رئيس التحريرسلايدر

كلنا قابوسيون.. ؟!

استمع الي المقالة

أشرف أبو عريفأشرف أبو عريف رئيس تحرير الدبلوماسى

يخطىء من يعتقد أن حاكم عربى ما هو ملك لشعب عربى ما فقط، ويخطى من يتصور أن نجاح قيادة عربية ما هو مكفول فقط لشعب عربى ما، ويخطىء من يتوهم أن إخفاق أو فشل زعيم عربى ما هو فشل لشعب عربى ما.. بل نجاح أو فشل قيادة عربية ما هو لكافة العرب محلياََ وإقليمياََ ودولياََ، وبختصار إما نعمة لشعوب العرب وإما نقمة على، ليس فقط العرب، بل على منطقة الشرق الأوسط خصوصاََ والعالم عموماََ.. لم يكن شعب سلطنه عمان وحده الذى أحب سلطانه، بل الشعب العربى كذلك شاطر العُمانيين حب السلطان.

فبحكم خمس وأربعين عاما، أحدث  حكم السلطان قابوس بن سعيد تغييراً جذرياً لعمان ولأهل عمان لذلك عرفه العمانيون – كبيرهم وصغيرهم- بعهد النهضة المباركة. فبتولي السلطان قابوس الحكم تغير وجه البلاد ومعه تغيرت حياة العمانيين وأحلامهم وآمالهم وخططهم.  

ويحمل العمانيون كل الحب والتقدير والعرفان والوفاء لسلطانهم الذي وهب نفسه لهذه الأرض فقد اعتلى العرش وهو في الثلاثين من عمره شاباً يافعاً ليقضي الخمسة والأربعين عاماً الماضية مؤسساً وبانياً بلداً عصرياً في خدماته وسياساته وقوانينه، أصيلاً في ثقافته وهويته ونسيجه المجتمعي. وقد اعتمد السلطان قابوس  منذ بداية حكمه أسلوبَ الخطابات العامة الموجهة لشعبه، حيث اتخذ السلطان احتفالات البلاد بالعيد الوطني من كل عام لتكون ليبث أفكاره وفلسفته ورؤيته ونظرته للأمور.

ولا يخفى على أحد أن السلطان قابوس  كان واثقاً ومعتداً بقدرته الخطابية وشخصيته الواثقة وهيبته المهيمنة وتلك الدرجة العالية من الكاريزما التي يمتلكها . وكان لتلك التوليفة فعل السحر على أبناء شعبه فما لبث إلا وأن أسر قلوب أبناء شعبه من جيل ما قبل السبعين وأجيال ما بعد السبعين. وإذا بخطابات السلطان تصبح حدثاً سنوياً يترقبه العمانيون ينتظرون بشغفٍ ماذا سيقول القائد وأي جديدٍ سيضيف في كل عام وأي قضايا سيطرح وأي توجهات سيضع. فأصبح المواطنون يحتفون بمناسبتين إحداهما هي العيد الوطني والأخرى الخطاب السلطاني.

استطاع السلطان قابوس أن يصنع عامل تشويق يعطي لاحتفالات البلاد بالعيد الوطني بعداً أعمق فهي تتعدى الأعلام والأضواء التي تزين الشوارع والبيوت والعروض العسكرية و الطلابية لتنتقل لبناء ارتباطٍ بقائد النهضة فيستشعر المواطن من خلال هذه الخطابات ما تحقق على أرض الواقع من إنجازات وما سيتحقق ولتكون كذلك حافزاً لكل مواطن أن يرى في نفسه شريكاً في عملية التنمية والتطوير.

وأكاد أجزم أن السلطان أراد من خلال خطاباته أن يغرس ويعزز هذا الشعور لدى أبناء شعبه وإلا لما اختار أن يطل عليهم بخطاب سنوي. عرف الشعب سلطانهم عن طريق هذه الخطابات ورأوا في كلماتها فلسفته وسياسته ورؤيته فتكونت لديهم تلك المشاعر الإيجابية الجمة لقائد وسلطان قادم بالتغيير ومؤمن بالتطوير.  ثم إن المتأمل في عمان وأهل عمان يجد فيهما انعكاساً لشخصيته. تلك الشخصية التي أعطت لعُمان سمتها كدولة وللشعب العماني ميزته بين الشعوب. 

أكثر ما يميز السلطان هو هدوءه واتزانه وحكمته في التعامل مع الأمور وقد ظهر ذلك جلياً مرات عديدة، منها تعامله المتزن مع دول الجوار دون استثناء، وحرصه على التوقيع ومنذ بدايات حكمه على اتفاقيات الحدود مع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية واليمن وإيران، الموقف الذي وقفه من القضية المصرية إبان توقيع السادات لاتفاقية السلام مع إسرائيل فكانت عمان من ضمن ثلاث دول عربية لم تقطع علاقاتها مع مصر، اضطلاع السلطان بالدور الرئيسي في شأن الوساطة بين الجانبين الإيراني والأمريكي. يأخذ السلطان بعين الاعتبار تبعات قراراته على شعبه وبلده، لذا تنعدم الأنانية في قرارته. والتاريخ القديم والمعاصر مليء بنماذج سلاطين وملوك ورؤساء دول أودت قراراتهم ليس بهم فقط وإنما بشعوبهم وزجت ببلادهم في حروب ومتاهات سياسية ليس فيها أطراف رابحة حتى وإن بدا عكس ذلك.

السلطان قابوس بن سعيد  كان دائماً حريصاً على سمعة عمان وأهل عمان بين الدول لذا رسم خطاً لبلده وشعبه قائماً على الترفع عن الترهات فنحن لا نزج بأنفسنا في أمور لا نفقه أبعادها. ولا نقحم أنفسنا كأطرافٍ في صراعات لا يكون واضحاً فيها بما لا يترك مجالاً للشك من المصيب ومن المخطئ. لا نثير زوبعات ولا نقرع الطبول ولا نكثر من القيل والقيل. “نحن نعمل لا نتكلم” ومن يحمل هذا الشعار لا يعبأ بما يقال عنه لأنه يعلم أنه ليس في حاجة للكلام. عملك من سيتكلم عنك. فاعمل في صمت.  لا نكون أبداً طرفاً في نزاع فإن كان ولا محالة أن نصبح طرفاً في مشكلة ما فحينها نكون طرفاً في حل المشكلة.

سياسة عجيبة تثير استغراب غير العمانيين وتدعوهم للتساؤل ولكن لأهل عمان هذه هي شخصية القائد وهذا نهجه ونحن أكثر الناس فهماً له وأكثرهم فخراً به. واليوم وبفضل هذه السياسة العمانية الفذة لا يجد المواطن العماني مشقة في التنقل بين أطراف العالم فجواز سفره الذي يحمل اسم عمان واسم صاحب الجلالة وشعار البلاد كلها علامات فخر لا يدعو أي منها للشك ولا يثير إياها أي شبهة. رجل يحمل كل هذه الصفات وقائد يحب بلده وشعبه ويحمل همه لهذا الحد ويحكم واضعاً سياسة نابعة عن تخطيط لما يجب أن تكون عليه هذه البلاد يستحق أن يكون شعب عمان  انعكاساً له. ويستحق أن يكونوا ويقولوا “كلنا قابوسيون”.

فهل لشعوب العرب استنساخ الجين القابوسى..؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى