الوحدة اسلامية.. مسؤولية تحرّرية
من الأهمية بمكان القيام بمراجعة اساليب العمل الاسلامي خلال العقدين الماضيين للوقوف على المسبّبات والعلل الاصلية لتنامي ظاهرة التكفير والتطرف الدموي تحت عناوين نسبت الى الدين والاسلام وهما براء منها.
في الحقيقة ربما غاب عن الأذهان ان تنجرّ الاوضاع الاسلامية يوماً الى افخاخ الإقتتال الداخلي على خلفية طائفية ، مثلما نواكب احداثياته حاليا ، لأنه يفترض ان تكون هذه الخلفية محدودة في خضم تسارع وتيرة الثورة المعلوماتية والثورة الحضارية والمدنية وتحوّل العالم كله الى قرية صغيرة ، اضافة الى الكم الضخم من النشاطات التقريبية في مختلف بلدن العالم الاسلامي .
كما أن سوح الجهاد والمقاومة بوجه الاحتلال الخارجي الغاشم ، سواء كان في زمن الغزو السوفييتي لأفغانستان ، او في ذروة فترة مكافحة الاحتلال الصهيوني وتحديدا في عام 2006 وعام 2008 ، شهدت تكاملاً مضطردا بين المقاومين والمجاهدين المسلمين الشيعة والسنة لوجستيا واسناداً وخبرات ومعلومات.
فكيف انقلب هذا التلاحم التاريخي في الوقت الراهن الى العكس ؟! ولماذا تغیّرت اولویات بعض الحرکات الاسلامية من الجهاد لتحرير فلسطين والقدس الشريف الى الإنخراط في الفتنة التكفيرية ومحاربة أبناء الاسلامية على اختلاف مذاهبهم ؟!
يا ترى لِـمَ انقلبَ علماء دين كبار كانوا محطّ آمال المؤمنين التائقين للاتحاد والتضامن الاسلامي ،على اعقابهم وتحوّلوا الى مجرد أبواق لأنظمة المشيخات النفطية ولسياساتها العميلة ، وارتضوا لأنفسهم ان يكونوا في زمرة من يلعنهم التاريخ حاضرا ومستقبلا ، وذلك بسبب فتاواهم الفتنوية التحريضية الطائفية التي احالت المنطقة الاسلامية والعربية الى مجازر بشرية وخرائب بنيوية فظيعة والى شعوب كاملة من اليتامى والارامل والبؤساء والمشرّدين والمهاجرين واللاجئين جراء حروب ما يسمى بـ “داعش” و”القاعدة ” و”جبهة النصرة” وعشرات المسميات المثيرة حقاً ؟؟!!!
هي ـ طبعا ـ حروب ما زال يتم تمويلها وتسليحها بدولارات البترول الخليجية ، ويتم ايضا حشد اضخم وسائل الاعلام والفضائيات الإقليمية لفائدتها عبر الانحياز المفضوح للجماعات الارهابية التكفيرية ومذابحها في ليبيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان .
هذا في حين تم ترك فلسطين والقدس الشريف وغزة المحاصرة منذ عشرة اعوام وحيدة فريدة امام شراسة العدو الصهيوني الغاصب واحقاده التي لا يردعها اي شيء . فـ ” اسرائيل” ترتكب الآن جرائمها الحربية وارهابها المنظم بدم بارد على مرأى ادعياء القانون الدولي المنافق ووسط تعامي الزعماء المتخاذلين الجبناء في المنطقة . بل أيضا هي لا تتورع عن المجاهرة في دعم القتلة التكفيريين لاسيما في سوريا والعراق ، خاصة وانها تنسق جميع ممارساتها العسكرية والمخابراتية والجاسوية مع الانظمة البترولية الخليجية بزعامة السعودية الوهابية التي باتت جميعا ادوات رخيصة بأيدي الاستكبار العالمي الصهيوغربي..
