واشنطن – ياســـر عبدالله
نشرت مجلة فورين بوليسي مقالاً للكاتب سيمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بعنوان “زيارة ميدانية للخطوط الأمامية للحرب الباردة بين قطر والسعودية”، استهله بالقول إن نهاية الخلاف الدبلوماسي بين قطر وحلفائها العرب السابقين لا يبدو وشيكاً، أو على الأقل هذا هو ما استشفه الكاتب من زيارته السريعة خلال الأسبوع الماضي إلى كل من لندن والبحرين وأبوظبي ودبي. ويتشدد كل طرف في موقفه مع تجاهل الفائدة التي تعود على إيران، العدو المشترك لجميع الأطراف بما في ذلك قطر، والتأثير المحتمل الذي سيحدث في واشنطن، حيث تستند السياسة الأمريكية تجاه الخليج العربي إلى فكرة أن الحلفاء الخليجيين سيحافظون على الأقل على وحدتهم رغم خلافاتهم التاريخية. كما تساهم الرسائل المختلطة الصادرة عن واشنطن في تقويض الجهود الدبلوماسية الرامية لحل الأزمة.
ورغم الحظر التجاري وإغلاق المجال الجوي وطرق الشحن، فإن المعركة الرئيسية بين الطرفين تدور رحاياها الآن في ميدان العلاقات العامة. وينفق الطرفان الملايين من الدولارات للترويج لقضيتهما: في واشنطن، تُنشر الإعلانات المعادية للدوحة بشكل دوري على شبكة سي إن إن؛ وفي نيويورك، كما عُرضت اللافتات المضيئة على جانب ناطحات السحاب خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي. ويشير الكاتب إلى أنه توجه إلى لندن لحضور مؤتمر قطر العالمي للأمن والاستقرار الذي عُقد يوم 14 سبتمبر في فندق إنتيركونتيننتال الواقع قرب الضفة الجنوبية لنهر التايمز. وكان هذا المؤتمر اجتماعاً للمعارضة القطرية التي يُفترض أنها تتلقى تمويلاً وفيراً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن دون وجود بصمات سعودية-إماراتية واضحة. ويشير الكاتب إلى أن زعيم المعارضة هو رجل الأعمال القطري المنفي، خالد الهيل، الذي يبلغ من العمر 29 عاماً ويملك ابتسامة واسعة، والذي ينتقد جماعة الإخوان المسلمين التي تعطي الدوحة ملاذاً لأعضاءها. وكان بين الحضور أيضاً، على الدنيم، الذي قدم نفسه كنائب لزعيم المعارضة وقال إنه ضابط سابق في الاستخبارات القطرية.
وكان من بين المتكلمين العديد من قدامى المحاربين السياسيين البريطانيين، كما حضر عدد قليل من الأمريكيين ومواطن إسرائيلي كذلك. وشملت هذه المجموعة المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية، دوف زاخيمي؛ والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة، بيل ريتشاردسون؛ والجنرال الأمريكي المتقاعد، تشاك والد؛ والمتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جيمس روبين. وكان الهدف من هذه المناسبة هو على ما يبدو التأثير في طبيعة النقاش بدلاً من الدفع بتحرك سياسي. وسأل الكاتب أحد منظمي المؤتمر عن سبب عدم حضور الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، عضو العائلة القطرية الحاكمة الذي يبدو أن السعودية تعده ليكون أميراً بديلاً للبلاد، وأجاب أن ذلك “كان من شأنه أن يكون أكثر من اللازم”. وبعد يومين، كانت أزمة قطر هي موضوع النقاش الرئيسي في مؤتمر اقتصادي في المنامة، عاصمة دولة البحرين، حيث يُحظر الآن نشر أية معلومات إيجابية عن قطر. وخلال مأدبة غداء هناك، أعرب أحد أعضاء عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين عن ثقته بأن الضغط على قطر سيدفع الدوحة إلى الرضوخ.
ويوضح الكاتب أن الفجوة بين الخطاب والواقع قد تجلت عندما انتقل عبر طيران الخليج، وهي الناقل الوطني للبحرين، من المنامة إلى أبوظبي. فقد أظهرت الخريطة المتحركة على ظهر المقعد أمامه أن الطائرة تحلق في شمال قطر؛ فرغم أن البحرين تمنع الخطوط الجوية القطرية من عبور مجالها الجوي، منحت المملكة لنفسها إستثناءات خاصة بالحركة الجوية فور إعلان المقاطعة. وبالمثل، وعلى الرغم من تجميد العلاقات، تواصل قطر تصدير الغاز الطبيعي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية هناك. ويرى الكاتب أن أحد المؤشرات الأساسية على مدى استمرار الأزمة هو درجة الضرر الاقتصادي الذي يلحق بأطرافها. ويقول محللون إن وضع قطر بات ضعيفاً: فلا يزال لديها الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للإعداد لكأس العالم لكرة القدم لعام 2022؛ وقد توقفت واردات مواد البناء، ولكن المواد الغذائية وغيرها من الضروريات ما تزال تنتقل إليها عبر إيران، وكذلك الكويت وسلطنة عمان.
ويواجه الاقتصاد البحريني عجزاً في الميزانية مثيراً للقلق، ولكن السعودية ستخفف أية خسائر قد تلحق بالمنامة. وتستضيف مدينة دبي معرض إكسبو الدولي 2020، وربما أن حاكمها الشيخ محمد بن راشد, قد يساوره القلق، من أن تضر أزمة قطر بسمعة دبي كمدينة تفتح ذراعيها دائماً للأجانب من مختلف أنحاء العالم. ولا تقر الشركات السعودية بأية آلام قد تؤرقها نتيجة إغلاق المملكة العربية السعودية لحدودها البرية مع قطر. ويمكن القول إن الأزمة لن تنتهي إلا عندما يرفع أحد اللاعبين الرئيسيين – محمد بن سلمان أو محمد بن زايد أو تميم بن حمد- راية الاستسلام. فقد يقرر بن سلمان أنه لا يريد المجازفة بخسارة العرش السعودي؛ أو قد يتعرض بن زايد لضغوط من حاكم إمارة دبي، محمد بن راشد؛ أو قد يجد بن حمد طريقاً للخروج من ظل والده وهيمنته وأن يحظى بمزيد من الحرية للمناورة دون أن يبدو أنه قدَّم تنازلات.
ويختتم الكاتب مقاله مشيراً إلى أن الفائزين الوحيدين حتى الآن في هذه الأزمة هم جماعات اللوبي التي تحصد أموالاً وفيرة مقابل تقديم المشورة ووضع الاستراتيجيات وإنشاء مواقع إلكترونية للمعارضة وتنظيم المؤتمرات. فبينما يعتقد محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أن بإمكانهما مواصلة الضغوط لفترة طويلة من أجل إجبار تميم على تقديم تنازلات، يتطلع المستشارون الذين يقدمون لهما النصح إلى المكافآت التي سيتلقونها في نهاية العام، وربما في عام 2018 أيضاً.