أبو الغيط يطرح عناصر رؤيته للمشهدين العربي والدولي وكيفية التعامل مع التحديات التي تواجهها المنطقة العربية
أشرف أبو عريف
ألقى اليوم 10 الجاري السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمة أمام كلية الدفاع الوطني بسلطنة عمان تحت عنوان “الجامعة العربية والأوضاع العربية الحالية” طرح في إطارها أهم عناصر رؤيته للمشهدين الدولي والعربي خلال المرحلة الحالية.
وصرح الوزير المفوض محمود عفيفي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، بأن أبو الغيط أشار إلى ثلاث نقاط رئيسية عند تناوله للتطورات الجارية في ساحة العلاقات الدولية وهي:
أنه ثمة تغير عميق يجري في قمة النظام الدولي، وأن عالم القطب الأمريكي الأوحد يتفكك لصالح عالم متعدد لم تتشكل توازناته بعد، وأن التنافس في قمة النظام الدولي سينعكس على المنطقة العربية في صور مختلفة.
- أن العالم الغربي يشهد أزمة عميقة لها أبعاد اقتصادية واجتماعية أدت إلى ظهور حالة واضحة من التململ لدى قطاعات واسعة تنتمي إلى الطبقة الوسطى وصعود متسارع للتيارات الشعبوية، وهو الأمر الذي سيكون له تداعياته على العالمين العربي والإسلامي، خاصة وأن هناك في الغرب من ينظر إلى المنطقة العربية من زاوية كونها تهديداً دائماً ومفرخةً للإرهاب والتطرف، وبالتالي فإن أخطر التحديات التي تواجه العرب في هذا الصدد هي كيفية التعامل مع هذه الصورة الذهنية والعمل على تغييرها.
أن هناك جملة من التغيرات العلمية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم بما يضعه على أعتاب ثورة كبرى اصطلح البعض على وصفها بالثورة الصناعية الرابعة، وأن هذه الثورة ستكون لها تداعيات هائلة على المجتمعات العربية من النواحي الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، وهو ما يستلزم دراسة أبعادها وتداعياتها المُحتملة على نحو دقيق.
وأوضح المتحدث الرسمي أن الأمين العام أشار من ناحية أخرى إلى أنه يمكن إجمال ملامح المشهد على الصعيد العربي في خمسة ملامح رئيسية:
أولاً: أن المنطقة لا زالت تتعافى من حالة الاضطراب غير المسبوقة التي ضربتها في عام 2011 والتي أدت إلى تحطيم دول وتمزيق مجتمعات، ودخول قوات أجنبية إلى أراض عربية بصورة لم تعهدها المنطقة منذ أزمنة الاستعمار، وتدخلات من أطراف من الجوار الإقليمي تسعى للهيمنة والسيطرة، وتراجعاً في مكانة قضايا العرب الرئيسية وأهمها قضية فلسطين التي تمر اليوم بمنعطف خطير في ظل محاولات واضحة لتمييعها وتفكيكها وتصفيتها.
ثانياً: أن الفترة التي أعقبت ما حدث في 2011 أوجدت فراغاً هائلاً في السلطة في مناطق شاسعة يسكنها ملايين البشر، الأمر الذي أدى إلى سعي قوى، من داخل البلدان العربية أو من محيطها أو من العالم الأوسع، لتوظيف هذا الفراغ واستغلاله لصالحها، وهو ما أدى إلى تمدد داعش وسيطرتها على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، وبنفس المنطق يمكن فهم الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية. وأشار الأمين العام في هذا الصدد إلى أنه لا سبيل لمعالجة هذا الوضع إلا من خلال إعادة تقوية الدولة الوطنية، مع الاعتراف في ذات الوقت بأن بعضاً من الدول التي تعرضت لهزات خطيرة خلال السنوات الأخيرة قد تبنت أساليب للحكم والإدارة أسهمت في إضعاف كيانها الوطني الجامع عبر التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو طائفي، وهو ما يؤكد أهمية أن يكون الحكم الرشيد هو الحصن الحصين الذي تعزز به
لدولة الوطنية وجودها وأمنها، والإيمان بأنه لا شرعية حقيقية قابلة للاستمرار دون رضا المواطنين وشعورهم بالانتماء للدولة.
ثالثاً: أنه على الرغم من خطورة التهديدات التي تواجه المنطقة العربية، فإن قدرتها على حشد كافة مواردها وجهودها لمواجهة هذه التهديدات والتصدي لها ما زالت جد محدودة، كما أن هناك تبايناً واختلافاً بين الدول العربية في رؤاها لمصادر التهديد ومكامن الخطر، ولا يوجد اتفاق على ترتيب واضح لأولويات التحرك الجماعي أو سبل المواجهة، وهناك غياب لآلية واضحة لمعالجة الخلافات العربية/ العربية، في حين يستلزم الأمر ألا يتم التعامل مع الأمن الوطني لكل دولة بمعزل عن الأمن القومي العربي الشامل. وضرب أبو الغيط المثل في هذا الصدد بأن الصواريخ الحوثية، الإيرانية الصنع، لا تعد استهدافاً فقط للمملكة العربية السعودية، ولكن تشكل أيضاً تهديداً للدول العربية جميعاً، وأن قضية القدس لا تخص الفلسطينيين وحدهم وإنما العرب كافة، وتعرض مصر لخطر يهدد أمنها المائي يعد تهديداً للامن القومي العربي وخصماً من القوة العربية الشاملة.
رابعاً: أن تهديد الإرهاب يظل هو أخطر ما يواجه المنطقة العربية خلال المرحلة الحالية، وذلك على الرغم من وجود مؤشرات إيجابية مثل هزيمة داعش وإنهاء سيطرتها على معظم المناطق التي كانت تتحكم فيها في سوريا والعراق. وأوضح الأمين العام أن المعركة مع الإرهاب لم تنته ويمكن أن تطول لسنوات، خاصة مع توقع أن يغير الإرهاب من استراتيجياته وأدواته وطرق عمله، الأمر الذي تحتاج معه البلدان العربية إلى استحداث أساليب عمل جديدة واستراتيجيات مختلفة لمكافحته، مع تجفيف منابع الإرهاب لاجتثاثه من جذوره.
خامساً: أن الصورة العربية ليست كلها قاتمة، فهناك ما يشير إلى وجود إرادة أكيدة لدى الشعوب والحكومات لتجاوز العثرة الحالية من خلال القيام بمشروعات تنموية ضخمة واتخاذ مبادرات ناجحة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدام في الخليج العربي ومصر والمغرب العربي، إلا أن هذا لا ينفي وجود احتياج ملح لمضاعفة
الجهد لتعويض ما فات واللحاق بالعصر وإيجاد فرص حقيقية للشباب الذين يشكلون 50٪ من سكان الوطن العربي، مع “تحصين النمو” من خلال خلق بيئة إقليمية داعمة للاستقرار والازدهار يعززها نظام أمني عربي يسمح للعرب بالاستجابة للتحديات التي تواجههم، وبما يعزز من الكيان العربي الجامع.