في تحليل سياسي للهيئة العامة للاستعلامات: 6 قضايا و22 قمة ثنائية وجماعية في زيارة السيسي لنيويورك
أشرف أبو عريف
مصر في الامم المتحدة في 4 سنوات:
2014: مصر تناشد العالم الاستماع اليها وتفهم أوضاعها.
2015 – 2016: مصر تحاور العالم وتحظى بدعم متزايد وثقة متصاعدة.
2017: مصر تمتلك زمام المبادرة… ورؤيتها تقود العالم بشأن قضايا المنطقة.
اكتسبت الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نيويورك لحضور الشق رفيع المستوى من أعمال الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة أبعاداً ودلالات مهمة، وأثمرت نتائج تستحق التقييم والتحليل.
ووفقا لتحليل سياسي أعدته الهيئة العامة للاستعلامات، فقد جسدت هذه الزيارة التطور الايجابي في مكانة مصر في محيطها الإقليمي، وموضعها في إطار النظام السياسي العالمي، وطبيعة دورها الريادي الآن في قضايا منطقة الشرق الاوسط والقارة الافريقية والقضايا الدولية الأخرى.
لقد جاءت هذه الزيارة الرابعة على التوالي للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة مختلفة بشكل واضح عن الزيارات الثلاث السابقة عليها، من حيث الأداء الدبلوماسي، والتجاوب الدولي مع الرؤى والطروحات المصرية الصريحة والشجاعة التي عرضها الرئيس السيسي، وكذلك من حيث النتائج المترتبة عليها، لكي تعكس التراكم الإيجابي الذي حدث منذ الزيارة الأولى للرئيس عام 2014.
ففي عام 2014 قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بأول زيارة له إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ألقى خطابا تاريخياً شرح فيه للعالم حقيقة ما جرى في مصر، وشارك في العديد من القمم واللقاءات الجماعية، وعقد نحو 40 لقاء ثنائياً مع قادة وزعماء وشخصيات دولية وأمريكية مهمة. وأسفرت هذه الزيارة عن دعم دولي متزايد لمصر، وتغيير ملموس للصورة الخاطئة التي كانت لدى البعض بشأن الأحداث التي شهدتها في الأعوام السابقة عليها.
في عامي 2015 و2016 قام الرئيس بزيارتين إلى الامم المتحدة، أجرى خلالهما نحو 42 لقاء ثنائياً مع قادة العالم، إلى جانب المشاركة في قمم دولية جماعية، سياسية واقتصادية وبيئية.. وحصلت مصر على ثقة العالم بعضوية مجلس الأمن الدولي خلال عامي 2016-2017، كما حظيت بتفاعل عالمي ودعم ترجم فيما بعد في اتفاقات اقتصادية وتنموية وتسليحية مع العديد من القوى الدولية الكبرى.
أما في هذا العام، 2017، فقد ذهب الرئيس السيسي إلى الامم المتحدة مزوداً برصيد كبير على الصعيدين الداخلي والإقليمي قلما توفر لمصر في السابق، بالرغم من حملات شرسة من بعض وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان الغربية، التي تقف وراءها أطراف معادية مصرية وعربية وإقليمية.
فعلى الصعيد الداخلي، ذهب الرئيس الى نيويورك مدعوماً من شعب قوى متماسك تحمل بمسئولية كل الصعاب التي واجهته، ودولة تتمتع بمستوى عالٍ من الاستقرار المؤسسي والسياسي والامني، في قلب منطقة هي الأكثر اضطراباً في العالم. وذهب الرئيس وفى يديه إنجاز اقتصادي تنموي وضع مصر على طريق الإقلاع للنهوض، أشادت به المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، حيث بدأت تظهر نتائج البرنامج المصري للإصلاح الاقتصادي في شكل مؤشرات إيجابية ملموسة على كافة مستويات وقطاعات الاقتصاد المصري.
وعلى الصعيد الإقليمي، ذهب الرئيس إلى نيويورك بعدما أكدت مصر عملياً على أرض الواقع انها استعادت دورها كطرف لا يمكن تجاوزه أو تجاهل رؤيته في قضايا المنطقة، فهي جزء أساسي من الحل لكل قضايا الشرق الأوسط وفى مقدمتها قضية فلسطين والقضية السورية والأوضاع في ليبيا والعراق واليمن وغيرها.
وعلى الصعيد الدولي، ذهب الرئيس إلى نيويورك ومعه رصيد هائل لبلده في أهم وأخطر قضايا المجتمع الدولي اليوم، وهي قضية مكافحة الإرهاب، بعدما استطاعت مصر أن تملي رؤيتها الشاملة لمكافحة الإرهاب ومعاقبة داعميه ومموليه دولاً ومنظمات وتنظيمات، وبعدما أكدت أحداث الإرهاب في أنحاء العالم صدق وواقعية هذه الرؤية المصرية وحاجة العالم اليها.
3 قمم عالمية و3 لقاءات جماعية و16 لقاءً ثنائياً و 6 قضايا
ويضيف تحليل الهيئة العامة للاستعلامات لزيارة الرئيس إلى الأمم المتحدة، أنه انطلاقا من هذه المعطيات، أدركت القيادة المصرية أن الزمان والمكان مناسبين لترجمة هذا الرصيد المصري الى تحرك واثق، يبرز مكانة مصر للعالم، ويدفعه لتبنى الرؤية المصرية بشأن قضايا المنطقة.
لهذا، كان صوت رئيس مصر عالياً، ومنطقه واضحاً جلياً، في كلماته وخطاباته في كل المحافل التي حضرها في نيويورك، وكان تحركه رصيناً ومكثفاً، بلقاءاته مع كثير من الزعماء والقادة من قارات العالم الخمس.
فخلال هذه الزيارة، شارك الرئيس في 3 اجتماعات رسمية عالمية تابعة للأمم المتحدة حمل خطابه في كل منها رسائل للعالم، ورؤى متكاملة قدمت الحلول العملية للعديد من قضايا المنطقة. جاء هذا في كلمة مصر التي ألقاها الرئيس أمام الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم في اجتماع القمة العالمي بشأن ليبيا، ثم في قمة مجلس الأمن حول إصلاح عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهي المرة الثانية للرئيس ولمصر أيضاً التي يشارك فيها رئيس مصري في قمة لمجلس الأمن الدولي.
كما تحدث الرئيس في 3 لقاءات جماعية أمام مجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي ضمت 22 شخصية مهمة، وفى غداء العمل الذي نظمته غرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الأعمال المصري الأمريكي، وفى حفل عشاء عمل نظمه مجلس الأعمال للتفاهم الدولي.
وعقد الرئيس السيسي 12 لقاء قمة ثنائي مع قادة ومسئولين من مختلف قارات العالم، منهم 4 زعماء من أوربا هم: رؤساء: رومانيا “كلاوس يوهانس”، وقبرص “نيكوس أنستاسيادس”، وصربيا “ألكسندر فوتشيتش”، ورئيس وزراء ايطاليا “باولو جينتيلوني”، ومع 2 من قادة الأميركتين هما: رئيس الولايات المتحدة الامريكية “دونالد ترامب”، ورئيس البرازيل “ميشل تامر”، و4 من قادة ومسئولي الدول العربية هم الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة “عبد الله بن زايد”، والأمير “خالد بن سلمان” نجل العاهل السعودي وسفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة، كما التقى الرئيس السيسي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال حفل الغداء الرسمي لرؤساء الدول المشاركين في الدورة الـ72 للأمم المتحدة، ومن أفريقيا رئيس غانا “نانا أكوفو أدو”، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ” بنيامين نتنياهو” لبحث جهود احياء عملية السلام.
كما عقد الرئيس السيسي خلال زيارته لنيويورك 4 لقاءات مع مسئولين دوليين هم “أنطونيو جوتيرس”، أمين عام الأمم المتحدة، و” جيم يونج كيم” رئيس البنك الدولي، و”دونالد تاسك” رئيس المجلس الأوروبي، بحضور “ديميتريس أفراموبولس” مفوض الاتحاد الأوروبي لشئون الهجرة والمواطنة.
وواضح أن هذه اللقاءات لم تكن كلها سياسية فقط، بل كان الملف الاقتصادي المصري حاضراً في لقاءات الرئيس مع كل من غرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الأعمال المصري الأمريكي، ومجلس الأعمال للتفاهم الدولي، ورئيس البنك الدولي، إضافة الى بحث التعاون الاقتصادي والتجاري مع العديد من قادة العالم الذين التقاهم الرئيس.
هذا التحرك الدبلوماسي المكثف للرئيس، نجح في تقديم رؤى فعالة وعملية إلى العالم بشان قضايا المنطقة، بعض هذه الرؤى فتح الباب أمام اختراق دولي محتمل في بعض هذه القضايا اذا تجاوب العالم مع الطرح المصري، واحسن استغلال المعطيات الراهنة لاقتحام المشكلات وتبني الحلول التي تحدث عنها الرئيس.
هذه القضايا الست هي: قضية فلسطين، والقضية الليبية، والأوضاع في سوريا، ومكافحة الارهاب، وعمليات حفظ السلام الدولية، إضافة الى الملف الاقتصادي.
قضية فلسطين: رؤية مصرية… واختراق ممكن
وطبقا لتحليل الهيئة العامة للاستعلامات، فإن الدبلوماسية المصرية تعاملت بكفاءة عالية من أجل تحريك الاهتمام الدولي بقضية فلسطين وإحياء جهود السلام العادل لهذه القضية. فقبل أن يلتقي الرئيس مع رئيس وزراء إسرائيل في نيويورك كان قد اجتمع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث رحبت مصر بموقف حركتي فتح وحماس وما أبداه وفدا الحركتين خلال مشاوراتهما الأخيرة في القاهرة من تفاهم وحرص على الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، والتي جاءت في إطار حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على وحدة الشعب الفلسطيني لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
كما استبق الرئيس لقاءه مع نتنياهو بلقاء مع مجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي، والتي تضم عدداً من الوزراء والمسئولين والعسكريين السابقين، بالإضافة لقيادات مراكز الأبحاث والمنظمات اليهودية ودوائر الفكر بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد الرئيس “أن مصر بذلت على مدار الفترة الماضية جهوداً كبيرة مع الأخوة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من أجل تقريب وجهات النظر ورأب الصدع الفلسطيني سعياً لتحقيق المصالحة الفلسطينية وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. كما لفت إلى أن تحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لا يمكن فرضه من الخارج، بل يجب أن ينبع عن قناعة وإرادة حقيقية من الجانبين، منوهاً إلى أن ما تبذله مصر من جهود يأتي في إطار توفير البيئة المواتية للتوصل إلى تسوية عادلة بين الجانبين.
وفى اليوم التالي 19/9/2017 التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بمقر إقامته بنيويورك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأهمية التي توليها مصر لمساعي استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بهدف التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً لحل الدولتين والمرجعيات الدولية ذات الصلة، مشيرًا إلى ما ستسهم به التسوية النهائية والعادلة للقضية الفلسطينية في توفير واقع جديد بالشرق الأوسط تنعم فيه جميع شعوب المنطقة بالاستقرار والأمن والتنمية. وشهد اللقاء بحث سبل إحياء عملية السلام، وإنشاء دولة فلسطينية، مع توفير الضمانات اللازمة بما يسهم في إنجاح عملية التسوية بين الجانبين.
بعد هذه اللقاءات جاءت كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة والتي لقي ما ورد فيها عن قضية فلسطين اهتماماً عالمياً مدوياً، لكي توضح الموقف المصري بصورة لا تحتمل اللبس أو التأويل، حيث قال الرئيس: ” إن الوقت قد حان لمعالجة شاملة ونهائية لأقدم الجروح الغائرة في منطقتنا العربية، وهي القضية الفلسطينية، التي باتت الشاهد الأكبر على قصور النظام العالمي عن تطبيق سلسلة طويلة من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. إن إغلاق هذا الملف، من خلال تسوية عادلة تقوم على الأسس والمرجعيات الدولية، وتنشئ الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو الشرط الضروري للانتقال بالمنطقة كلها إلى مرحلة الاستقرار والتنمية، والمحك الأساسي لاستعادة مصداقية الأمم المتحدة والنظام العالمي. ولا شك أن تحقيق السلام من شأنه أن ينزع عن الإرهاب إحدى الذرائع الرئيسية التي طالما استغلها لكي يبرر تفشيه في المنطقة، وبما يضمن لكافة شعوب المنطقة العيش في أمان وسلام. فقد آن الأوان لكسر ما تبقى من جدار الكراهية والحقد للأبد، ويهمني أن أؤكد هنا أن يدَ العرب ما زالت ممدودة بالسلام، وأن تجربة مصر تثبت أن هذا السلام ممكن وأنه يعد هدفاً واقعياً يجب علينا جميعاً مواصلة السعي بجدية لتحقيقه.
واسمح لي، سيدي الرئيس، أن اخرج عن النص المكتوب وأن أتوجه بكلمة ونداء إلى من يهمهم هذا الأمر، وأوجه ندائي الأول إلى الشعب الفلسطيني، وأقول له من المهم للغاية الاتحاد وراء الهدف، وعدم الاختلاف، وعدم إضاعة الفرصة، والاستعداد لقبول التعايش مع الآخر، مع الاسرائيليين في أمان وسلام، وتحقيق الاستقرار والأمن للجميع. وأوجه ندائي للشعب الإسرائيلي، وأقول لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة للسلام معكم منذ أكثر من أربعين سنة، ويمكن أن نكرر هذه التجربة والخطوة الرائعة مرة أخري. أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الفلسطيني. ندائي إليكم أن تقفوا خلف قيادتكم السياسية وتدعموها ولا تترددوا. إنني أخاطب الرأي العام الإسرائيلي: اطمئنوا نحن معكم جميعاً من أجل إنجاح هذه الخطوة، وهذه فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى”.
وقد استقبلت الاطراف المعنية هذا الطرح المصري بكثير من الترحيب والتأييد، سواء من جانب السلطة الفلسطينية أو الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، حيث عرض الرئيس السيسي على نظيره الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائهما، جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية كخطوة أساسية لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأشاد الرئيس “ترامب” بالجهود المصرية في هذا الصدد، مؤكدًا أهمية مواصلة التنسيق والتشاور بين البلدين في هذا الملف.
وهكذا ..اثبت الرئيس السيسي في نيويورك أن مصر هي الطرف الأهم المؤثر والفعال والنزيه في قضية فلسطين، والتي حملت دوماً ولا يزال مسئولية الدفاع عن الشعب الفلسطيني الشقيق وحقوقه المشروعة بعيداً عن الضجيج والمزايدة والحسابات الذاتية، انطلاقاً من التزامها القومي والأخلاقي بهذا الشعب وحقوقه.
القضية الليبية: مصر لن تسمح بالعبث بوحدة وسلامة ليبيا
عندما تتحدث مصر عن القضية الليبية، يجب أن ينصت العالم، هكذا يرى تحليل هيئة الاستعلامات، فنحن الأقرب إلى ليبيا أرضاً وشعباً واهتماماً وتأثيرا وتأثرا، وبعد سنوات من التردد أيقن العالم هذه الحقيقة وأنصت إلى الرؤية التي قدمها الرئيس في كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال: “لا حل في ليبيا إلا بالتسوية السياسية، التي تواجه محاولات تفتيت الدولة وتحويلها مرتعاً للصراعات القَبَلية، ومسرح عمليات للتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح والبشر. وأؤكد هنا، بمنتهى الوضوح، أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية، أو المناورة بمقدرات الشعب الليبي الشقيق، وسنستمر في العمل المكثف مع الأمم المتحدة، لتحقيق التسوية السياسية المبنية على اتفاق الصخيرات، والتي تستلهم المقترحات التي توصل لها الليبيون خلال اجتماعاتهم المتتالية في الأشهر الأخيرة في القاهرة، للخروج من حالة الانسداد السياسي وإحياء مسار التسوية في هذا البلد الشقيق.
