هكذا صفَّقَ العالم للدبلوماسية الإيرانية !
أشرف أبو عريف
لم يكن غريباََ أن تصيب الدبلوماسية الإيرانية العالم بالأمس القريب بالذهول بعد صمت وترقُّب دام أكثر من ست وثلاثين عاما منذ ميلاد الثورة الإيرانية المباركة وانتصارها على البطش والاستبداد. وبعدما أجبرت العقلية الفارسية قُوىَ الاستكبار، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفى مؤخرتها الصهيونية العالمية والعربية، على احترام الجمهورية الاسلامية الايرانية سياسيا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا.
العرب لا يقراون .. وإذا قرأوا لا يفقهون .. وإذا فهموا لا يطبقون.. هكذا تفوه وزير الدفاع الإسرائيلي “موشي دايان” ردا على منتقديه بسبب كشفه أسرارا عسكرية لحرب سنة 1967م، إذ خطط أن يهاجم العرب بنفس الخطة التي إتبعها في سنة 1956م في عدوانهم على مصر، فثار عليه القادة العسكريين واتهموه بالجنون.
* حروب بالوكالة!
فى ظل السعى لإثبات الذات على صعيدى متطرفى “السُّنة والشيعة”، شهدت سنة 1943 أول أزمة دبلوماسية بين البلدين إثر إعدام السعودية لأحد الحجاج الإيرانين بعد إدانته بتهمة إلقاء القاذورات على الكعبة وغيرها من التهم الأخرى. وبعد هذا الحادث قطعت العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي عام 1944، لتعود بعد عامين من جديد. رغم أن أعلاابى تبوّلَ فى صحن الحرم النبوى نكاية فى الرسول الأعظم ولما همَّ الصحابة لقتله، نهاهم (ص) وقال: >دعوه يقضى حاجته.. هذا هو نبى الرحمة ورائد السلام والمحبة وكم فنَّد أن “الاسلام لم ينتشر بالسيف”.. فهل من رشيد؟
غير أن ثمة تساؤل يدور فى خُلدى الآن: هل يستفيق العرب، خاصة الضفة الغربية للخليج الفارسى من سُباتهم ويعلنوا التوبة والاعتراف بالثورة الإيرانية وخلع أيديهم من يد الصهاينة ويسارعون نحو إيران للتهنئة بالاتفاق النووى ووقف العمليات العدائية فى العراق وسوريا واليمن والتصدى للصهيونية؟!
* صفحة ذهبية!
فكان حقاََ للرئيس الإيراني حسن روحاني أن يشيد بالاتفاق النووي مع القوى العالمية معتبرا أنه يمثل “صفحة ذهبية” في تاريخ إيران متطلعا إلى مستقبل اقتصادي أقل اعتمادا على النفط الذى كم استخدمته آل سعود وآل الصُباح وآل زايد لضرب الشعب الإيرانى فى مأكله ومشربه ومسكنه دون رحمة تحت الحصار المصطنع بأيديهم وبفبركة الصهيونة التى لطالما أكد نتانياهو أن إسرائيل لن تسمح لإيران بحيازة سلاح نووي.
* إتفاق تاريخى!
وبعد دخول الاتفاق النووي التاريخي حيز التنفيذ ورفع العقوبات الدولية المفروضة منذ سنوات على بلاده. ودخل الاتفاق التاريخي الموقع بين إيران والدول الكبرى في تموز/يوليو حيز التنفيذ أمس السبت بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يصل مديرها العام يوكيا امانو إلى طهران اليوم الأحد، إن إيران وفت بالتزاماتها الهادفة إلى ضمان سلمية برنامجها النووي.
* نقطة تحول!
ولا شك أن مشروع موازنة السنة المالية الإيرانية المقبلة التي تبدأ في مارس/ آذار بعد الاتفاق النووي يمثل “نقطة تحول” لاقتصاد إيران وهي منتج كبير للنفط كانت أسواق العالم مغلقة أمامه فعليا على مدى السنوات الخمس الماضية. وإن المفاوضات النووية التي نجحت بتوجيهات الزعيم الأعلى ودعمه كانت بحق صفحة ذهبية في تاريخ إيران. وهذا ما أكده الرئيس روحانى بالقول: “الاتفاق النووي فرصة يجب أن نستغلها لتنمية بلادنا وتحسين رفاهية الأمة وإرساء الاستقرار والأمن في المنطقة.”
وفي الوقت نفسه، أعلنت طهران وواشنطن إثر تقارب بينهما بموجب الاتفاق الإفراج عن أربعة إيرانيين أميركيين محتجزين في إيران، وضمنهم مراسل صحيفة واشنطن بوست جيسون رضائيان مقابل سبعة إيرانيين محتجزين في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يغادروا إيران حتى ظهر الأحد.
وتمكنت القوى الكبرى وإيران من إنهاء نزاع استمر أكثر من 13 عاما، وتوصلوا إلى الاتفاق النووي في 14 تموز/يوليو 2015، ما يعتبر نجاحا للسياسة الخارجية للرئيسين باراك اوباما وروحاني.
* جعجعة منهزم!
وبطيعة المنكسر المهزوم، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل ستواصل متابعة أي انتهاكات إيرانية للاتفاق النووي، مؤكدا أنه يتعين على المجتمع الدولي فرض عقوبات صارمة وشديدة على طهران في حال خرقها للاتفاق.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن نتنياهو القول إنه لولا الجهود التي بذلتها إسرائيل في هذا المضمار لكان الإيرانيون قد حصلوا على سلاح نووي منذ مدة. وقال نتنياهو: “سياسة إسرائيل كانت وستظل كما هي- فنحن لن نسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي”.
وأضاف” إسرائيل مستعدة للتعامل مع أي تهديد”. وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن اسرائيل تعكف حاليا على استكمال المداولات مع الإدارة الأمريكية حول حجم المساعدات الأمنية التي ستمنحها واشنطن لإسرائيل خلال العقد المقبل، مشددا على أهمية هذه المساعدات في التصدي لكل التهديدات وفي مقدمتها التهديد الإيراني. وجاءت تصريحات نتنياهو في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية قبل ظهر اليوم الأحد.
*”توازن” بين الخصمين الخليجيين!
من المنطقى أن يكرس دخول الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني حيز التنفيذ بتزامن مع تبادل للسجناء بين أميركا وإيران، التقارب بين هذين البلدين على حساب السعودية الحليف التاريخي لواشنطن. لكن هل يمكن تحقيق تقارب مع طهران دون إثارة الرياض؟
وبالرغم أن واشنطن تنفى رسميا أي خطط للمصالحة مع إيران، وكذلك أي تغيير في تحالفاتها في الشرق الأوسط. لكن بعض المحللين يلفتون إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تأمل في إقامة “توازن” بين الخصمين الخليجيين، الرياض وطهران، سعيا لوضع حد للحروب التي تهز المنطقة مثل الحرب المدمرة في سوريا. فبعد تجربة تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط في العقدين السابقين، راهنت الولايات المتحدة على اعتماد سياسة انفراج مع عدوها اللدود الإيراني بعد 35 عاما من القطيعة في علاقاتهما الدبلوماسية مجازفة بذلك بإهمال حليفها السعودي.
ولخص فريدريك ويري من مؤسسة كارنيغي للأبحاث الوضع بقوله “إن رؤية أوباما بالنسبة للخليج تقوم على التوازن”. وإن توصلت الرياض وطهران إلى تفاهم “سيسهل ذلك انسحاب الولايات المتحدة (من الشرق الأوسط) لتتوجه إلى آسيا” على ما أوضح الباحث مشيرا إلى سياسة “إعادة التموضع” الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي يسعى أوباما لانتهاجها منذ 2009. إلا أن “ويري” يرى أن التصعيد الأخير بين السعودية وإيران “قضى على هذا الطموح لإرساء التوازن”.
ومن المعروف أن الخصمين الكبيرين، السعودية وإيران، يتواجهان بصورة غير مباشرة عبر النزاعين الدائرين في سوريا واليمن وأيضا في العراق ولبنان. وفي مطلع كانون الثاني/يناير الجاري تحولت عداوتهما إلى مواجهة مكشوفة، فقطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد أن تعرضت سفارتها لهجوم من قبل إيرانيين غاضبين من السعودية لإعدامها رجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر. وحرصت الدبلوماسية الأميركية التي حذرت مسبقا الرياض في الكواليس من مخاطر إعدام النمر، على الامتناع عن اتخاذ موقف مع أي جانب واكتفت بالدعوة إلى الصلح.
واعتبر كريم سجادبور الاختصاصي في شؤون إيران لدى كارنيغي أن هذا الحياد الذي أبدته الولايات المتحدة يطرح مشكلة.
وقال هذا المحلل “إن ما يميز الرئيس أوباما عن الرؤساء الآخرين منذ 1979، هو أنه في هذه الأزمة الإيرانية السعودية لم تصطف الولايات المتحدة بوضوح إلى جانب السعودية. بينما كانت على الدوم في الماضي يدا بيد (مع المملكة). وذلك يثير بالتأكيد غضب” الرياض. وأضاف “هناك في الخليج (…) هذه الفكرة بأن أوباما يبدي ميلا إلى الفرس، إلى الحضارة الفارسية، وأنه ليس لديه الميل نفسه إلى دول الخليج (العربية)”.
واستطرد أن المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط والتي تحظى بحماية المظلة العسكرية الأمريكية ترى أن “لديها نوع من الغيرة الاستراتيجية، تخوف أساسي من أن تميل الولايات المتحدة مجددا نحو إيران وتقيم شكلا من التوازن” الإقليمي.
وسيكون ذلك عودة إلى”استراتيجية الركنين” الأساسيين التي اعتمدها الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي وتستند في آن إلى الرياض وطهران لضمان الأمن في الخليج. لكن هذه العقيدة انتهت مع الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979 واحتجاز رهائن لـ444 يوما في السفارة الأمريكية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في نيسان/ابريل 1980.
وعاودت الولايات المتحدة وإيران الاتصالات في ضوء المفاوضات حول الملف النووي التي انطلقت مجددا في خريف 2013 بعد 18 شهرا من المحادثات السرية. وتوج ذلك بابرام اتفاق فيينا التاريخي في 14 تموز/يوليو الماضي ثم دخوله حيز التنفيذ السبت (16 كانون الثاني/ يناير). ويفترض أن يضمن هذا الاتفاق عدم امتلاك طهران القنبلة الذرية مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران بصورة تدريجية. ويعد الاتفاق محطة هامة في مجال حظر الانتشار النووي كما يسجل نجاحا للحوار الأمريكي الإيراني. وخير دليل على هذا النجاح تبادل السجناء المعلن بين الولايات المتحدة وإيران. وهو سيناريو لم يكن ممكنا تصوره قبل بضعة أشهر، ما حدا بوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى القول “إن الدبلوماسية لطالما كانت خيارنا الأول والحرب وسيلتنا الأخيرة”.
كذلك فإن حادث الثلاثاء الماضي عندما تاه عشرة بحارة أميركيين في المياه الإقليمية الإيرانية تمت تسويته في خلال أربع وعشرين ساعة. وأشاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدوره بفضائل “الحوار” مع واشنطن بعيدا عن “تهديدات” الماضي.
في المقابل وجه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء لقاء الأسبوع الماضي في لندن مع كيري انتقادا شديدا لـ “حصيلة إيران في مجال الحرب والتدمير والإرهاب وزعزعة الاستقرار والتدخل في شؤون الدول الأخرى”.
ويرى البرتو نائب رئيس معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط (“ميدل ايست ميديا ريسيرتش انستيتيوت”) أن الولايات المتحدة قامت بـ “مجازفة محسوبة” بتقاربها مع طهران. لكن المعادلة تبدو مستعصية وتساءل هذا السفير الأمريكي السابق “كيف يمكن إعادة الدفء إلى العلاقات مع إيران بدون إثارة الحليف (السعودي)؟”.
وأنا أقول أنه من صالح آل سعود وآل زايد وآل الصُباح إعلان التوبة وتعزيز العلاقات مع النووى الإيرانى قبل فوات الآوان، خاصة وأن العالم يتسارع إلى الحُضن الإيرانى، فثمة الفرصة سانحة ووداعا للاستكبار !