ايران هي بسيطة ولكنها مؤثرة: ان هذا التوجه بدلا عن تجاهل الخلاف في المصالح يتقبل الخلافات. بالتركيز على شمولية هذا المقترح بامكانه ان يكون حجر بناء لتفادي ظهور نظام اليغارشي بين الدول الكبرى والاهم انه يسمح للدول الصغيرة بالمشاركة ويصون مصالحها.
ان الهندسة الامنية لمستقبل منطقة الخليج الفارسي تشبه عملية هلسنكي يجب ان تبنى على اساس يعرف بـ”اسس التذكرة” و”سلات CDM”. جميع الدول المطلة على هذا المرر المائي الاستراتيجي والهش يجب ان يتاح لها الدخول في هذه الهيكلة ولكن عليها الالتزام بالمباديء المشتركة ، المبادي المنصوصة في ميثاق الامم المتحدة ومن ضمنها المساواة في سيادة الدول ، الامتناع عن التهديد او استخدام القوة ، الحل السلمي للنزاعات، احترام وحدة الاراضي ، صون الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للحكومات واحترام حق تعيين المصير في داخل الدول .
كما نعتقد انه من الضروري اتخاذ اجراءات لبناء الثقة في الخليج الفارسي: بدء من الزيارات العسكرية المشتركة الى الاعلان المسبق عن المناورات العسكرية ، من اجراءات الشفافية في شراء السلاح الى خفض التكاليف العسكرية وكل هذا يمكن ان يقود في آخر المطاف الى معاهدة اقليمية غير متخاصمة .
بامكاننا ان نبدء من القضايا البسيطة مثل السياحة والاستثمار المشترك او حتى فرق عمل مشتركة لقضايا كالسلامة النووية وتلوث الهواء وادارة الكوارث الطبيعية.
في الوقت الذي نواجه فيه وبشكل خطير تصعيد التوترات والمعارك والتي يتأثر بها حتى أبنائنا واحفادنا، ادعو نظرائي في الخليج الفارسي الى الالتحاق بايران من أجل تحويل هذه المقترحات الى واقع.