نفس هذه الرؤية أكدها الرئيس أمام القمة العالمية بشأن ليبيا التي ضمت عددا من دول العالم في مقدمتها مصر بالطبع، حيث قال الرئيس: “إن الوضع مهيأ، سياسياً وميدانياً، لإحداث الانفراجة المطلوبة في ليبيا، وطي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ الشعب الليبي الشقيق وبدء مرحلة إعادة البناء. ولكن إنجاز هذه المهمة التاريخية يتطلب دعم المجتمع الدولي للجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإنجاز تسوية سياسية شاملة في ليبيا، يتوصل إليها الليبيون أنفسهم ويتوافقون عليها دون محاولة من أي طرف لفرض الوصاية عليهم. فلا مجال ولا جدوى من تعدد مسارات ومرجعيات التسوية في ليبيا. فهناك أساس وحيد مقبول لإنهاء الأزمة الليبية، يتمثل في اتفاق الصخيرات، والذي يمكن إدخال تعديلات محدودة عليه في بعض المواضع استجابةً لشواغل الأطراف الليبية المختلفة، وذلك من خلال الآلية المنصوص عليها في المادة الثانية عشر من الاتفاق نفسه، وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي إطار العلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية العميقة التي تربط بين الشعبين الشقيقين في مصر وليبيا، تستمر مصر في استضافة سلسلة من الاجتماعات مع القيادات الليبية بمجلس النواب والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة لتقريب وجهات النظر بينهم، وذلك بالتوازي مع الاجتماعات التي تستضيفها القاهرة لإعادة توحيد المؤسسة العسكرية، واللقاءات الرامية للتوصل لمصالحات مجتمعية وقبلية بين أبناء الشعب الليبي الشقيق من مختلف المدن والمناطق”.
هكذا سمعنا الرئيس السيسي يلخص بوضوح وحسم من أعلى منبر دولي موقف مصر من الأزمة الليبية: “أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية”، ليعكس بوضوح أن مصر تستطيع أن تقول “لا” لكل ما ومن يمس مصالحها وأمنها ومصالح وأمن أشقائها العرب.
سوريا .. والعودة إلى المربع المصري
تكالبت قوى إقليمية ودولية عديدة على الساحة السورية، طمعاً في حل عسكري، أو انتصار موعود، أو نفوذ إقليمي، أو حسم لصالح طرف من الأطراف توهم أن ذلك يتم بقوة السلاح والوجود على الارض وإنفاق المليارات على السلاح والميليشيات والجماعات، بينما ظلت مصر متشبثة برؤيتها: لا حل عسكريًا في سوريا، لا فرض لإرادة طرف على طرف، لا بديل عن التسوية السياسية التي تحفظ وحدة الارض والشعب من خلال حوار بين معارضة موحدة والنظام الحاكم من أجل دولة سورية وطنية ديمقراطية موحدة تسع جميع ابناء شعبها وتحقن دماءهم.
واليوم، وبعد ان احترقت أيدي الجميع في سوريا، وتراجعت الأوهام، واكتوى الشعب السوري بنار الجميع، عاد العالم إلى المربع الأول: مربع الرؤية المصرية التي جدد تأكيدها الرئيس السيسي في نيويورك عندما قال:
“إن المخرج الوحيد الممكن من الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية هو التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة التي تقوم على مبادئ المواطنة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القبلية. إن طريق الإصلاح يمر بالضرورة عبر الدولة الوطنية ولا يمكن أن يتم عبر أنقاضها. هذا المبدأ هو باختصار جوهر سياسة مصر الخارجية وهو الأساس الذي نبني عليها مواقفنا لمعالجة الأزمات الممتدة في المنطقة، فلا خلاص في سوريا الشقيقة إلا من خلال حل سياسي يتوافق عليه جميع السوريين، ويكون جوهره الحفاظ على وحدة الدولة السورية وصيانة مؤسساتها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسة لتشمل كل أطياف المجتمع السوري ومواجهة الإرهاب بحسم حتى القضاء عليه. والطريق لتحقيق هذا الحل هو المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، والتي تدعمها مصر، بنفس القوة التي ترفض بها أي محاولة لاستغلال المحنة التي تعيشيها سوريا لبناء مواطئ نفوذ سياسية إقليمية أو دولية، أو تنفيذ سياسات تخريبية لأطراف إقليمية طالما عانت منطقتنا في السنوات الأخيرة من ممارساتها وقد آن الأوان لمواجهة حاسمة ونهائية معها”.
