رأىسلايدر

الانشقاق القطرى ومآل تحالف الرياض

استمع الي المقالة

د. محمد السعيد إدريس

نقلاََ عن الأهرام..

من أبرز ما تم التوصل إليه فى القمم الثلاث التى شارك فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالعاصمة السعودية مؤخراً صدور بيان ختامى عن القمة الأخيرة، أى القمة الأمريكية- العربية الإسلامية التى شارك فيها «أكثر من 55 دولة عربية وإسلامية بين رؤساء دول ورؤساء حكومات» حمل اسم «إعلان الرياض» الذى تضمن النص على تأسيس «تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي»، تعبيراً عن «الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة لمواجهة التطرف والإرهاب»، أكد فيه القادة المشاركون «التزام دولهم الراسخ بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، والتصدى لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية بالتعاون الوثيق فيما بين دولهم».

وإذا كانت صياغة هذا البيان قد تعمدت الغموض والتعميم مراعاة لوجود قدر من التباين فى الرؤى التفصيلية بين الوفود المشاركة، وما تضمنته كلمات القادة من وضوح فى استهداف أطراف بعينها فى مقدمتها إيران، إضافة إلى وصف كل من «حزب الله» و«حركة حماس» بالإرهاب، فإن البيان السعودى الأمريكى المشترك الذى صدر عن القمة المشتركة الأمريكية السعودية أزاح الستار عن كل الغموض والالتباس الواردين فى إعلان الرياض.

صدور «إعلان الرياض»، و«البيان المشترك السعودى الأمريكي» وكلمات القادة والرؤساء وخاصة الملك السعودى والرئيس الأمريكي، ناهيك عن الكشف عن حجم وضخامة الصفقات السعودية مع الولايات المتحدة العسكرية منها والاستثمارية التى تجاوزت الـ 400 مليار دولار كانت لها كلها أصداؤها الواسعة من منظور مدى علاقتها وارتباطها كلها بما تم ترويجه عن «صفقة القرن» التى لم يمل الرئيس الأمريكى من تكرار الحديث عنها، الأمر الذى أثار الكثير من التساؤلات حول من هى بالتحديد الدول التى ستشكل نواة هذا التحالف الإستراتيجي، ودور إسرائيل فيه، ومستقبل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة مع تعمد إدراج حركة «حماس» ضمن المنظمات الإرهابية، لكن السؤال الأهم كان يخص جوهر هذا التحالف وهو: هل يمكن أن يتأسس فعلاً هذا التحالف؟ وهل سيفى الرئيس الأمريكى بوعوده؟ أو بوضوح أكثر هل يستطيع أن يفى بوعوده؟

سؤال مهم يتعلق بما يمكن تسميته بـ «مآل هذا التحالف» ومدى وجود فرص لنجاحه وما هى التحديات التى يمكن أن تواجهه؟ وكيف ستكون الخريطة الإقليمية، وفى القلب منها الخريطة العربية، على ضوء الاحتمالين: احتمال النجاح واحتمال الفشل.؟

لم تكتمل هذه التساؤلات حتى جاءت الصدمات الواحدة تلو الأخرى تقول وتؤكد أن فرص نجاح تأسيس هذا التحالف تبدو ضئيلة.

الصدمة الأولى والأهم جاءت من قطر، وعلى لسان أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثانى فى بيان له بثته وكالة الأنباء القطرية الرسمية والتليفزيون الرسمى القطرى مساء الثلاثاء (23/5/2017) انتقد فيه ما اعتبره حملة تستهدف بلاده تزامنت مع زيارة الرئيس الأمريكى للسعودية ربطت قطر بالإرهاب، كما انتقد وصف القمة لجماعة الإخوان وحركة «حماس»، التى وصفها بأنها الممثل الشرعى للشعب الفلسطيني، و«حزب الله» بالإرهاب. لكن البيان لم يكتف بذلك بل تضمن انتقادات حادة للسعودية والإمارات ومصر، وفى الوقت نفسه انتقد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإدارته، وامتدح إيران، واعتبر أنها «تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار فى المنطقة».

كان واضحاً أن بيان أمير قطر جاء محكوماً بثلاثة دوافع، أولها خوف قطر من أن تتحول إلى دولة متهمة رسمياً بدعم الإرهاب، وتمويله وأن تضطر إلى دفع أثمان جرائم ارتكبتها بهذا الخصوص، ومن ثم أخذت المبادرة لدرء هذا الخطر بنفى تلك الاتهامات، وثانيها أنها ربما قد شعرت بالغدر من جانب السعودية والولايات المتحدة، وتشاركها فى ذلك تركيا. وبالتحديد إزاء حركة حماس التى وصفت بأنها «إرهابية» حيث مارست قطر وتركيا ضغوطهما على قيادة حركة «حماس» لتقدم «مبادرة حسن نوايا» احتوت ضمنياً على اعتراف بإسرائيل من خلال النص على السعى إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، بما يعنيه ذلك من اعتراف بالدولة الأخرى المقامة على باقى أراضى فلسطين وكان المأمول أن يتم استبعاد «حماس» من قائمة الاتهام بالإرهاب وإدماجها فى عملية سلام كانت تنتظرها قطر وفقاً لوعود الرئيس الأمريكي.

أما الدافع الثالث فهو تنازع الأدوار والمكانة مع السعودية حول العلاقة مع الولايات المتحدة. فقد صدم أمير قطر من التحول الذى يحدث فى الإستراتيجية الأمريكية بالتركيز على السعودية بدلاً من قطر التى كانت قد تحولت إليها الإدارات الأمريكية السابقة كركيزة للوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 بعد تردد سعودى فى قبول دخول القوات الأمريكية إلى المملكة، وبسبب التمنع السعودى من استخدام الأراضى السعودية كمنطلق لغزو العراق واحتلاله عام 2003. حيث أصبحت قاعدة «العُديد» وقاعدة «السيلية» القطريتان هما أهم مناطق النفوذ والوجود العسكرى الأمريكي، وهذا ما حرص أمير قطر على تذكيره للرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى شكك فى فرص بقائه رئيساً للولايات المتحدة.

الصدمة الثانية جاءت من لبنان فقد تحفظ وزير الخارجية اللبنانى على بيان إعلان الرياض وأكد أن هذا البيان صدر بعد مغادرة الوفود وكاد هذا البيان يحدث تفجيراَ داخل الحكومة اللبنانية لولا نجاح رئيسها سعد الحريرى فى احتواء الأزمة بعد أن أكد أن «لبنان ملتزم بما ورد فى خطاب القسم والبيان الوزاري، وأن إعلان الرياض ليس ملزماً، وأن لبنان ملتزم بميثاق جامعة الدول العربية».

إذا أخذنا فى الاعتبار الأزمة المثارة الآن فى الولايات المتحدة ضد الرئيس الأمريكى بعد إقالته المفاجئة لرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف.بي.أي) جيمس كومى واحتمال تقديم كومى بياناً بخصوص أسباب هذه الإقالة أمام الكونجرس، واحتمال تأثير هذه الأزمة على مستقبل ترامب كرئيس للولايات المتحدة رغم كل ما استطاع تحصيله من مليارات الدولارات من السعودية، فإننا سنكتشف أن مآل تحالف الرياض يبدو غير مستقر ومفعم بالتهديدات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى