طيلة ساعات خلال الليلة الماضية، ذرف المدنيون الذين تجمعوا في آخر جيب تحت سيطرة الفصائل المعارضة في حلب الدموع وهم يستعدون للافتراق عن مدينتهم. في الصباح، تغير كل شيء مع عودة كابوس المعارك والقصف.
على الرغم الحزن الذي كانوا يشعرون به، علقوا آمالا على قرب نجاتهم من جحيم الحرب المستمرة في أحيائهم منذ العام 2012، وبعدما اصبحوا محاصرين داخل بقعة جغرافية صغيرة بين نيران المدفعية والغارات. لكن تعليق اتفاق روسي تركي قضى باجلاء مدنيين ومقاتلين من المدينة أبقاهم في الدوامة.
وقال الناشط المعارض في حلب محمد الخطيب لوكالة فرانس برس “الوضع كارثي في حلب، لا يمكن وصفه اطلاقا والناس خائفة جدا”.
وعاودت الطائرات الحربية تنفيذ غاراتها الاربعاء وتجددت الاشتباكات لتقض مضاجعهم وتثير الذعر في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها الخمسة كيلومترات مربعة.
-“تهجرنا وراح كل شي” –
وقال الخطيب “الوضع سيء جدا. القتلى والجرحى على الارض ولا يتمكن احد من سحبهم” جراء كثافة القصف.
وفي هذا المربع الضيق في شرق حلب، لم يعد بامكان السكان التواصل مع العالم الخارجي سوى عبر الانترنت وبتقطع، ويعبر عدد كبير منهم عن مأساته عبر تعليقات ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب المتطوع في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) في حلب اسماعيل عبد الله في تغريدة على موقع تويتر “انتهى وقف اطلاق النار”، معبرا عن خشيته من عمليات “اعدام” في حال سيطرت قوات النظام والمسلحين الموالين لها على المناطق المتبقية.
وارفق اسماعيل تغريدته بفيديو مصور من خلف نافذة تطل على ابنية مدمرة، ويسمع في الخلفية دوي قصف عنيف.
قبل ساعات من تجدد المعارك، كان السكان ينتظرون بفارغ الصبر ان يحين موعد اجلائهم.
ورغم ان الحزن لم يفارقهم لحظة وهم ينتظرون الموعد المفترض لاجلائهم من دون ان يعلموا اذا سيكون بإمكانهم ان يعودوا ذات يوم، كان الشعور بالخلاص حافزهم الوحيد.
ويصف مراسل فرانس برس ما رآه خلال انتظار المدنيين في احد الاحياءن قائلا “عيون الناس من حولي كانت دامعة وجميعهم يبكون”.
وقال انه رأى سكاناً يحرقون سياراتهم ودراجاتهم النارية لكي لا تصادرها قوات النظام السوري. حتى ان بعض المقاتلون عمدوا ايضا الى حرق اسلحتهم الثقيلة والمتوسطة وعطبها.
ويختصر مراسل فرانس برس مشاعر الناس من حوله “لم يعد هناك مجال للعودة، لن ارى حلب بعد الآن”.
ويتابع باللهجة العامية “تهجرنا وراح كل شي… الحارة والبيت والذكريات”.
ويخلص “لن اراهم بعد الآن سوى في الاحلام”.
– “خيبة أمل” –
امام مستشفى في المنطقة، كانت جثث ملقاة على الارض ولم يأت احد للتعرف عليها او دفنها منذ يومين. داخل المستشفى، يرتمي الجرحى مرهقين، بينهم من فقد اطرافه، يفترشون الارض بسبب النقص في الاسرة، وآخرون يتشاركون الغطاء ذاته.
اما الاطباء فيمضون وقتهم في المستشفى بعدما لم يبق لهم مكان آخر يتوجهون اليه، وفق ما يقول بعضهم لفرانس برس.
وكان السكان حزموا امتعتهم فور سماع خبر إعلان الهدنة وانتظروا لساعات الصعود الى الحافلات الخضراء لنقلهم الى ريف حلب الغربي او محافظة ادلب (شمال غرب).
ويقول المتحدث باسم “الخوذ البيضاء” في حلب ابراهيم ابو الليث لفرانس برس “جمعنا المصابين البارحة ونقلناهم بالسيارات الى احدى نقاط التماس مع قوات النظام، انتظرنا من الساعة الثامنة مساء حتى الثانية فجرا (…) لكن شيئا لم يحصل وتوقفت عملية الاجلاء”.
واضاف “انها خيبة امل للمدنيين، انتظر الجرحى ست ساعات تحت المطر، وكلهم حالاتهم مستعصية (…) انه شعور بشع جدا ان تنتظر شيئا ما ولا يحصل”.
وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق لفرانس برس ان الحكومة علقت تنفيذ الاتفاق “لارتفاع عدد الراغبين بالمغادرة من الفي مقاتل الى عشرة الاف شخص”.
ويتكدس آلاف المدنيين في حي المشهد واجزاء من احياء اخرى في شرق حلب لا تزال تتواجد فيها فصائل المعارضة، بعضهم لا مأوى له، ينامون في الشارع. ويعاني الجميع من الخوف والجوع والبرد.
ودفعت تلك الاوضاع البعض الى القيام بامور لم يتخيلوها يوما. مثل تلك الام التي كانت تحمل رضيعها، فسقطت منها فجأة علبة الحليب المجفف، الغذاء الوحيد المتبقي لابنها، فارتمت الام ارضا لتلتقط بودرة الحليب التي اختلطت بالتراب.
- المصدر:فرانس 24