رأىسلايدر

البصيرة: التطبیع البحریني وسط الغضب الشعبي للقدس

استمع الي المقالة
البصيرة – يعود تاريخ التطبيع بين المملكة الخليجية الصغيرة وكيان الاحتلال، إلى أكتوبر/تشرين الأول من عام ۱۹۹۴، وقتما استقبلت البحرين وزير البيئة “الإسرائيلي” يوسي ساريد، بدعوى “المشاركة في أعمال لجنة البيئة المنبثقة عن المفاوضات متعددة الأطراف، بعد اختيار المنامة (عاصمة البحرين) لتكون مقرا لاجتماعات لجنة البيئة وخلال هذه الزيارة أجرى ساريد محادثات مع وزير الخارجية البحريني وقتها محمد بن مبارك آل خليفة في أول اتصال يجري بين الجانبين على مستوى وزاري”، وفقا لما وثقه الدكتور مصطفى الشمري في كتابه “عسكرة الخليج..الوجود العسكري الأمريكي في الخليج”.
في الوقت الذي تشتعل فيه الأراضي الفلسطينية والعالمان العربي والإسلامي احتجاجا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وصل، أمس السبت، وفد بحريني، في أول زيارة علنية لإسرائيل تستمر أربعة أيام. وكشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، الليلة الماضية، أن الوفد البحريني الذي يمثل جمعية “هذه البحرين” يضم ۲۴ شخصية ينتمون لمختلف الأديان والمذاهب، لافتة إلى أن هذه الزيارة تمثل تجسيدا لتوجيهات مباشرة من ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بإحداث تحول دراماتيكي على علاقة بلاده بإسرائيل. وأشارت القناة إلى أن الزيارة تدلل على التناقض في مواقف البحرين من إسرائيل والقضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن زيارة الوفد تأتي بعد إصدار وزارة الخارجية البحرينية بيانا نددت فيه بقرار ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وعرضت القناة، صورا لأعضاء الوفد وهم يتجولون في شوارع البلدة القديمة من القدس، في الوقت الذي كان فيه العشرات من الشباب الفلسطينيين يُنقلون إلى المستشفيات نتيجة إصابتهم برصاص الجيش الإسرائيلي في المواجهات التي احتدمت احتجاجا على قرار ترامب في بعض أحياء المدينة ومحيطها. وفي حديث مع القناة، قال عدد من أعضاء الوفد، إن الزيارة تمثل تجسيدا للتوجيهات التي أصدرها الملك حمد بن عيسى، والذي يحث على تشجيع “التسامح والتعايش والحوار بين الأديان”.
وفي حديث مع القناة، قال عضو الوفد رجل الدين الشيعي، فضل الجمري: “جئنا لنحمل رسالة سلام لكل الأديان، نحن في البحرين لا نحمل أي بغض وكراهية لأتباع أي دين”. وأعادت القناة إلى الأذهان أن الزيارة التي قام بها الوفد البحريني تدلل على أنه سيكون  مسموحا لأي بحريني من الآن وصاعدا القيام بزيارة إسرائيل بشكل اعتيادي. وعرضت القناة مشاهد الحفل الراقص الذي نظمته حركة “حباد” الدينية اليهودية المتطرفة في العاصمة البحرينية المنامة قبل حوالي عام، حيث شارك في الرقص شخصيات ورجال أعمال بحرينيون. بخلاف رسالة “التسامح” التي يقول أعضاء الوفد البحريني إنهم معنيون بنشرها، فإن حركة “حباد” تضم غلاة الحاخامات المتطرفين، وعلى رأسهم الحاخامان يوسيف إليتسور وإسحاق شابيرا، اللذان ألّفا المصنّف الفقهي “شريعة الملك”، حيث ضمّناه “مسوغات فقهية” توجب قتل الرضّع العرب خشية أن يتحولوا إلى مصدر خطر عندما يكبرون؛ فضلا عن أن معظم عناصر التنظيمات الإرهابية اليهودية ينتمون لهذه الحركة.
وقالت القناة إن العلاقة الوثيقة بين العاهل البحريني ورؤساء معهد “فازنتال” اليهودي في لوس أنجليس، وتحديدا الحاخامين ماريون هير وأبراهام كوفر، لعبت دورا كبيرا في دفع ملك البحرين إلى تحسين علاقته بإسرائيل. وربطت القناة بين الحرص البحريني على تعزيز العلاقة مع إسرائيل والتقاء المصالح المشتركة بين الجانبين في مواجهة إيران و”التطرف الإسلامي”، على حد قولها. إلى ذلك، منع ناشطون مقدسيون وحراس من المسجد الأقصى، اليوم، الوفد البحريني من دخول الأقصى، منددين بتطبيعه مع الاحتلال. وكان المعلق الإسرائيلي بن كاسبيت قد كشف مؤخرا، في تقرير نشره موقع “يسرائيل بالس”، النقاب عن أن معهد “فيزنتال” يقوم سراً بتنظيم رحلات من البحرين إلى إسرائيل، مشيراً إلى أن كثيراً من البحرينيين قاموا فعلاً بزيارة إسرائيل سراً، بفعل الآلية التي اعتمدها القائمون على معهد “فيزنتال”.
الرد الرسمي
وأدت زيارة وفد جمعية (هذه هى البحرين) إلى ظهور وسم (هاشتاج) البحرين تقاوم التطبيع الذى لجأ إليه مستخدمو تويتر لإبداء احتجاجهم على ما وصفها البعض “بالخيانة” للفلسطينيين والبحرينيين،  و بعد غضب شعبی ضد هذه الزیارة،‌ ذكرت وكالة الإنباء البحرينية، أن وفد جمعية “هذه هى البحرين”، الذى زار إسرائيل والقدس المحتلة مؤخراً لا يمثل أى جهة رسمية فى مملكة البحرين وإنما يمثل الجمعية ذاتها وقام بتلك الزيارة بمبادرة ذاتية، وأوضحت وكالة الأنباء الرسمية، أنه حول ما أثير فى بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى بشأن زيارة وفد الجمعية لإسرائيل والقدس المحتلة، فإن الجمعية تؤكد أن الوفد الذى ضم فى عضويته بعض الأجانب المقيمين بالمملكة من ديانات مختلفة ولا يمثل أى جهة رسمية وقام بتلك الزيارة بمبادرة ذاتية.
المعارضة البحرینیة: الوفد البحريني الذي زار القدس يمثل النظام الحاكم
رغم ما ذکرت وکالة الانباء البحرینیة، أعربت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة في البحرين الأحد (۱۰ ديسمبر/ كانون الأول ۲۰۱۷) عن رفضها الشديد لزيارة وفد بحريني حكومي إلى القدس، مشيرة إلى أن  “الشرذمة التي ذهبت القدس ومن ورائها النظام البحريني لا يمثّلون شعب ابحرين”. الوفاق أكدت أن شعب البحرين بسنّته وشيعته سيبقى وفيّا للقضية الفلسطينية وأن أي مسعى للتطبيع يشكل خيانة للقضية الفلسطينية وخيانة عظمى لشعب البحرين، وعبرت الوفاق عن دعمها انتفاضة الشعب الفلسطيني والحراك الممتد في عالمنا العربي والإسلامي والعالم في الدفاع عن القدس.
کما تفاعل عشرات النشطاء والمثقفين وقادة الرأي البحرينيين مع الحملة التي أطلقت لرفض الزيارة التطبيعية التي يقوم بها وفد رسمي بحريني بطلب من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، لإيصال رسالة تسامح للإسرائيليين، بحسب ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية أمس السبت،‌ وشدد المتفاعلون مع الحملة على الوسم (#البحرين_تقاوم_التطبيع) على الرفض الشعبي للزيارة التي قام بها الوفد البحريني وتخللها جولة في مدينة القدس المحتلة ولقاء شخصيات إسرائيلية، في ظل القرار الأمريكي باعتبارها عاصمة للكيان المحتل، الذي يلقى شجبا عربيا واسعا، وفي غضون ساعات قليلة على إطلاقه، تصدر الوسم المرتبة الاولى للمواضيع الأكثر تفاعلا على مستوى البحرين في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”. ونشر المشاركون في الحملة صيغة موحدة، تبادلوا فيها الصور التي تؤكد وقوف الشعب البحريني مع شقيقه الفلسطيني، ورفض كل أشكال العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
الرد الفلسطيني
وصفت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، اليوم الأحد، زيارة وفد بحريني لـ”إسرائيل” بشكل علني أنها آثمة وانحراف وخروج عن قيم العروبة والإسلام، والتي تأتي في ظل انتفاضة القدس التي اشتعلت رفضاً للقرار الأمريكي، وقالت الحركة في بيان صحفي: في الوقت الذي تشتعل فيه الانتفاضة الفلسطينية رفضاً لقرار ترامب وفي مواجهة العدوان والإرهاب الصهيوني، وفي الوقت الذي تعلو فيه أصوات الشعوب العربية والإسلامية الرافضة للقرار الأمريكي العدائي والباطل، تأتينا طعنة جديدة سببها التطبيع الخليجي المخزي مع الاحتلال الصهيوني، من خلال زيارة وفد بحريني، ودانت الحركة، بشدة هذه الزيارة، واصفةً إياها بالآثمة، واعتبرتها انحرافاً وخروجاً عن قيم العروبة والإسلام.
کما أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إقدام شخصيات بحرينية على زيارة الكيان الصهيوني، والتجوّل برفقة وحماية الشرطة الصهيونية في مدينة القدس المحتلة، ورأت في ذلك نقلة خطيرة في مسار التطبيع الذي ترعاه حكومة وملك البحرين، حتى وإن حاولت إعطائه بُعداً شعبياً ودينياً زائفاً، وأكدت الجبهة أنها على ثقة بأنّ شعب البحريني الشقيق وحركته الوطنية قادر على محاصرة سياسة التطبيع وإفشالها، ومحاصرة وإسقاط من يقف ورائها، ولن تمنعه في ذلك حملات القمع والمطاردة، والاعتقالات الواسعة التي طالت المناضلين البحرانيين، ولا إغلاق جمعياتهم السياسية، والتي كان أحد أهدافها إزاحة العقبات أمام التطبيع مع الكيان الصهيوني كما تتوهم السلطات البحرانية، ودعت الجبهة السلطات البحرينية إلى استخلاص العبر من النهاية التي وصل لها روّاد التطبيع، ومن أنّ الشعوب لا تترك مصائرها بيد من يخون قضاياها الوطنية والقومية، وختمت الجبهة بتوجيه التحية إلى شعب البحرين الشقيق وقواه التي أدانت ورفضت زيارة وسياسة التطبيع، وإلى وقوفه الدائم مع الشعب الفلسطيني ودعم نضاله والدفاع عن حقوقه الثابتة، كما توجّهت بالتحية إلى قوى التحرر العربية التي تواجه هذه السياسية ومروجيها، وكذلك إلى أهلنا في القدس الذين منعوا وفد التطبيع البحريني من دخول الأقصى.
من جهته علق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق‏، على زيارة الوفد البحريني لإسرائيل، قائلًا إنهم لا يمثلون شعب البحرين الذي شارك في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وكتب أبو مرزوق، تغريدة عبر حسابه الشخصي على موقع “تويتر”، قال فيها إنه “لا يستحق وفد التطبيع البحريني الزائر لأرضنا المحتلة هذا الاهتمام، ويجب عدم ذكره في الإعلام، أو الإشارة له في الأخبار”. وتابع “أبو مرزوق” حديثه قائلًا في تغريدة أخرى: إنه “كما منع الوفد البحريني من دخول الأقصى لا يسمح له بدخول القطاع الثائر، وهؤلاء لا يمثلون شعب البحرين الذي شاركنا في كل المواقع، فنذكره في سفن وقوافل كسر الحصار، وتعزير صمود شعبنا”.
ترحيب إسرائيلي
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحم إن تل أبيب ترحب بزيارة الوفد البحريني وبأي اتصال مع الدول العربية، معربا عن أمله في أن تكون الزيارة بداية التطبيع مع كافة دول الخليج، وأضاف بن مناحم أن هناك تغييرا جذريا اليوم في العالم العربي، وهناك مصالح مشتركة لإسرائيل مع دول الخليج -وعلى رأسها السعودية- لأن هناك تهديدا إيرانيا كبيرا على المعسكر السني المعتدل “فالخطر مشترك والمصلحة مشتركة كذلك”. وأكد أنه لا مشكلة لإسرائيل في أن تكون هذه العلاقات السرية علاقات علنية، معتبرا أن المشكلة تكمن في الأنظمة العربية التي لا تريد أن تكون تلك العلاقات علنية خوفا من تداعياتها في الشارع العربي والفلسطيني.
ولکن التطبيع يتواصل
يعود تاريخ التطبيع بين المملكة الخليجية الصغيرة وكيان الاحتلال، إلى أكتوبر/تشرين الأول من عام ۱۹۹۴، وقتما استقبلت البحرين وزير البيئة “الإسرائيلي” يوسي ساريد، بدعوى “المشاركة في أعمال لجنة البيئة المنبثقة عن المفاوضات متعددة الأطراف، بعد اختيار المنامة (عاصمة البحرين) لتكون مقرا لاجتماعات لجنة البيئة وخلال هذه الزيارة أجرى ساريد محادثات مع وزير الخارجية البحريني وقتها محمد بن مبارك آل خليفة في أول اتصال يجري بين الجانبين على مستوى وزاري”، وفقا لما وثقه الدكتور مصطفى الشمري في كتابه “عسكرة الخليج..الوجود العسكري الأمريكي في الخليج”.
وعقدت شركة “هنكوف” “الإسرائيلية” المتخصصة في إنتاح المعدات العسكرية، صفقة مع قوة دفاع البحرين “الجيش البحريني” تصدر بموجبها إليها ۱۰۰ مطبخ ميداني متنقل للجيش البحريني، بحسب ما جاء في المصدر السابق.
وفي ۲۹ يناير/كانون الثاني من عام ۲۰۰۰، التقى ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة بعد أقل من عام على توليه منصبه، مع وزير التعاون الإقليمي الصهيوني آنذاك شمعون بيريز، على هامش اجتماعات مؤتمر “دافوس” العالمي، وهو ما أكده ولي العهد البحريني، لصحيفة الحياة السعودية في الصفحة الأولى من العدد ۱۳۴۷۳، عقب يوم من اللقاء، قائلا للصحيفة إن “نزوع البحرين إلى تبني فكرة التعاون الإقليمي مع “إسرائيل” سببه إظهار “الإسرائيليين” جدية واضحة في السير قدماً في مسيرة السلام”. وأشار إلى أنها “ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤولون من الجانبين على طاولات المفاوضات”.
وتكشف برقية صادرة في مارس/آذار من عام ۲۰۰۵ عن السفارة الأميركية في البحرين وموجهة إلى الخارجية الأميركية، رقمها ۰۵MANAMA۳۹۷، نشرها موقع ويكليكس، أن مساعد وزير الخارجية الشيخ عبد العزيز بن مبارك آل خليفة قال إن وليّ العهد سلمان التقى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، خلال مؤتمر دافوس الأخير، وظهر معه في برنامج على قناة “سي إن إن” في عام ۲۰۰۵ كذلك التقاه خلال دافوس الذي انعقد قبل تجدد العنف بين “إسرائيل” والفلسطينيين في عام ۲۰۰۰. وقال له (لبيريز) إن كل خطوة تتخذها “إسرائيل” في اتجاه الفلسطينيين، ستقابلها البحرين بخطوتين. ولفت عبد العزيز إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تضمن للعرب الذين يقيمون علاقات مع إسرائيل المكافأة.
وأعلنت البحرين في سبتمبر/أيلول من عام ۲۰۰۵ عبر نائب رئيس مجلس الوزراء محمد بن مبارك آل خليفة أن المملكة اتخذت قرارا برفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية وإغلاق مكتب المقاطعة الإسرائيلية، وبرر الوزير بن مبارك القرار بعد حالة غضب نيابي وشعبي بأنه خطوة ضرورية لتمرير اتفاق التجارة الحرة في الكونغرس الأميركي، وهو ما أكدته مجلة “غلوب” الاقتصادية الصهيونية، في تقرير لها من واشنطن نشر في ۲۳ مايو/ أيار من عام ۲۰۰۶، إذ أكد مكتب الممثل التجاري الأميركي في اتصال مباشر بعدد من المراسلين، بمن فيهم مندوب مجلة المجلة، إغلاق البحرين مكتب مقاطعة “إسرائيل”، تنفيذاً للوعد الذي حصلت عليه أميركا قبيل تصديق الكونغرس على اتفاق التجارة الحرة.
وبالرغم من تصريح وزير الخارجية البحريني في ۹ مايو/أيار من عام ۲۰۰۶، أمام مجلس النواب بأن المقاطعة خاضعة لقرارات الجامعة العربية، إلا أن مصدرا في مكتب الممثل التجاري الأميركي أكد أن أي تصريح بشأن عدم إغلاق مكتب مقاطعة البضائع الإسرائيلية في البحرين ليس صحيحاً على الإطلاق، وأن السفارة الاميركية في المنامة أكدت إغلاق المكتب، حتى أن اللوحة الخاصة بالمكتب تمت إزالتها وتم تعطيل رقم الهاتف الخاص به، ونقل الموظف الذي كان يجلس فيه إلى عمل آخر”.
وتكشف برقية تحمل الرقم ۰۵MANAMA۲۳۰، مؤرخة في ۱۶ فبراير/شباط ۲۰۰۵، عن فحوى ما جرى خلال دعوة للملك حمد بن عيسى آل خليفة للسفير وليام مونرو في قصره، إذ يقول السفير إن الملك أعطى تعليماته إلى وزير الإعلام، محمد عبد الغفار، ليعمل على ألا تشير البيانات والإعلانات الرسمية الصادرة عن الوزارة إلى “إسرائيل” كعدو أو الكيان الصهيوني، مؤكداً أن البحرين لديها علاقات مع “إسرائيل” على المستوى الأمني والاستخباري (أي الموساد).
وعقد وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة اجتماعا مع اللجنة اليهودية الأميركية في نيويورك أثناء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر من عام ۲۰۰۷، وفي نوفمبر/تشرين الثاني زار الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقر مؤسسة “American Friends of Lubavitch” الداعمة لكيان الاحتلال في الولايات المتحدة.  وصرح في خلال اللقاء وفقا لما نقله موقع collive قائلا “أتمنى أن يختار عدد أكبر منكم المجيء إلى البحرين. فلدينا أرض مخصصة لمن يعود منكم إلى البحرين، إنكم موضع ترحيب مثل مواطنينا”.
والتقى الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني بشكل سري في نيويورك ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وفق ما كشفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية في يناير من عام ۲۰۰۹، كما دعا ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة القادة العرب إلى “مخاطبة “الإسرائيليين” من خلال وسائل الإعلام “الإسرائيلية” لتسهيل جهود السلام في منطقة الشرق الأوسط”، وفق ما جاء في مقال نشره في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية قائلا “نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع الشعب الإسرائيلي”.
وعقب ذلك بعام وفي فبراير/شباط من عام ۲۰۱۰، شارك وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة في حفل عشاءٍ بمقر حركة “حباد” الداعمة “لإسرائيل”، والتي ستكثر اللقاءات معها وفقا لما وثقه معد المادة، كما التقى وزير الخارجية بأعضاء بارزين في منظمة “آيباك”، و”اللجنة اليهودية الأميركية”، ومنظمة “بني بريت” وصرح خلال حفل عشاء على هامش اللقاءات هذه “على الجميع أن يدركوا أن إسرائيل لها وجود تاريخي في منطقة الشرق الأوسط”.
وتكررت المبادرات التطبيعية البحرينية مع كيان الاحتلال خلال أعوام، ۲۰۱۳ و۲۰۱۴، وعام ۲۰۱۵ الذي تم الكشف فيه عن سعي حملة “هذه هي البحرين” الدعائية؛ إلى توقيع مذكرة تفاهم مع منظمة “ميمري” الصهيونية في الولايات المتحدة، من أجل إطلاق حملة علاقات عامة لتحسين صورة البحرين في العالم، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، غير أن المنظمة نشرت، مقالا بعنوان “سياسة الخداع البحرينية”، هاجمت فيه النظام واتّهمته بالتضليل والكذب سواء حول توقيع اتفاق معها أو مع كنيس يهودي، وأشارت فيه إلى أن رجل الدين الأبرز في تنظيم داعش المتطرّف هو بحريني، (تركي البنعلي المعروف بمفتي داعش والذي قتل في يونيو/حزيران الماضي)
وشهد عام ۲۰۱۶ تصاعدا كبيرا في التطبيع البحريني الصهيوني، إذ التقى ملك البحرين مع الحاخام مارك شنير في مارس/آذار، في قصره بالمنامة، بحسب ما كشلته صحيفة جيروزليم بوست الصهيونية، التي نقلت عن الحاخام قوله إن العاهل البحريني قال له: “إنها مسألة وقت قبل أن تبدأ بعض الدول العربية بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل”. وفي سبتمير/أيلول من العام ذاته، صُدم البحرينيون بتغريدة من وزير خارجيتهم الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، قال فيها بالإنكليزية: “ارقد بسلام أيها الرئيس شيمون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال صعب المنال في الشرق الأوسط”.
وانتقد بحرينيون وعرب “تطبيع” الوزير، الذي بالغ حتى الثناء أيضا على دور بيريز في الحرب التي أزهقت أرواح العرب، وكتب مستخدم من البحرين يعرف نفسه فاضل خليل “كيف يرقد بسلام وصرخات الأمهات الثكالى تطارده؟ كيف يرقد بسلام ودماء الشهداء في فلسطين ولبنان تستصرخ الانتقام؟”. ورد مستخدم آخر، “تترحم على مرتكب مجزرة قانا (في جنوب لبنان)؟ تترحم على من ساهم في تهجير شعب عربي من أرضه؟ تترحم على قيادي في كيان محتل؟”.
وغرد الناشط ماجد الركبان، بالقول “تغريدة في غير محلها، كل الشرف والمجد لشهداء فلسطين ولبنان ومصر رحمهم الله جميعا، ورفع درجاتهم في جناته واقتص ممن ظلمهم”. غير أن الصدمة الأكبر تمثلت في تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر حاخامات يهودا، يرقصون مع شخصيات بحرينية، على أنغام أغنية لما يسمى “جبل الهيكل” في القدس، وكشف ناشطون أن الوفد مثل حركة “حباد” الصهيونية المتطرفة، وهو ما قابلته ردة فعل احتجاجية عبر هاشتاغي #البحرين لا ترحب بكم، و#بحرينيون ضد التطبيع، اللذين كانا الأكثر تداولا على تويتر بعد الكشف عن الفيديو في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
في الرابع عشر من يوليو/تموز الماضي، أغلقت الشرطة “الإسرائيلية” المسجد الأقصى، لأول مرة منذ عام ۱۹۶۹، ومنعت إقامة الصلاة فيه، بعد عملية الأقصى، التي أسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، ومقتل شرطيين إسرائيليين، في اشتباك مسلّح بالقرب من الأقصى.
ورغم حديث فعاليات مقاومة التطبيع عربيا وبحرينيا، بأن إدانة الممارسات الصهيونية، لن يكفي هذه المرة نظرا لجسامة الحدث، إلا أن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة غرد قائلا بالعربية هذه المرة “الصلاة في المسجد الأقصى حق للمسلمين لا يمس ولا يمنع، أما مسألة قتل شرطة الاحتلال فتحكمها المعاهدات وبالأخص اتفاقية جنيف الرابعة”، وهو ما استدعى ردودا غاضبة عربية وبحرينية من بينها ما كتبته المغردة عبير الجلال، عضو هيئة مركزية سابقة في تجمع الوحد الوطنية البحريني، والتي وصفت التغريدة “بغير الموفقة”، كما قالت مغردة بحرينية عرفت نفسها بـ”بنت الأجاويد”: “الحق أبلج معاليك وتغريدتك غير موفقة .. لا جزاء للمحتل غير ذلك”.
علاقة السعودية وإيران بالتطبيع
يأتي إقدام نظام الحكم البحريني على تكثيف اتصالاته بأرفع المستويات الرسمية في “إسرائيل” بهدف العمل على “مأسسة التبادل التجاري والزيارات المتبادلة بين الجانبين” وفقا لما كشفه بن كاسبيت، المعلق السياسي والأمني لموقع “يسرائيل بالس”، والذي نقل عن مصدر رسمي “إسرائيلي” أن “البحرين تعبّر في الواقع عن مواقف السعودية الحقيقية تجاه إسرائيل”، مشدداً على أنه لا يمكن الافتراض أن إقدام البحرين على هذه المواقف تجاه إسرائيل جاء من دون الحصول على الضوء الأخضر من الرياض.
وأشار كاسبيت، إلى أن حرص البحرين ودول “المحور السني المعتدل” على تطوير العلاقات بإسرائيل يعدّ “تحوطاً لتبعات توجه الولايات المتحدة للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، في أعقاب الإعلان المرتقب عن الانتصار على تنظيم داعش”. وحسب كاسبيت، فإن “نظام الحكم في المنامة يرى نفسه الأكثر عرضة للتهديد، ما جعله يرى في العلاقة مع إسرائيل فرصة لضمان حمايته من إيران”.
ويؤكد مصدر دبلوماسي بحريني مطلع على محادثات المملكة مع “إسرائيل” أن الاتصالات الحالية بين مسؤولين حكوميين في البلدين تركز على تبادل الزيارات بين رجال الأعمال والشخصيات الدينية قبل البدء رسميا في الإعلان عن استثمارات مباشرة بين البلدين.
وقال المصدر الذي فضل عدم كشف اسمه لحساسية القضية  لـ”العربي الجديد” إن المملكة لا تمانع في وجود استثمارات إسرائيلية طالما أنها موافقة لقوانين الاستثمار المحلية”.
ولا توجد أي قوانين في البحرين تحظر التطبيع والتعامل مع الحكومة الإسرائيلية أو مواطنيها، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وطالما سعى مجلس النواب لسنوات طويلة من أجل إصدار قانون لا يجيز التطبيع مع إسرائيل، ولكن الحكومة رفضت تمريره.
وكان النائب السابق ناصر الفضالة عضو الهيئة التنفيذية لـ”رابطة برلمانيون من أجل القدس” تقدم في عام ۲۰۰۶، بقانون مكافحة كافة أنواع التطبيع بالبلاد، ويمنع القانون الذي لم ير النور، التطبيع ويدعو لمقاطعة العدو الصهيوني على كافة الأصعدة، وحصل على تزكية كافة النواب في المجلس، “ولكن الجهات المسؤولة، والسلطة التشريعية الأخرى (مجلس الشورى المعين من قبل الدولة) وضعوا بعض العراقيل وركنوا القانون”، وفقا لما قاله الفضالة في تصريحات صحافية.
ويشير المصدر الحكومي إلى أن المنامة “لا تمانع أن يسافر مواطنوها إلى “إسرائيل”، ولكنه استطرد قائلا إن “تسيير رحلات مباشرة بين البلدين يحتاج وقتا أطول”.
التطبيع يوحد الموالاة والمعارضة
يتحد المؤيدون للحكومة البحرينية ومعارضوها معا لدى معارضة التطبيع، كما يقول الناشط السياسي المعارض علي الفايز مؤكدا أن القضية الفلسطينية ورفض التطبيع يوحدان البحرينيين في مواجهة النظام، ويؤكد نائب الأمين العام لجمعية المنبر الوطني الإسلامي (موالاة) النائب السابق الفضالة، أن التطبيع مع الاحتلال “تيار مؤسف يتجه له بعض المسؤولين دون التفكير في تبعاته”، ووصف في تصريحات صحافية لموقع “الخليج أونلاين” اعتزام بلاده تدشين مركز للحوار بين الأديان، أنه “يدخل في مجال التطبيع ويسيء للمملكة”.
وأضاف على هامش ندوة بحثية، في مدينة إسطنبول، بعنوان: “التطبيع.. استراتيجية الاحتلال”، في ديسمبر الجاري “بغض النظر عن الاسم الذي سيكون تحته هذا المركز”، فإن تدشين مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي الذي سيُفتتح في شهر نوفمبر من العام الجاري ۲۰۱۷. سيكون استثمارا لصالح دولة الاحتلال، في حين يقع مسؤولونا بحرج مع الشعب، الذي يرفض أشكال التطبيع كافة”.
“التوجهات الشعبية بالبحرين عموماً ترى أنها خطوة غير موفَّقة، التطبيع “يخدم العدو الصهيوني ولا نستفيد منه شيئاً”، هكذا أضاف الفضالة النائب السابق عن الشعب البحريني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى