عبدالناصر سلامة
نقلا عن المصرى اليوم
بصراحة، لم أعد أفهم مَن يتدخل فى شؤون مَن بالمنطقة العربية، الاجتماع الطارئ المزمع انعقاده اليوم بجامعة الدول العربية، المفترض أن يبحث التدخل الإيرانى فى شؤون المنطقة، وهو أمر مهم ولا شك فى ذلك، إلا أننا يجب ألا نغفل دور المال العربى فى أزمات المنطقة إذا كنا بالفعل نبحث عن حل، ذلك أن أحداً لا يستطيع إنكار أن المال العربى كان الفاعل الرئيسى فى كل الأزمات الراهنة، كما كان التدخل الأجنبى أيضاً بمباركة عربية، وهو أمر لا يقل خطورة.
المال العربى كان وقوداً للحرب الدائرة فى سوريا ومقتل نحو ٦٠٠ ألف شخص، وتهجير عشرة ملايين على الأقل، المال العربى موجود منذ البداية فى ليبيا وكان سبباً فى كل الخراب هناك، الطائرات الحربية العربية دمرت البنية التحتية للشعب اليمنى وقتلت الآلاف من البشر، وهدمت آلاف البيوت على رؤوس من فيها، المال العربى كان واضحاً طوال الوقت فى الأزمة اللبنانية، ليس بهدف تهدئة الأوضاع هناك، وإنما للهيمنة وفرض سياسات بعينها، المال العربى أصبح سيئ السُمعة حتى فى دول أوروبا، بل وكل دول العالم دون أى إنكار، بل وصلت الأمور إلى اتهامات عربية متبادلة بالوقوف خلف الإرهاب هنا وهناك.
أعتقد أن أى اجتماع عربى يجب أن تسوده الصراحة والمواجهة، ذلك أن دفن الرؤوس فى الرمال لن يسفر إلا عن مزيد من اشتعال الأزمات، أى اجتماع عربى يجب أن يعلن أولاً عن انسحاب المال الخليجى من أزمات المنطقة، ثم بعد ذلك نطالب إيران وغير إيران بالانسحاب المماثل، ليست إيران فقط هى المتواجدة فى بعض دول المنطقة، لماذا لم نسمع أحداً يتحدث عن الوجود الروسى فى سوريا، أو الأمريكى فى العراق، أو الأمريكى البريطانى الفرنسى فى كل دول الخليج، فى اليابسة والمياه على حد سواء، لماذا استدعت قطر قوات تركية وإيرانية، ولماذا سمحنا لأكراد العراق باستدعاء إسرائيل؟.
أزمات المنطقة لم يعد ممكناً التعامل معها بالمُسكنات ولا بالمجاملات، لابد من الجلوس على كرسى الاعتراف أولاً، وأن يقر كل منا بمساوئه حتى يمكن أن يستجيب الآخرون، لم يعد ممكناً حل الأزمة مع إيران إلا إذا عالجنا أزماتنا الثنائية أولاً، الأزمة الخليجية- الخليجية، الخليجية- اليمنية، الخليجية- الليبية، الخليجية- السورية، الخليجية- العراقية، كما هو واضح فإن دول الخليج، تحديداً السعودية والإمارات وقطر، أصبحت طرفاً رئيسياً فى كل الأزمات.
بعد ذلك سوف يكون من الطبيعى تسوية الأزمة مع إيران ومع تركيا فى آن واحد، وقد يتطلب ذلك أيضاً حل أزماتنا الداخلية المتفاقمة، إلا أننا للأسف نقفز على كل ذلك بعلاقات علنية وسرية مع إسرائيل، لاستمالتها عسكرياً، متوهمين أنها يمكن أن تدخل حرباً بالوكالة لحساب العرب أو مقابل المال العربى، أيضاً قفزنا على كل ذلك بصفقات سلاح واستثمارات وإتاوات مع الدول الكبرى، متوهمين أن أمر العرب يعنيهم من قريب أو بعيد.
نحن أمام خلط واضح للأوراق، يؤكد أن العرب إما لم يستوعبوا دروس التاريخ، وإما أن الذين يديرون الشأن السياسى دون المستوى فيما يتعلق بالتعامل مع الحاضر وقراءة المستقبل، لذا فإننا يجب أن نشيد بالدور المصرى فى رفض ذلك التصعيد الحاصل بالمنطقة، وأعتقد أن الجولة الخليجية لوزير الخارجية سامح شكرى تصب فى هذا الاتجاه، الذى يلقى ترحيباً شعبياً، ليس فى الداخل المصرى فقط، وإنما فى الأوساط الشعبية العربية بشكل عام، وهو الأمر الذى كان يجب أن تقرأه العواصم الآخذة فى التصعيد والداعمة له فى آن واحد، ذلك أن المواطن العربى من المحيط إلى الخليج لا يرى ما يدعو إلى كل هذا التوتر، اللهم إلا المتشددون طائفياً على الجانبين.
هى دعوة إلى تحكيم العقل والضمير، دعوة لإعمال لغة المنطق، دعوة لحقن الدماء، دعوة للحفاظ على ما تبقى من ثروات المنطقة، دعوة إلى نزع فتيل الطائفية والتشدد، دعوة إلى عدم الانسياق خلف الكفيل الأجنبى، دعوة إلى عدم الوقوع فى الفخ نفسه الذى وقعنا فيه فى السابق، منذ الغزو العراقى للكويت، ومازلنا نعانى من تبعاته حتى الآن، دعوة للبناء وليس الهدم، دعوة للعمل من أجل الأجيال القادمة بدلاً من العودة للوراء، دعوة لصون الأعراض وصناعة مستقبل أفضل لأبنائنا، بدلاً من توريثهم الحقد والغل والثأر وقسوة القلوب، دعوة للتسامح ونشر بذور الحُب والود والإخاء.
بالتأكيد لن تتحقق هذه الدعوات، ولن تكون هناك استجابة لها أو لغيرها دون مصارحة ومكاشفة، ليكن الاجتماع العربى اليوم بداية لعلاقات تنطلق من المصداقية أولاً، أما وإن كان البيان الختامى جاهزاً من الآن، يبارك الاعتداء على لبنان أو توقيع عقوبات عليها، أو حتى دعم العدوان على إيران، فإننا بذلك ننفذ أجندة أمريكية- إسرائيلية ليس إلا، ندمر أنفسنا بأنفسنا، وكأن التاريخ يعيد نفسه، حين باركت اجتماعات الجامعة العربية تدمير العراق، ثم بعد ذلك دعت قوات الناتو لتدمير ليبيا، قبل أن تقرر تعليق عضوية سوريا، وها هم العرب لا يريدون استيعاب دروس الماضى، متجاهلين أن العدو واضح أمامهم طوال الوقت، يحتل أقدس أراضيهم، ويرتع بأحذيته فى قبلتهم الأولى، إلا أنها النفس الأمارة بالسوء.