الدولة الوطنية الحديثة الموحدة والقادرة والعادلة، هي الطريق لتجاوز الأزمات وتحقيق طموحات الشعوب العربية، هذه هي القاعدة التي تتمسك بها مصر في مواجهة مخططات التفتيت والفوضى الهدامة التي تستهدف هذه منطقتنا في السنوات الاخيرة.
مكافحة الارهاب… جذوره وتمويله ومنابره الاعلامية
ما بين الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة ودورة هذا العام، شهد العالم أحداثا إرهابية متتابعة في العديد من دوله ومناطقه، ودفع الآلاف من الأبرياء حياتهم وأمنهم ثمنا للعمليات الارهابية، أو في حروب مقاومتها. وبعد جهد مكثف في مجلس الامن الدولي بصفة خاصة، ثم في القمة الامريكية الاسلامية بالرياض، بدا العالم أكثر اقتناعا بالتصور المصري بشأن مكافحة الارهاب بشكل شامل: مكافحة الافكار المتطرفة التي تشجع عليه، ومكافحة التنظيمات الارهابية دون انتقائية، وملاحقة ممولي وداعمي الارهاب سياسيا وماليا واعلاميا، دولا كانوا أو تنظيمات أو دويلات.
لهذا، كان الوقت مواتياً لكي يؤكد الرئيس للعالم في كلمته أمام الجمعية العامة على أنه: “لا يمكن تصور وجود مستقبل للنظام الإقليمي أو العالمي بدون مواجهة شاملة وحاسمة مع الإرهاب تقضى عليه وتستأصل أسبابه وجذوره، وتواجه بلا مواربة كل من يدعمه أو يموله أو يوفر له منابر سياسية أو إعلامية أو ملاذات آمنة. وبصراحة شديدة فلا مجال لأي حديث جدي عن مصداقية نظام دولي يكيل بمكيالين ويحارب الإرهاب في الوقت الذى يتسامح فيه مع داعميه، بل ويشركهم في نقاشات حول سبل مواجهة خطر هم صناعه في الأساس. ويتعين على أعضاء التحالفات الدولية المختلفة الإجابة عن الأسئلة العالقة التي نطرحها من منطلق الإخلاص لشعوبنا، والتي يمتنع عن الإجابة عليها كل من يفضل المواءمة والازدواجية لتحقيق مصالح سياسية على أنقاض الدول ودماء الشعوب التي لن نسمح أن تضيع هدرا تحت أي ظرف كان.
كما يجب علينا في العالم الإسلامي أن نواجه الحقائق بصراحة ونعمل سويا على تصويب المفاهيم الخاطئة التي باتت منبعا إيديولوجيا للإرهاب والإرهابيين وفكرهم الظلامي الهدام. وكما تتذكرون فقد أطلقت مصر مبادرة لتصويب الخطاب الديني بهدف الرجوع إلى القيم الأصيلة والسمحة للإسلام وهو ما تعكف المؤسسات الدينية المصرية العريقة على الاضطلاع به في الوقت الراهن مع تعاونها في هذا الشأن مع كافة الجهات المعنية على مستوى العالم”.
وأكد الرئيس هذه الفكرة خلال اجتماعه بالشخصيات المؤثرة في المجتمع الأمريكي حيث قال: “أن مصر تخوض حرباً ضد الإرهاب والتطرف على مدار السنوات الماضية، وأن تلك الحرب لا يمكن مقارنتها بالحرب النظامية، لكن يجب أن يتعامل معها المجتمع الدولي بمنهج شامل يتضمن أربع ركائز تشمل: مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية دون تمييز، والتعامل مع مختلف أبعاد الإرهاب كالتمويل والتسليح والدعم السياسي والأيديولوجي، والعمل على الحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد المقاتلين، والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية في المنطقة”.
حفظ السلام.. سجل مصري مشرف
حضور مصر لقمة مجلس الامن بشأن اصلاح عمليات حفظ السلام الدولية، كان حدثاً تاريخياً، فهذه هي المرة الثانية التي تشارك فيها مصر في قمة لمجلس الأمن الدولي، كما أن للقوات المصرية سجلا حافلا من المساهمة في عمليات حفظ السلام، ولأبناء مصر سمعة طيبة في النزاهة والانضباط والاداء الاحترافي ضمن هذه القوات. وفى هذه القمة أكد الرئيس على أن: “مصر من أوائل الدول الداعمة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بدءاً بمشاركتها في أول مهمة حفظ سلام متعددة الأبعاد في الكونغو عام 1960، وانتهاءً بكونها سابع أكبر الدول مساهمة بقوات في مهام حفظ السلام الأممية حالياً. وقد وصل عدد البعثات التي شاركت فيها مصر إلى 37 بعثة أممية، بإجمالي قوات تجاوز 30 ألف فرد منذ بداية مشاركتنا في عمليات حفظ السلام، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. إن حفظ السلام لا يمكن أن يكون هو رد الفعل المبدئي لكل أزمة وفي هذا الإطار، فقد حرصت مصر خلال الأعوام الثلاث الماضية على الدعوة لتبني مقاربة استراتيجية جديدة، تتعامل مع عمليات حفظ السلام في إطار مفهوم يتضمن خطط عمل سياسية وبرامجية وعملياتية متكاملة”.
كما أكد الرئيس “على مواصلة مصر القيام بدورها الإقليمي والدولي، وبذل كافة الجهود للقضاء على تحديات السلم والأمن الدوليين وإرساء السلام والاستقرار، بما في ذلك من خلال مشاركتها النشطة في المنظمات الدولية والإقليمية، واستمرار الارتقاء بمساهماتها في عمليات حفظ السلام”.
الملف الاقتصادي.. لقاءات مثمرة
يرى تحليل هيئة الاستعلامات أن ملف الاقتصاد المصري وما حققه من خطوات إصلاح مبشرة، وما يتيحه من فرص للاستثمار والتعاون الاقتصادي والتجاري، كان من أبرز اهتمامات الرئيس في نيويورك، في مناسبات عديدة أهمها لقاء الرئيس مع غرفة التجارة الأمريكية حيث “استعرض الرئيس خلال اللقاء التقدم المحرز في مصر خلال الفترة الماضية على صعيد تدعيم الأمن والاستقرار رغم الوضع الإقليمي المتأزم، بالإضافة إلى عرض إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وما نتج عنها من استقرار في سوق النقد الأجنبي وزيادة ملحوظة في الاحتياطي منه، فضلاً عن التدابير الجارية اتخاذها لإصلاح منظومة الدعم وتحسين بيئة الاستثمار وتشجيعه. كما أكد حرص الدولة على إجراء الإصلاح الاقتصادي بالتوازي مع التوسع في شبكات وبرامج الحماية الاجتماعية بما يُمكّن محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجاً من مواجهة تداعيات القرارات الاقتصادية، وتطرق الرئيس أيضاً إلى المشروعات القومية الجاري تنفيذها، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، بالإضافة إلى العاصمة والمدن الجديدة الجاري إنشاؤها”.
كما التقي الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مجلس الأعمال الدولي، وهو منظمة أمريكية غير حكومية هدفها تشجيع إقامة الحوار بين القادة السياسيين ومجتمعات الأعمال في مختلف دول العالم، ويضم في عضويته عددًا من مديري كبري الشركات الأمريكية وصناديق الاستثمار وشركات إدارة الأصول المالية. وأكد الرئيس جدية توجه الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري، وأشاد بدور الشعب المصري وتفهمه للقرارات الاقتصادية القاسية التي تم اتخاذها للتعامل مع الاختلال الهيكلي المزمن في الاقتصاد بهدف توفير مستقبل أفضل، واستعرض الرئيس الخطط التي تنفذها الحكومة من أجل النهوض بالاقتصاد وتوفير مناخ جاذب للاستثمار.
وفى لقائه بمجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي قال الرئيس “إن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لم يكن ممكناً دون تفهم الشعب المصري لأهمية اتخاذ قرارات صعبة لعلاج المشكلات الاقتصادية المزمنة، منوهاً إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي بدأ يؤتى ثماره وأن الاحتياطي من النقد الأجنبي وصل إلى المعدلات التي كان عليها قبل عام 2011. واستعرض الرئيس الإجراءات التي تم اتخاذها لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، فضلاً عن المشروعات القومية التي تنفذها الدولة، لاسيما في مجالات البنية الأساسية، وكذا العاصمة والمدن الجديدة الجاري إنشاؤها في مختلف أنحاء مصر.
كما التقي الرئيس السيسي جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي، وأعرب الرئيس عن تقدير مصر لجهود البنك الدولي في دعم مصر على مختلف المستويات، سواء من خلال تنفيذ المشروعات التنموية وتوفير الدعم الفني، أو تعزيز دور القطاع الخاص، بالإضافة إلى دعم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي تم في إطاره ضخ شريحتين من القرض المقدم لمصر من البنك بقيمة مليار دولار لكل شريحة.
ولقي صوت الرئيس صدى إيجابياً سريعاً من جهات اقتصادية عديدة، حيث تحدث “مايرون بريليانت” نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية عن الزيارات المتعددة التي نظمتها الغرفة للوفود الاقتصادية الامريكية إلى مصر، واستعرض الأنشطة المختلفة التي تقوم بها الغرفة من أجل تعزيز التعاون التجاري بين البلدين، مشيراً إلى تشكيلها لمجموعة عمل لدراسة الامكانات المتاحة لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، فضلاً عن اقتراحها تنظيم منتدى للاستثمار في مصر خلال العام القادم لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات الأمريكية.
كما علق “جيمس هارفون” أحد أبرز رجال الاقتصاد في العالم قائلا: “إن الرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث لعدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين، عن طبيعة الاستثمار داخل مصر، ومنهم من لم يستثمر أموالاً في مصر من قبل، موضحاً أن انطباع الموجودين كان إيجابياً، وتأكدوا بعد مغادرتهم أن قيادة الرئيس السيسي ستؤدى إلى نجاح مصر، وسيفكرون في الاستثمار بها، كما أن أداء السيسي كان مؤثراً ، وأضاف: إن أهم ما في مصر أن شعبها لديه الامكانات الموجودة بأي مكان بالعالم، وهناك ثقة كبيرة فيه لتاريخه، مؤكداً أن مصر نجحت، ونجت من أزمات الماضي والشعب جيد والثقافة عظيمة والجغرافيا تعمل لصالح مصر.”
مأساة الروهينجا
بالإضافة إلى هذه القضايا الست، تناول الرئيس العديد من قضايا المنطقة والعالم، وكان من بين عدد قليل من قادة العالم الذين اهتموا بما تتعرض له أقلية الروهينجا في ميانمار انطلاقا من دور مصر العالمي، ومكانتها في العالم الإسلامي، حيث قال الرئيس أمام الجمعية العامة: “لعل المأساة الانسانية التي تتعرض لها أقلية الروهينجا في ميانمار مناسبة أخرى لتذكير المجتمع الدولي بمسئولياته الأخلاقية، قبل القانونية، كما عكسها ميثاق الامم المتحدة للعمل على سرعة إيجاد حل دائم، يُنهى معاناة المدنيين ويعالج جذور الأزمة التي باتت تهدد الأمن الإقليمي واستقرار دول الجوار”.