في هذا المجال بالذات ، أدلى قائد الثورة الاسلامية الإمام الخامنئي (دام ظله ) بحديث مهم في معرض استقباله بمقره في طهران ، الأخ الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين. فقد حدّد سماحته فيه مفاعيل الوحدة الاسلامية التحرّرية على مستوى الساحة الاسلامية عموما والفلسطينية خصوصا . وقد جاء بعض ما دار في الحديث الذي اوردته وكالة فارس للانباء يوم الاربعاء14 ديسمبر 2016 ضمن تقريرها الخبري كما يلي :
(( رأى قائد الثورة ان السبب الرئيس للمشكلات العديدة في المنطقة يعود الى “المستكبر الاعظم والشيطان الاكبر” أي اميركا، وأشار الى تدخل صغار الشياطين في المنطقة في اصطناع الازمات الموجودة، وقال: ان هدفهم جميعا هو إضعاف القضية الفلسطينية لدى الرأي العام بالمنطقة وبالتالي محوها من أذهان الشعوب، مضيفا ان الجمهورية الاسلامية ورغم انشغالها ببعض قضايا المنطقة، فإنها اعلنت دوما وبصراحة ان فلسطين هي القضية الاولى للعالم الاسلامي، وهي بذلك تؤدي واجبها في هذا المجال.
وأشار سماحة القائد الى مسؤوليات الفصائل الفلسطينينة والعلماء والمثقفين والكتّاب العرب في إبقاء جذوة القضية الفلسطينية متقدة لدى الرأي العام للشعوب، وقال: لابد من بذل جهود مضاعفة من اجل خلق اجواء فكرية وخطاب عام في العالم الاسلامي حول اولوية قضية فلسطين، بنحو يشعر المسؤولون المساومون في بعض الدول بالهلع من رد فعل الشعوب.
وتطرق آية الله الخامنئي الى محاولات اميركا وحلفائها الاقليميين لاختلاق مختلف الاحداث واقحام عامل المذهب في الازمات، وقال: انه خلافا لهذا الضجيج الاعلامي المثار، فإن الاهالي السنة في حلب والموصل وسائر المدن الاخرى يُقتلون على أيدي التكفيريين الجناة، لذلك فإن هذه الازمات لا صلة لها بالشيعة والسنة، واصفا قادة العصابات التكفيرية بأنهم مثل أئمة الكفر، ومؤكدا أن احدى اهم قضايا المنطقة تتمثل في المواجهة الشاملة للعصابات التكفيرية من أمثال داعش وجبهة النصرة وسائر العصابات، لأنه في غير هذه الحال، ستبقى القضية الفلسطينية مهمشة بسبب اختلاق التكفيريين للازمات باستمرار.
وشدد قائد الثورة الاسلامية على ضرورة التصدي الحازم لتغلغل التكفيريين في فلسطين المحتلة، وقال: ان مهمة هذه العصابات تتمثل في إثارة الفتنة ولابد من التحلي بالوعي واليقظة والحزم التام لمواجهتها.
وفي جانب آخر من حديثه، وصف سماحة القائد النصر بأنه وعد الهي محتوم في حال استمرار الجهاد وتحمل الصعاب، لافتا الى ان العداء لجبهة الحق هي من طبيع المستكبرين، لذلك لا ينبغي ان نستغرب من استمرار هذا العداء، مؤكدا ان مواصلة الجهاد بحاجة الى اليقظة والتحليل الصحيح للاحداث، فهذا هو نهج العقلاء ولابد من مواصلة الجهاد في أتم اليقظة والوعي.
ونبّه السيد القائد الى مؤامرات المستكبرين المستمرة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، وقال: إن لدينا ثقة عميقة بوعد النصر الالهي، ونعمل بواجباتنا في جميع المجالات، و نحن لا نخشى مناوأتنا من قبل أي متغطرس .
واعتبر سماحة آية الله الخامنئي الطابع الشبابي للمجتمع الفلسطيني أمرا هاما، وأشار الى اهمية حيوية وتحرك الضفة الغربية، وقال: اننا وكما قلنا سابقا فان الكيان الصهيوني لن يكون له وجود في غضون الاعوام الـ25 القادمة شريطة الالتزام بالكفاح الشامل والموحد من قبل الفلسطينيين والامة الاسلامية ضد الصهاينة)) ـ إنتهى التقرير ــ
ينبغي القول هنا : ان مأْسسة الوحدة الاسلامية كهدف حضاري هي بحاجة ماسة الى ان يكون الانسان المؤمن ذا أصالة عميقة تقيه من اي استدراج الى السقوط في براثن الإنحراف والتيه ، وتحميه من إضاعة بوصلة الجهاد الحقيقي ، وترشده في نفس الوقت الى تدارك نفسه قبل فوات الأوان ، وتردعه كليا عن إراقة الدماء الطاهرة وإزهاق الأرواح البريئة ، وكل ذلك نتيجة لتضليل زعماء القوة والمال وتجار الحروب الدوليين.